تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
البرادعى يعتقد فى قرارة نفسه أنه بطل ومخلص، ويتغافل عن أنه لا بطل ولا يحزنون فهو الهارب دائما فى المواقف الفاصلة
ليس «تويتر» وحده الذى بلانا بمحمد البرادعي، ولكن ذاكرة السمكة لدى البعض هى ما تدفع «البوب» إلى صدارة الأخبار كلما نسى الشعب أنه رجل الهروب بامتياز، يرجع إلينا بتغريدة تجعلنا نضطر للتوثيق ولنبش الدفاتر التى لم تعد قديمة بعد.
بمجرد إحالة أوراق مرسى ونفر من جماعته إلى المفتي، خرج البرادعى من الشمال الأوروبى ليكلمنا عن الدم وحرمته، وكأن ما لدى جماعة الإخوان المسلمين دم، وما كان يجرى فى عروق جنودنا الشهداء ماء.. المهم هو أن البرادعى يعتقد فى قرارة نفسه أنه بطل ومخلص، ويتغافل عن أنه لا بطل ولا يحزنون، فهو الهارب دائماً فى المواقف الفاصلة، وهو الذى ثارت حوله الشبهات بمجرد وصوله مطار القاهرة قبل سنوات، وكان الأبرياء من الشعب فى انتظاره، ولم يجرؤ على الخروج لهم مكتفيا بالنظر إليهم من خلف زجاج الأبواب فى المطار، ثم مضى فى أمان.
وسبق ذلك الوصول الباهت مؤتمر مهم انعقد له فى لندن، وقال لى من أثق فى كلامه وكان من الحاضرين: «إن هذا المؤتمر ما كان له أن ينعقد بهذه الصورة الفخمة لولا مساندة أجهزة عالمية لتصدير البوب نحو مصر المحروسة»، ومن يومها والكثير من المتابعين عن قرب لحركة الشارع بمصر وهم يتوجسون من ذلك الرمز الكرتوني، ولكن جماعة الإخوان وعدد من الكيانات والرموز المطالبة بالتغيير فى مصر كان لهم رأى آخر، فرأينا ما حدث بعد ذلك من تداعيات على الأرض.
ولأننى حرصت على وصف البرادعى بأنه رجل الهروب، فتعالوا نتابع هذه الوقائع، وعلى رأسها انسحاب البرادعى من الترشح فى انتخابات الرئاسة، وتبريره المائع حول عدم نزاهة الانتخابات، وكأنه يخلى الطريق للإخوان ضمن اتفاق عقده معهم بليل، وجاءت تلك الانتخابات بالأخ مرسى، وصار ما صار بعدها.
كان من المفترض من الكائن «التويترى» الفضائى أن ينزل على الأرض ليقول كلمته أو على الأقل يقول لنا الأسباب الحقيقية لانسحابه، الآن نترك مقعد الرئاسة ونتقدم قليلاً لنصل إلى مقدمات ٣٠ يونيو، ولعلنا نتذكر أن أمير قلوب الخس كان مفوضا من الأحزاب والقوى السياسية، وحضر بنفسه إلقاء بيان ٣ يوليو، بل وتم تعيينه نائبا لرئيس الجمهورية، ولكنه رأى أن الإجراءات تسير بشكل جاد نحو الخلاص من الفاشية، وعلى عكس المخطط الذى جاء من أجله، قفز من السفينة هاربا نحو دفء الإنترنت والنضال المجانى بتغريدات تسيء إليه قبل أن تسيء لدماء جنودنا الشهداء الذين صعدوا لبارئهم بفعل رصاصات الغدر المتأسلمة.
وثمة ملاحظة فى هروب البوب بعد فض اعتصام رابعة المسلح، وهى أن الرجل لم يلتفت ولم يهتم بحزبه الذى أسسه، وغادر البلاد تاركا من اقتنعوا به يدبجون التبريرات، ويواجهون وحدهم مصيرهم فى خريطة سياسية مرتبكة، فهل هكذا يكون تحمل المسئولية يا أمير.
أعتقد أن محمد البرادعى لو اكتفى بصمته بجوار مدفأته فى أوروبا لكان من الممكن أن نتفهم هروبه المتكرر، ونعزوه إلى ضعف فى الشخصية القيادية، ولكن أن تدب فيه الروح، وبعد تشكل ملامح مصر الجديدة، بعد أكثر من عام ونصف العام على ثورة ٣٠ يونيو، يذهب البوب متطوعا إلى مقر الاتحاد الأوروبى ليقول إنه كانت هناك فرصة للم الشمل، ولكن العنف قتل هذه الفرصة، طبعا يقصد عنف الدولة، ويتعامى عن عنف الإخوان.
إن ماسورة الإنسانية التى تضرب فى وجوهنا مع كل عقوبة يتم إنزالها على مجرم قاتل لا يمكن فهمها بأنها رقة مشاعر من المتباكين، وأن قلوبهم كقلوب الخس رهيفة شفافة، لأن هؤلاء المتعاطفين هم سحابة الدخان التى يتستر وراءها الإرهاب، ولذا فهم شركاء فى الدم المسفوح يوميا بسيناء وعلى نواصى المدن.