تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
ارتبط وجدانيا وعاطفيا بمبنى ماسبيرو لأنى أمضيت فيه قرابة الأربعين عاما، وكم أشعر بالضيق كلما وجدت البعض يريد أن يعامله معاملة خيل الحكومة، رغم أنه كان وما زال شاهد عيان على تاريخ مصر منذ عام 1960 وحتى الآن، وتخرجت فيه رموز إعلامية لها بصماتها فى تشكيل وعى الأمة منذ عهد الزعيم الخالد جمال عبد الناصر، مرورا بكل الأنظمة السياسية التى شهدتها مصر.
وقبل أن تتسع الدائرة الإعلامية لتشمل قنوات فضائية خاصة مصرية وعربية لم يكن يوجد سواه على الساحة الإعلامية، وكان وما زال ماسبيرو معمل تفريخ الكوادر الإعلامية التى جعلت من هذه القنوات شيئا له شأن، لدرجة أنه تراءى للبعض منها أن دورها يجب أن يتجاوز ماسبيرو الغارق الآن فى فى مشاكل الديون وقلة التمويل وترهل هيكله التنظيمى وتراجع نسب المشاهدة بسبب عدم جاذبية المحتوى ورتابة الشكل، فضلا عن تكبيله بقواعد ولوائح بيروقراطية قاتلة للإبداع، الأمر الذى جعل من أبنائه نجوما لدى القنوات الخاصة، ومن آثر عدم تركه وفضل العمل فيه انزوى فكره وقل إبداعة وخفتت نجوميته.
ما زاد من الطين بلة انهيار النظام الإعلامى فى السنوات الأخيرة، ومن المعروف أن هذا النظام كان قائما قبل ثورة ٢٥ يناير، سواء اتفقنا أو اختلفنا معه وعندما انهار لم تتخذ الخطوات لإقامة نظام إعلامى جديد، وجميع وزراء الإعلام بعد ثورة يناير لم يجرأوا على إقامة هذا النظام الذى من المفترض أن يقدم بديلا أكثر تطورا من وزارة الإعلام، والحقيقة أنهم كانوا معذورين لأن أى وزير تم تعيينه كان سرعان ما يغرق فى مشكلات ماسبيرو، وأذكر أن أحدهم قال لى ذات مرة إنه كان يتصور أن مهمة الوزير سياسية فقط، ولا علاقة له بالمسائل التنفيذية لأنها مسئولية رئيس مجلس الأمناء، فقلت له لقد رسخ فى ذهن المجتمع أن وزير الإعلام هو وزير الإذاعة والتليفزيون، ومهمته ليست فقط متابعة محتوى وشكل القنوات والشبكات الإذاعية، بل إيجاد حلول عاجلة لمشكلات الاتحاد وبصفة خاصة المالية، وفى لحظة من اللحظات كانت مهمة وزير الإعلام تدبير مستحقات العاملين الشهرية بعد تطبيق الكارثة المسماه لائحة 2012، وبلغت حتى 2013 مبلغ 220 مليون جنيه شهريا، مع ملاحظة عدم وجود أى مبالغ لقطاعات الاتحاد الخاصة بالتطوير والتشغيل، الأمر الذى أدى إلى تفاقم مشكلة الديون التى وصلت اليوم إلى 22 مليار جنيه.
وكنت فى حوار فى إحدى القنوات الفضائية مؤخرا، وسألتنى المذيعة عن رؤيتى لإنقاذ ماسبيرو مع تردد عودة وزارة الإعلام؟ قلت بإيجاز: إن ماسبيرو يحتاج قبل الوزير إلى فكر متطور وعقلية إدارية محترفة، ولهذا أى مسئول يتولى الزمام فى ماسبيرو لا بد أن يكون متخصصا ولديه رؤية واضحة لعملية الإنقاذ تلك، بعبارة أخرى لا يحتاج ماسبيرو وزيرا يدرس ويذاكر ويفكر ويبحث عن الحلول، لا بد أن يأتى سواء كان من داخل ماسبيرو أو من خارجه بخطة إصلاح اقتصادية وإعلامية غير تقليدية تقوم على عدد من المحاور، منها إسقاط الديون، وتعظيم الموارد الذاتية، وتعديل التشريعات بشكل يجعل من ماسبيرو منشأة خدمية وليست منشأة اقتصادية، وإخراج إعلام الدولة من دائرة منافسة الإعلام الخاص على كعكة الإعلانات التى كانت سببا فى تدبير مؤامرات للقضاء على ماسبيرو، وفى الوقت نفسه أن تكون هناك رؤية واضحة لتبنى ماسبيرو مفهوم إعلام التنمية وتطوير المجتمع فى كل مجالات الحياة، بحيث تنطلق الأفكار البرامجية من هذه الرؤية وبشكل جاذب يحتوى كل عناصر الإبهار فى صناعة الإعلام.
إن خروج ماسبيرو من عنق الزجاجة ليس صعبا، خاصة إذا عرفنا أنه يمتلك ثروة فنية وتقنية عالية المستوى تتمثل فى أجهزته واستوديوهاته ووحدات إذاعاته الخارجية وشبكات إرساله التى تغطى مصر والعالم العربى، ويمتلك ثروة بشرية يجب إعادة تدويرها وتوظيفها، بما يتلائم والاحتياجات الإعلامية الحقيقية لهذا المبنى، وأحذر من بيع ماسبيرو للغير، لأنه ملك للشعب المصرى تتساوى قيمته مع كل ما لا يقدر بثمن على أرض هذا الوطن.
وأحذر من أن عدم حل مشكلات ماسبيرو سيكون حجر عثرة أمام نجاح المجلس الأعلى للصحافة والإعلام والمجلس الوطنى للبث المرئى والمسموع اللهم بلغت اللهم فاشهد!!