وفي إطار ذلك المخطط الصهيوأمريكى انطلقت القوى الاستعمارية الجديدة، لتنفيذ مخططاتها من خلال الضغط على الحكومات العربية والإسلامية واستقطابها فى آن واحد، وتشجيعها فى السر على ممارسة الأنشطة الديكتاتورية وقمع الحركات الإسلامية، فضلًا عن استقطابهم للعناصر الشبابية من تلك الدول من خلال أعمال استخباراتية بعضها مكثف كشبكة المعلومات الدولية «الإنترنت»، وبعضها غير مكثف من خلال تجنيد العملاء من تلك الدول فى إطار معلن هو تعليم الأجيال والشباب ثقافة نشر الديمقراطية بدول المنطقة.
كما استمرت السياسات الغربية تجاه تفتيت عضد الدول العربية والإسلامية من خلال التخويف المستمر من النشاطات الإيرانية، والمد الشيعى فى الدول السنية دون اتخاذ أى إجراءات دولية ضد إيران على الرغم من التصريحات والمواقف الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية المتبادلة بينها منذ أكثر من (١٥) عامًا.
وفى هذا المجال أيضًا وتخفيفًا للأعباء التى وضعت على عاتق الولايات المتحدة، فقد تم تفعيل آليات مختلفة لمواجهة التحديات فى الشرق الأوسط خاصة بعد التطورات الطبيعية فى النظام العالمى الجديد الذى يتجه حاليًا إلى التعددية ويلغى فكرة الأحادية ومنها:
عودة العافية لروسيا الاتحادية بعد معاناة سنوات التفكيك، ومحاولاتها احتلال موقع الاتحاد السوفيتى القديم واستعادة قوتها وعلاقاتها بالعديد من الدول فى مناطق استراتيجية على مستوى العالم منها الشرق الأوسط وربما تكون مساندة روسيا للنظام السورى فى هذا البلد الذى يمثل منطقة مهمهة فى الشرق الأوسط، هذا إلى جانب مساندة روسيا للبرنامج النووى الإيرانى، والوقوف سياسيًا ضد توجهات واشنطن للسيطرة على المنطقة كذلك، فإن معارضة روسيا لتدخل حلف الشمال الأطلنطى إبان الثورة الليبية، دليل على عدم ترك أمور المنطقة للغرب. كما يمكن اعتبار سياسة روسيا الحالية بمثابة محاولة لإحداث توازن عسكرى مع الولايات المتحدة الأمريكية لإيقاف تغلغل النفوذ الأمريكى فى العالم.
القوى الناشئة
إن صعود القوى الناشئة بفاعليتها على مستوى العالم، ومحاولاتها التواجد فى مناطق استراتيجية مهمة، خاصة منطقة الشرق الأوسط، سيكون عنوانا لمرحلة قادمة حتما. وتعتبر أهم تلك القوى هى الصين، التى حققت أكبر مستوى تنمية على مستوى العالم، كما تتجه إلى تحديث قدراتها العسكرية من خلال تكنولوجيا متقدمة، كما تمكنت، فى نفس الوقت، من خلال القوة الناعمة التى امتلكتها، من ربط مصالحها مع قطاعات واسعة فى إفريقيا وآسيا من خلال الاستثمارات الاقتصادية الكبيرة.
وفى هذا المجال أيضًا تأتى الهند والبرازيل وتركيا، وغيرها كقوى ناشئة تحاول توسيع مجالات نفوذها فى العالم، بما يتطلب رسم سياسات جديدة للنظام العالمى الجديد. كذلك تأتى الولايات المتحدة الأمريكية باستراتيجيتها العسكرية، التى تتجه نحو بناء قدرات متفوقة فى جنوب شرق آسيا والمحيط الهندى، مع الاعتماد على حلف شمال الأطلنطى كقوة سياسية عسكرية يلعب فيها الاتحاد الأوروبى دورًا رئيسيًا، فى عملية السيطرة على الشرق الأوسط، يساعده فى ذلك، إسرائيل كقوة ردع تنفذ تعليمات الولايات المتحدة الأمريكية وتحارب بالوكالة عنها.
ومن خلال كل ما تقدم، وعبر تحليل الأحداث المحيطة بنا والتهديدات التى تحاصرنا من كل جهة، فإن كل الشواهد تدل على أن منطقة الشرق الأوسط ستعود إلى ما كانت عليه إبان مرحلة الحرب الباردة، تلعب فيها الاستقطابات دورًا رئيسيًا، ويبحث كل طرف قديم أو جديد عن مصالحه الذاتية التى تحقق له استراتيجياته، والولايات المتحدة يهمها فى المنطقة أربعة أشياء رئيسية هى: أمن إسرائيل تدفق البترول، أمن قناة السويس، ارتباط القوى الرئيسية فى المنطقة بها.
بينما يهم روسيا الاتحادية بالأساس: التواجد فى المنطقة بالقدر الذى يؤثر على مصالح الولايات المتحدة، فى الوقت الذى تتطلع فيه إلى عودة علاقاتها القديمة على نمط الاتحاد السوفيتى إبان الخمسينات والستينات، بما يجعل مصر مفتاحًا لتواجدها فى شرق المتوسط.
أما الصين كقوة ناشئة فتهدف: إلى المنافسة الحقيقية والانتشار فى عالم يسوده صراع القوى، وهى تعلم أن إفريقيا هى قارة المستقبل بإمكانياتها والطفرات التى تسود شعوب القارة، وبما يحقق للصين مستقبلًا زاهرًا فى تحقيق مصالحها فى القارة واقتسام المصالح مع القوى الأخرى.
الدول الأوروبية هى الأخرى، دول الاستعمار القديم، تسعى بدورها لتثبيت أقدامها فى المنطقة فرادى أو من خلال المؤسسة الجامعة وهى «الاتحاد الأوروبي».
وفى خضم كل ذلك يأتى السؤال الأهم، ما العمل؟ أو بمعنى آخر: ماذا نحن فاعلون؟. والإجابة يضعها المفكر الأمريكى «والتر هيبمان» حينما يقول «إن الدولة تكون آمنة عندما لا تتنازل عن حقوقها من أجل تفادى الصراع، بل إنها يجب أن تلوح بالحرب، عندما تقوم بعملية التفاوض، من أجل تحقيق مصالحها»، وهذا هو مختصر ما يجب أن تسير عليه استراتيجيات دول المنطقة، إذا أرادت لنفسها تأكيد مكانها ومكانتها على خريطة العالم، وربما تكون ثورات الربيع العربى، وما أفرزته من قيم ومتغيرات حادة عاملًا رئيسيًا يقود السياسات إلى أن تجد لنفسها المكان المناسب حيث إن دول الشرق الأوسط لها تاريخها وحضارتها، وتعتبر الحضارات المصرية والبابلية والآشورية والفينيقية التى ظهرت على أرض هذه المنطقة هى أقدم الحضارات التى علمت العالم، ويجب أن تعود مرة أخرى، لكى تصبح المنطقة، كما كانت دومًا، منطقة إشعاع حضارى بما تمتلكه من إمكانيات كبيرة، وهو ما يتطلب بناء القوة الذاتية لكل دولة من دول المنطقة مع إيجاد صيغة لتجمع إقليمى حاشد يضم هذه الدول التى تعد مساحتها أكبر من مساحة أوروبا نفسها، فى السياق نفسه فإن بناء القوة يحتاج إلى استراتيجيات مدروسة تخالف تماما ما تسير عليه المنطقة حاليًا، خاصة فى المجالين الاقتصادى والاجتماعى، بحيث تكون التنمية وامتلاك التكنولوجيا وبناء الاقتصاديات القوية الوازع الرئيسى فى استراتيجيات الشرق الأوسط الجديد، وحتى تقاوم كل ما يخطط من استراتيجيات أمريكية وغربية تهدف إلى تفتيت دول تلك المنطقة أو تغيير أيديولوجيتها.
وأخيرًا فإن مصر لا بد أن تسارع فى العمل لاستعادة قدراتها ومكانتها باعتبارها القائد الفعلى لمنطقة الشرق الأوسط، فى نظام جديد مشرف على الأبواب، وهو نظام لا بد أن يكون، متعدد القوى حتى لو اختلفت قدرات تلك القوى، ولكنه، سيكون فى ذات الوقت، سوق له استراتيجياته وآلياته، تلك التى يجب أن نكون مستعدين لها من الآن.
آراء حرة
ما العمل؟ "3"
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق