الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

بريطانيا ليه؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا بأس- هنا- من تكرار أسباب تركيزى على الشأن البريطانى (وحتى الداخلى) ومتابعتى اللصيقة له.
إذ أن بريطانيا ليست بعيدة- كما يتصور المحدودون- وإنما هى قريبة إلى درجة مدهشة، بل لعلها مشتبكة معنا فى معظم قضايانا الداخلية والإقليمية والدولية، وللأسباب التالية:
• بريطانيا هى مستثمر يحتل- أحيانًا- المرتبة رقم واحد بين المستثمرين الأجانب فى مصر، واستثمارات بريطانيا (وإن وقعت بمعظمها فى مجال التنقيب عن البترول أو الخدمات البترولية) فإنها تظل ركنا مهمًا مستهدفًا لجهود الدولة المصرية نحو استعادة وضعها فى السوق الاستثمارية بعد التراجع الكبير الذى حدث خلال وبعد عملية يناير 2011.
• بريطانيا دولة مهمة فى الاتحاد الأوروبى- رغم عدم التوافق الكامل بين رئيس وزرائها ديفيد كاميرون وأقطاب الاتحاد (فرانسو هولاند الرئيس الفرنسى وأنجيلا ميركل المستشارة الألمانية وجان كلود بانكر رئيس المفوضية الأوروبية)، ورغم ذلك- أنه وعد الناخبين- قبيل الانتخابات العمومية البريطانية الأخيرة- بأنه سيجرى استفتاء حول البقاء فى أوروبا (يسميه بعض متشددى حزب المحافظين: استفتاء الخروج من أوروبا)، وهو الطرح الذى التجأ كاميرون إليه محاولًا سحب البساط التصويتى من تحت أقدام اليمين البريطانى.
رغم ذلك كله فإن بريطانيا تظل- حتى اللحظة- دولة ثقيلة الوزن فى الاتحاد الأوروبى، الذى يهم مصر- كثيرًا- أن تكون على علاقة قوية بنا كونها مصدر مساعدات مهمة، كما أن دولة تستثمر فى مصر بالمليارات (وظهر ذلك واضحًا فى مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي)، وكذلك جهة (مراقبة وضبط) للسجل الحقوقى فى مصر، وأخيرًا فإن دول الاتحاد تعد سوقًا هائلة للمنتجات المصرية، وبالذات الزراعية، وعلى وجه الخصوص: البطاطس والبرتقال.
• بريطانيا دولة قائدة فى الحلف الأنجلو / ساكسونى مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك مقولة جاهلة شاعت كفلكلور سياسى شعبى فى ساحة السياسة المصرية، مفادها أن بريطانيا تابع للولايات المتحدة، وهذا غير صحيح على الكلية والتفصيل، لأن بريطانيا هى عكس ذلك- على المستوى الثقافى والمزاجى- عنصر مؤثر جدًا فى الولايات المتحدة، وهى على المستوى السياسى والعملياتى والمعلوماتى ركن أساسى فى أى تحالف عسكرى تسعى الولايات المتحدة إلى تشكيله وبالذات فيما يخص الشرق الأوسط الذى تعد بريطانيا عرابًا تاريخيًا له منذ أيام الثورة العربية الكبرى عام 1916 وحتى غزو العراق وتحالف مواجهة داعش، فضلًا عن تحالفهما فى المؤامرة التى التبست الغضب الشعبى فى 25 يناير.
• بريطانيا دولة ذات تاريخ فى خلق ظاهرة التطرف الإسلامى، وأصولها السياسية والتنظيمية فى مصر، وعلى وجه التحديد فإن بريطانيا هى الصانع الأول لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية (تاريخيًا)، وعبر الاتصالات القديمة التى ربطت بين حسن البنا حسن الهضيبى وصالح أبو رقيق برجال السفارة البريطانية فى قصر الدوبارة، وما زالت لندن تحتضن عددًا كبيرًا من رموز ونجوم التطرف الإسلامى، بل والتنظيمات الداعمة للتطرف إما ماليًا أو فكريًا، ورغم أن رئيس الوزراء البريطانى أمر بإجراء تحقيق حول الجذور التاريخية لجماعة الإخوان وعلاقتها بالإرهاب، إلا أن ذلك كان استجابة لضغط الرأى العام البريطانى الداخلى الذى أقلقته كثيرًا ظواهر التطرف الداعشى وبالذات مقتل الصحفى البريطانى جيمس فولى، بالضبط كما ارتحال بعض الشباب البريطانى (والفتيات بالذات) إلى سوريا والعراق بطرق ملتوية، وعبر تركيا على وجه الخصوص، وذلك بغرض الانضمام إلى تنظيم داعش والمشاركة فيما أسموه (الجهاد) وهو ما يتواصل مع موجه تشهدها أوروبا وبالذات فرنسا وبلجيكا وألمانيا، وكذلك فإن كاميرون- بإجرائه التحقيق- كأنه يحاول سحب البساط من تحت أقدام الأحزاب والجماعات اليمينية الجديدة (وبالذات حزب الاستقلال) والتى لقيت شعبية كبيرة فى عدائها للأجانب وتخوفها من المسلمين بالذات.. ومع ذلك فإن تحقيق كاميرون الخبيث عن الإخوان لم يسفر (كما توقعت منذ البدء فيه) إلا عن "تشديد المراقبة" ولم يفض إلى حظر أو طرد، كما أن التحرك الذى قام به فصيل من التنظيم الدولى فى مجلس العموم (ضم منى القزاز ومنى عزام وعبد الموجود البربرى وإبراهيم منير والمحامى رود ديكسون) بدا مرحبّا به على نحو لافت فى حين لم نشهد جهدًا من الحكومة البريطانية للتعامل (بجدية) مع المعلومات والشرائط والأدلة التى وفرتها الجهات الرسمية المصرية على الجانب الآخر.
• وكذلك فإن بريطانيا نموذج مؤثر جدًا فى التعامل مع (حماس) وملف القضية الفلسطينية، لأن منهج التعامل الغربى مع تلك القضية إنما يتم حرفيًا وفقًا لنموذج (أيرلندا)، بل وقد سعت الولايات المتحدة منذ سنوات عبر السيناتور الأمريكى ذو الأصول الأيرلندية جون ميتشل إلى إيكال التحرك حول الموضوع إليه، والتى كرر فيها نفس ما تفعله بريطانيا مع الجيش الجمهورى الأيرلندى (سواء عبر طرح آلية نزع سلاح حماس كأحد شروط التسوية أو تفكيك الميليشيات وغيره).
• أيضًا فإن بريطانيا هى إمبراطورية للإعلام الدولى، سواء العربى أو غيره، وبما يجعل التواجد فيها (إذا أحسنت الأجهزة المصرية العمل) أمرًا مؤثرًا جدًا فى التحرك السياسى المصرى دوليًا، بل ومحليًا.
• وأخيرًا فإن بريطانيا ذات علاقة نشطة مع بعض دول المنطقة ذات العدائيات الواضحة مع مصر، وبالذات قطر وإسرائيل، فعلى الرغم من بعض الأصوات الواضحة التى تقف ضد إسرائيل مثل حزب الليبراليين الديمقراطيين، أو حتى غوغائى شهير مثل جورج جالاوى فى أعماله التى يعلن أنها لمساندة الشعب الفلسطينى، فإن الرابطة التى تشد بريطانيا إلى مساندة إسرائيل أقوى من كل تصور، وحتى إن نزع الزعيم السابق لحزب العمال إد ميليباند إلى تأييد الفلسطينيين فى مجلس العموم الذى دعم- بدوره- حل الدولتين واعترف بالسلطة الفلسطينية.
أما قطر فموضوعها معقد جدًا لأن شيوخ الأسرة الحاكمة الآن، هم- فى حقيقة الأمر- عملاء للمخابرات البريطانية ويبدو ذلك- ربما- على نحو أوضح وبعيدًا عن أى سواتر تمويه، فى شبكة قطر بمصر التى تضم ناشرين وكبار كتاب ورجال أعمال وصحفيين وبعض كبار موظفى الجامعة العربية..
قطر اشترت بريطانيا- كذلك- سواء بعقد الأمير تميم صفقات سلاح كبرى أثناء زيارته إلى لندن منذ شهور، أو بالمشاركة فى مشروع كاميرون العملاق لتحديث وتطوير محور (ليدز / مانشستر) وربطه بقطار فائق السرعة بلندن (تكلفته 69 مليار جنيه استرليني)، فضلًا عن الأملاك القطرية الواسعة فى بريطانيا سواء فى مجال العقارات أو النوادى الرياضية أو غيرها.
ومن ثم فإن قدرة قطر (ذات العداء الواضح لمصر) على التأثير فى السياسات البريطانية هى قدرة واسعة، وإن لم تستطيع الأجهزة المصرية موازنة ذلك التأثير، فعلى الأقل لا بد- لها- أن تراقب كل ما يرتبط بتلك المسألة، وبخاصة أن كل من قطر وبريطانيا يرتبط عضويًا بجماعة الإخوان الإرهابية وامتداداتها وهى (العدو) الرئيسى لمصر فى اللحظة الراهنة.
..........................................................
أسهبت- إذن- فى شرح أسباب اهتمامى بمتابعة بريطانية ومراقبة العوامل (حتى الداخلية فيها) التى تؤثر فى قرارها السياسى وتوجهاتها، ويضاف على ذلك العامل الشخصى المتمثل فى خبرتى الذاتية ببريطانيا التى عشت وعملت فيها لسنوات طويلة.
وسبب تعرضى- اليوم- لبريطانيا هو نتاج الانتخابات العمومية البريطانية الأخيرة التى وإن فاز بها حزب المحافظين بفارق مقعد واحد (326 مقعدًا من إجمالى 650 مقعدًا) فإنها تضمنت مؤشرات بالغة الأهمية ينبغى علينا دراستها ومعرفة تأثيرها علينا إن كان لها ذلك التأثير، وأحددها فى العناصر التالية:
أولًا: صعود الاتجاهات القومية فى أقاليم بريطانيا ومما يهدد بتفكيك أو تشظى صيغة المملكة المتحدة، ويمكننا- هنا- النظر إلى حالة إسكتلندا التى فازت بـ 56 مقعدًا من إجمالى 59 مقعدًا لذلك الإقليم فى مجلس العموم، والتى تتوق إلى الانفصال عن بريطانيا والثأر لثلاثمائة عام من الإذلال الإنجليزى لذلك الإقليم، وهو ما عبر عنه- لو تذكرون- ميل جيبسون فى فيلم Brave- heart أو (قلب شجاع)، هم أيضًا- متأثرون بدخول الفرنسيين إلى إقليمهم فى أحد مراحل تاريخهم، تاركين نفوذًا قويًا جدًا ورغبة عارمة فى الانضمام إلى أوروبا، وعدم اقتسام ثروتهم من الأسماك والفحم والبترول والويسكى مع الإنجليز.
فى إسكتلندا تقود نيكولا ستورجن الحزب القومى الإسكتلندى وهى ستذهب إلى استفتاء جديد على الاستقلال آجلًا أم عاجلًا بعدما خسر القوميون تحقيق ذلك الهدف فى استفتاء سبتمبر الماضى، سوف يضغط الإسكتلنديون وسوف يتحصلون أولًا ما وعدهم به ديفيد كاميرون من سلطات مالية أكبر وخدمات أكثر فى الصحة والتعليم، ثم سيعاودوا المطالبة بالاستقلال مرة أخرى.
أما القوميون فى ويلز فهم سيسعون إلى الاستقلال خلف حزبهم القومى (بليد كيمرو) زعيمته ليليان وود، وليس ذلك- فقط- وإنما هم (فى الطريق) سيعملوا على إعلان الجمهورية لإلغاء الملكية، إذ لا تنادى زعيمة بليد كيمرو على الملكة إليزابيث إلا بلقب (سيدة وندسور)، وأنا أفهم ذلك الموقف على أنه نتيجة للفقر الشديد فى ويلز والتهميش المغالى فيه والذى يتبدى واضحًا حتى فى العاصمة كارديف، وهذا العامل جعل من الولزيين مكونًا أكثر راديكالية وثورية بين سكان المملكة المتحدة.
وليس بعيدًا عن ذلك موقف الجمهوريين الأيرلنديين الذى تنبنى دعوتهم (عقيديًا) على فكرة الاستقلال، وحتى الملكيين الموالين للتاج فى أيرلندا لا يستطيعوا مجافاة حقيقة أن الأيرلنديين أمسوا مرتبطين بالاستقلال وبأوروبا أكثر من أى وقت مضى.
.................................................
لماذا اعتبرت أن هذا العنصر مهم لنا فى مصر والمنطقة؟
لأن فكرة نجاح النزعات العرقية والطائفية فى الاستقلال أو تشظى وتقسيم بلد بأهمية وثقل المملكة المتحدة لا ينبغى أن يتخذ نموذجًا يحاول البعض تطبيقة علينا متزرعًا بأنها حدثت فى بريطانيا ذاتها.. إذ أن الأمر مرتبط بمرحلة النمو الاقتصادى والاجتماعى، وقدرة الأحزاب القومية القائدة على التأثير والنفاذ إلى كتلة الناس الكبيرة.
وهذا أمر لا يتحقق عندنا فضلًا عن أن مصر بطبيعة شخصيتها وتاريخها دولة مركزية، ومهما حاولت- بصدق- إسباغ ملامح ديمقراطية تعددية على الكيان الإدارى والسياسى فيها، فإنها تظل مركزية لا تتغير طبيعتها أبدًا.. وحتى لما تبدت تجليات المؤامرة الكبرى على مصر فى الطريق إلى يناير 2011، وتعرضنا لمحاولات تأليب سكان المناطق الحدودية فى النوبة ومطروح وسيناء فإن ذلك فقد القدرة على الاستمرار كونه يفتقد الأساس التاريخى أو الجذور العميقة التى تنمو فى بلاد عربية أخرى وبالذات مع الحزازات الطائفية.
ثانيًا: سوف يترتب على نتائج الانتخابات العمومية فى بريطانيا تشجيع لنهج الانفصال عن أوروبا، إذ يغذى هذا الاتجاه تيارًا يمينيًا جارفًا بدأ يجتاح أوروبا كلها ممثلًا فى حزب (الجبهة الوطنية) بفرنسا، وحزب (فلامس بلانج) فى بلجيكا، وحزبى بيجيدا والمبادرة من أجل ألمانيا فى ألمانيا، وغيرهم عشرات من الحركات الاحتجاجية التى بعثت الحياة تقريبًا فى مشاعر عنصرية تشارف النازية كانت أوروبا قد نفضت يديها منها منذ زمن بعيد.
ولتلك النزعات القوية أسباب اقتصادية / اجتماعية كبرى، وبالذات ما يتعلق بزيادة معدلات الهجرة من أوروبا الجديدة (دول الكتلة السوفيتية سابقًا) إلى دول أوروبا القديمة (فرنسا وألمانيا وبلجيكا وبريطانيا)، وبما يؤدى إلى زيادة معدلات البطالة، ومهما حاول ديفيد كاميرون أو غيره تأجيل الطلاق البريطانى البائن مع أوروبا، ومهما حاول هولاند وميركل ويانكر اللجوء إلى إجراءات تضبط الهجرة الأوروبية إلى بريطانيا فإن ذلك لن يفلح- إلا مؤقتًا- فى تأجيل الانفصال، لأن راغبى الانفصال (وأعدادهم فى ازدياد كبير) لهم حجة منطقية جدًا وهي: (لقد دخلنا على أوروبا عبر السوق الأوروبية كمنظمة للتعاون الاقتصادى وليس كمنظمة سياسية).
تأثير ذلك الكلام علينا ينبغى أن نحسبه- بدقة- على المستويين السياسى والاقتصادى، لأن انفصال بريطانيا إن حدث يعنى تغيرًا دراماتيكيًا فى توازن القوى داخل الاتحاد الأوروبى، ولا يلزمنا فى علاقتنا ببريطانيا بمعايير الاتحاد الأوروبى وبالذات فى تصنيف الصادرات، وهى قاسية بأى معيار وتتغير بحسب رغبة سلطات المفوضية فى الضغط على هذا الطرف أو ذاك.
حتى سياسات الدفاع البريطانية ستتأثر بخروجها من أوروبا، إذ لن تتبقى رابطة عسكرية سوى حلف الأطلنطى، وتتحلحل لندن من عضويتها فى جيش أوروبا أيًا كان حجمه، وسوف يؤثر ذلك على احتمالية مشاركة بريطانية فى أى جهود أوروبية لمواجهة عمليات الهجرة غير الشرعية إلى دول جنوب أوروبا، وكل ما سوف يتبقى من المجهود الدفاعى والأمنى البريطانى الأوروبى هو التصدى للإرهاب، وبخاصة أن وزيرة الداخلية البريطانية تيريز ماى تلعب- الآن- دورًا قائدًا لأوروبا فى ذلك المجال.
ثالثًا: الانتخابات البريطانية الأخيرة أفضت إلى وضع مفعم باحتمالات تعدد المراكز فى النظام الحزبى، وبالتبعية شحوب وضع نظام الثنائية القطبية الحزبى التاريخى فى بريطانيا، أو ثلاثى القطبية حين دخل الليبراليون الديمقراطيون اللعبة إلى جانب المحافظين والعمال.
اليوم نحن أمام قوى فاعلة تمثلت فى حزب البيئة (الخضر) وحزب الاستقلال والحزب القومى الإسكتلندى والحزب القومى الويلزى.. وإن كان حزب المحافظين فاز بتشكيل الحكومة من دون إئتلاف، فإن مزاجًا عامًا تجلى- بوضوح- يقول لنا أن صيغة (عمال / محافظين) انتهت إلى غير رجعة، وأن بريطانية التى تحتوى 740 حزبًا يمكن أن تشهد صعود عشرات الأحزاب الأخرى، وبالذات إذا تعرضت المملكة المتحدة للتقسيم إذ أن نزعات الناس وميولهم تعودت الانقسام حول الفروق الدقيقة، وبالذات مع رأى عام محافظ وشكاك ودائمًا يروح ويجيئ، وهو مثقف لا يبنى مواقفه بسهولة أو إطلاقية.
وقد أثرت وسائل الإعلام وبالذات الإلكترونى منها فى توفير فيض من المعلومات للمواطن فى تلك الأصقاع البعيدة، ومن ثم يسرت الانقسام ومزيد من الانقسام حول فكرة أو مصلحة أو اقتسام السلطة فى ذاته.
ونفس الظاهرة سنجد أننا معرضون لها الآن، فى مصر والدول العربية، ولكن الانقسام حول المصالح أو الرغبات وارد عندنا ولكنه من الصعب أن يكون حول قوى حزبية، لأن أحزابنا لا وجود لها لدى كتلة الناخبين أساسًا، وهى تفتقد الأساس الفكرى والوعى الاجتماعى التاريخى بمصالح من تدعى تمثيلهم.. ومن ثم فإن الانقسام فى مصر أو من على شاكلتها يمكن أن يفضى إلى احتكاك أو فوضى ولكنه لن يفضى إلى تعدد المراكز الحزبية.
إذًا فكل ما ينبغى علينا التحسب له والتجهيز فيما يتعلق بعلاقتنا مع بريطانيا (التى أفضت فى شرح أسباب أهميتها فى بدايات هذا المقال) هو ذلك الصعود المتواصل للأحزاب الصغيرة الآخذة فى الكبر باضطراد، وأن نخلق الروابط مع كل منها بما يحمى مصالحنا أو يؤدى إلى تعظيمها.