هل تذكرون ثورة قامت فى مصر فى 15 مايو 1971، أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات ثورة التصحيح، والتى اعتبرها تصحيحًا لمسار ثورة 23 يوليو 52، وظللنا نحتفل بتلك الثورة ونغنى لها كل عام حتى رحل السادات فمحيت الثورة من ذاكرة الإعلام برحيله وباتت مجرد أسطر قليلة فى بعض المدونات ولم يبق من اسمها غير الكوبرى الرابط بين منطقتى المهندسين والزمالك والمدينة المسماه بهذا التاريخ، أما الصحيفة التى كانت منبرا للحزب الوطنى فقد اختفت هى الأخرى.
وقصة هذه الثورة التى هى ليست ثورة بكل مقاييس ومعايير المفاهيم السياسية، تبدأ بمؤامرة أحاطت السادات من مجموعة عبدالناصر وهم اللذين أطلق عليهم السادات مراكز القوى وذلك حين وجدوه ينتهج طريقًا غير الذى رسمه عبدالناصر، ولم يكن السادات قد مر على توليه زمام الأمور سوى بضعة أشهر، ففى يوم الإثنين الموافق 28 سبتمبر 1970، وتحديدا فى السادسة مساءً كانت مصر على موعد مع القدر، حيث رحل عبدالناصر عن دنيانا فجأة ودون سابق إنذار، وارتجفت القلوب حزنًا على رحيله وخوفًا من المجهول، فرغم وجوده فى سدة الحكم لأكثر من 18 عامًا إلا أن النظام السياسى الذى كان معمولا به والدستور المؤقت الذى كان يحكم البلاد لم يكن به رؤية واضحة المعالم لما سيحدث حال غياب الرئيس، وأدرك رجال عبدالناصر خطورة اللحظة وفهموا أن أمن واستقرار مصر أهم من الأشخاص فقرروا أن تتم عملية انتقال السلطة فى أسرع وقت وبشكل سلس يحافظ على الجبهة الداخلية ووحدة جيشنا لا سيما أن الوقت كان بالغ الصعوبة، فنحن فى أعقاب نكسة لم تلتئم جراحها بعد، ولم تزل آثار الهزيمة متمثلة فى فقدان أرض سيناء الحبيبة، وكان الواقع العربى أيضا فى أسوء حالاته، حيث اختلاف الكلمة وأزمة ما يسمى بأيلول الأسود حين قاد الملك حسين حربّا ضد اللاجئين الفلسطينيين على أرضه بعدما اكتشف مخططًا للإطاحة به يقوده بعضهم، فى كل هذه الظروف تولى السادات حكم مصر باعتباره النائب الأول للرئيس لكنه لم يكن هو الأقوى بأى حال من الأحوال ولعله كان يدرك ذلك منذ الوهلة الأولى، فلقد ترك له عبدالناصر تركة ثقيلة وصعبة، وأصعب ما فيها هم رجال عبدالناصر الأقوياء لا سيما الفريق محمد فوزى وزير الحربية آنذاك، وشعراوى جمعة وزير الداخلية، وعلي صبرى نائب رئيس الجمهورية، وسامى شرف وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية، وشعر السادات بأنه محاصر وأن خيوط اللعبة ليست فى يده بل فى يد غيره وأن أكثر المعلومات غائبة عنه رغم أنه الوحيد الذى سيتحمل نتائج القرارات السياسية والاستراتيجية، فالمسئولية النهائية تقع على عاتقه وحده، ولم يكن السادات يرغب فى المواجهة لإدراكه مدى قوة هؤلاء، وخطورة ما قد تؤدى إليه المواجهة والتى قد تبعده عن منصبه، ولكنه وفى الوقت ذاته كان يحمل عقيدة مختلفة عن تلك التى كان يؤمن بها عبدالناصر، فهو يرى أن السوفيت ليس بمقدورهم الضغط على أمريكا لتسوية الأوضاع وإيجاد حل يقضى بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها فى 67 وهم أيضا يمارسون سياسة المراوغة حين نطلب منهم دعما عسكريا للحرب، وبالتالى فلا أمل ولا طائل من ورائهم وكان السادات يرى أيضا- كما قال فيما بعد - أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا ولذا فقد بدأ اتصالا مع الولايات المتحدة بواسطة المملكة العربية السعودية وأبدى السادات للأمريكان استعداده لتقليل نفوذ السوفيت فى المنطقة وقد تسبب هذا فى إحراج علي صبرى وهو رجل الاتحاد السوفيتى الأول فى مصر والذى راح يظهر قوته وقدراته التنظيمية أمام السادات وتجلى ذلك فى الاحتفال بعيد العمال فى الأول من مايو 71 حين رفع العمال صور عبدالناصر وهتفوا له ووصلت الأمور إلى درجة الاحتقان ورأى السادات أشباحا تتحرك فى الظلام وتحيطه به فى كل مكان وتكاد تمد يدها لتفتك به، وأدرك أن نهايته وشيكة، خاصة بعدما اكتشف أن أجهزة للتنصت وضعت له فى بيته ومكتبه وأن اجتماعات تدار بدونه وقرارات تخرج على الرأى العام ويفاجأ بها السادات فى نشرة الأخبار مثله مثل أى مواطن عادى، وكانت زيارة وزير الخارجية الأمريكى ويليام روجرز فى 5 مايو 71 بمثابة طوق النجاة للرجل الذى كاد يغرق، فلقد استشعر بعدها أن قوة عالمية تمد له يدها وتبادره حسن النية وتتطلع إلى علاقات مميزة مع مصر، فكان هذا مصدرا لقوته فى التعامل مع خصومه، ويأتى الضابط ممدوح سالم حاملا له أشرطة مسجلة لهؤلاء وقد عقدوا العزم على القبض على الرئيس وعزله من منصبه فباغتهم السادات وأقال وزير الداخلية، فقرروا تقديم استقالاتهم جميعًا اعتراضا على قرار السادات وبهدف إحراجه وإحداث فراغ سياسي ولكن السادات قبل استقالاتهم جميعًا وتم القبض عليهم ومحاكمتهم وأعلن السادات أن مخططا كان يهدف للإطاحة به وأن هؤلاء كانوا يمثلون مراكزا للقوى بداخل الدولة وكانوا يستغلون مناصبهم وقام بهدم السجن الحربى وحرق أشرطة التسجيلات معلنا ما أسماه ثورة التصحيح والتى لايعرف عنها أبناء الجيل الحالى إلا اسمها ولو كان الرئيس السادات على قيد الحياة لوجدنا أقلاما تنبرى للتنظير والتمجيد فى تلك الثورة المجيدة، وربما يتكرر الأمر مع كثير من الأحداث التى نطلق عليها الآن ثورة.
وقصة هذه الثورة التى هى ليست ثورة بكل مقاييس ومعايير المفاهيم السياسية، تبدأ بمؤامرة أحاطت السادات من مجموعة عبدالناصر وهم اللذين أطلق عليهم السادات مراكز القوى وذلك حين وجدوه ينتهج طريقًا غير الذى رسمه عبدالناصر، ولم يكن السادات قد مر على توليه زمام الأمور سوى بضعة أشهر، ففى يوم الإثنين الموافق 28 سبتمبر 1970، وتحديدا فى السادسة مساءً كانت مصر على موعد مع القدر، حيث رحل عبدالناصر عن دنيانا فجأة ودون سابق إنذار، وارتجفت القلوب حزنًا على رحيله وخوفًا من المجهول، فرغم وجوده فى سدة الحكم لأكثر من 18 عامًا إلا أن النظام السياسى الذى كان معمولا به والدستور المؤقت الذى كان يحكم البلاد لم يكن به رؤية واضحة المعالم لما سيحدث حال غياب الرئيس، وأدرك رجال عبدالناصر خطورة اللحظة وفهموا أن أمن واستقرار مصر أهم من الأشخاص فقرروا أن تتم عملية انتقال السلطة فى أسرع وقت وبشكل سلس يحافظ على الجبهة الداخلية ووحدة جيشنا لا سيما أن الوقت كان بالغ الصعوبة، فنحن فى أعقاب نكسة لم تلتئم جراحها بعد، ولم تزل آثار الهزيمة متمثلة فى فقدان أرض سيناء الحبيبة، وكان الواقع العربى أيضا فى أسوء حالاته، حيث اختلاف الكلمة وأزمة ما يسمى بأيلول الأسود حين قاد الملك حسين حربّا ضد اللاجئين الفلسطينيين على أرضه بعدما اكتشف مخططًا للإطاحة به يقوده بعضهم، فى كل هذه الظروف تولى السادات حكم مصر باعتباره النائب الأول للرئيس لكنه لم يكن هو الأقوى بأى حال من الأحوال ولعله كان يدرك ذلك منذ الوهلة الأولى، فلقد ترك له عبدالناصر تركة ثقيلة وصعبة، وأصعب ما فيها هم رجال عبدالناصر الأقوياء لا سيما الفريق محمد فوزى وزير الحربية آنذاك، وشعراوى جمعة وزير الداخلية، وعلي صبرى نائب رئيس الجمهورية، وسامى شرف وزير الدولة لشئون رئاسة الجمهورية، وشعر السادات بأنه محاصر وأن خيوط اللعبة ليست فى يده بل فى يد غيره وأن أكثر المعلومات غائبة عنه رغم أنه الوحيد الذى سيتحمل نتائج القرارات السياسية والاستراتيجية، فالمسئولية النهائية تقع على عاتقه وحده، ولم يكن السادات يرغب فى المواجهة لإدراكه مدى قوة هؤلاء، وخطورة ما قد تؤدى إليه المواجهة والتى قد تبعده عن منصبه، ولكنه وفى الوقت ذاته كان يحمل عقيدة مختلفة عن تلك التى كان يؤمن بها عبدالناصر، فهو يرى أن السوفيت ليس بمقدورهم الضغط على أمريكا لتسوية الأوضاع وإيجاد حل يقضى بانسحاب إسرائيل من الأراضى التى احتلتها فى 67 وهم أيضا يمارسون سياسة المراوغة حين نطلب منهم دعما عسكريا للحرب، وبالتالى فلا أمل ولا طائل من ورائهم وكان السادات يرى أيضا- كما قال فيما بعد - أن 99% من أوراق اللعبة فى يد أمريكا ولذا فقد بدأ اتصالا مع الولايات المتحدة بواسطة المملكة العربية السعودية وأبدى السادات للأمريكان استعداده لتقليل نفوذ السوفيت فى المنطقة وقد تسبب هذا فى إحراج علي صبرى وهو رجل الاتحاد السوفيتى الأول فى مصر والذى راح يظهر قوته وقدراته التنظيمية أمام السادات وتجلى ذلك فى الاحتفال بعيد العمال فى الأول من مايو 71 حين رفع العمال صور عبدالناصر وهتفوا له ووصلت الأمور إلى درجة الاحتقان ورأى السادات أشباحا تتحرك فى الظلام وتحيطه به فى كل مكان وتكاد تمد يدها لتفتك به، وأدرك أن نهايته وشيكة، خاصة بعدما اكتشف أن أجهزة للتنصت وضعت له فى بيته ومكتبه وأن اجتماعات تدار بدونه وقرارات تخرج على الرأى العام ويفاجأ بها السادات فى نشرة الأخبار مثله مثل أى مواطن عادى، وكانت زيارة وزير الخارجية الأمريكى ويليام روجرز فى 5 مايو 71 بمثابة طوق النجاة للرجل الذى كاد يغرق، فلقد استشعر بعدها أن قوة عالمية تمد له يدها وتبادره حسن النية وتتطلع إلى علاقات مميزة مع مصر، فكان هذا مصدرا لقوته فى التعامل مع خصومه، ويأتى الضابط ممدوح سالم حاملا له أشرطة مسجلة لهؤلاء وقد عقدوا العزم على القبض على الرئيس وعزله من منصبه فباغتهم السادات وأقال وزير الداخلية، فقرروا تقديم استقالاتهم جميعًا اعتراضا على قرار السادات وبهدف إحراجه وإحداث فراغ سياسي ولكن السادات قبل استقالاتهم جميعًا وتم القبض عليهم ومحاكمتهم وأعلن السادات أن مخططا كان يهدف للإطاحة به وأن هؤلاء كانوا يمثلون مراكزا للقوى بداخل الدولة وكانوا يستغلون مناصبهم وقام بهدم السجن الحربى وحرق أشرطة التسجيلات معلنا ما أسماه ثورة التصحيح والتى لايعرف عنها أبناء الجيل الحالى إلا اسمها ولو كان الرئيس السادات على قيد الحياة لوجدنا أقلاما تنبرى للتنظير والتمجيد فى تلك الثورة المجيدة، وربما يتكرر الأمر مع كثير من الأحداث التى نطلق عليها الآن ثورة.