تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
الاتصال الجماهيري هو الأداة الأساسية للمركز أو للقيادة أو للسلطة فى التعامل الاتصالى بالجماهير، ولكن ماذا عن دور الاتصال الشخصى فى إطار هذه العلاقة؟ إن تعبيرات " السلطة" أو " المركز أو " القيادة " •• إلى آخره، بل وأيضا تعبير "الجماهير"، كلها تعبيرات مجردة. ولو حاولنا أن نتعمق فى تحليل مدلول هذه التعبيرات لا تضح لنا أنها جميعا تعبر عن مجموعات من الأفراد تتباين من حيث أحجامها النسبية، وكذلك من حيث مواقعها فى بناء القوة والتأثير داخل المجتمع، ولكنها فى النهاية مجموعات من الأفراد•
وفى الحقيقية فإن أفراد جماعات السلطة يمارسون كافة أشكال الاتصال الشخصى بين بعضهم البعض. يتحادثون ويتناقشون ويتفاعلون ••• إلى آخره كأفراد ينتمون إلى جماعة، وفى حدود ما تسمح به إمكانات الاتصال الشخصى • ومن ناحية أخرى فإن أفراد جماعات الجمهور يمارسون نفس أشكال الاتصال الشخصى فيما بينهم كأفراد ينتمون إلى مختلف الجماعات الأسرية والمهنية والترفيهية •• إلى آخره • وتظل قنوات الاتصال الجماهيرى هى السبيل لنقل محصلة الاتصالات الشخصية بين أفراد المركز أو السلطة إلى الجماهير•
خلاصة القول إذن أننا لا نستطيع أن نتصور إمكانية إنجاز أى اتصال جماهيرى مهما كان مستوى كفاءته دون أن تسبقه شبكة من الاتصالات الشخصية بين أفراد مخططيه، يتوصلون من خلالها إلى تحديد مضمونه وشكله وتفاصيله إلى آخره • بل إننا نستطيع أن نمضى إلى القول بأن مستوى نجاح أى اتصال جماهيرى إنما يتوقف بدرجه أو بأخرى على مدى كفاءة الاتصالات الشخصية التخطيطية التى سبقته.
هذا من ناحية دور الاتصال الشخصى فى إنجاز الاتصال الجماهيرى المركزى، فماذا عن عملية تلقى رسالة ذلك الاتصال الجماهيري؟ إن هدف الاتصال الجماهيرى أيا كان مضمونه هو إحداث تأثير معين فى اتجاهات الجمهور المتلقى أو ما يطلق عليه "تشكيل وعى الجمهور" • وغنى عن البيان أن إحداث مثل هذا التأثير يقتضى ابتداء أن يصدق الجمهور المتلقى تلك الرسالة الموجهة إليه، وإلا فإنها لن تحدث تأثيرها المرجو، بل لعلها تحدث تأثيرا سلبيا معاكسا، ويحرص صناع رسائل الاتصال الجماهيرى المتطورة على بذل كل الجهد وتسخير كافة الإمكانات التكنولوجية لكى تكون رسائلهم أكثر إقناعا وأشد قابلية للتصديق • بل إننا لا نجاوز الحقيقة كثيرا إذا ما قررنا أن أخطر التحديات التى يواجهها الاتصال الجماهيرى فى العالم المعاصر تتمثل فى أمرين :
الأمر الأول:
هو التطوير التكنولوجى لوسائل الإرسال بحيث يتسع مداها وتزيد سرعتها ويسهل استقبالها •
والأمر الثانى:
هو تطوير أساليب الإقناع وضمان المصداقية ومن ثم تحقيق التأثير المطلوب على المتلقين •
ومصدر هذا التحدى فيما نرى أن الرسالة الجماهيرية يتلقاها الأفراد عادة فى جماعات، ويكون مرجعهم الأساسى فى تصديقها أو عدم تصديقها هو شبكة اتصالاتهم الشخصية المتبادلة داخل جماعاتهم.
ولكى يتضح ما نعنيه، فلننظر إلى مجموعة من الأفراد يلتفون حول جهاز التليفزيون أو الراديو يستقبلون برنامجا يمس مشكلة تهمهم • كيف يكون استقبالهم لهذا البرنامج؟ إنهم لا يستقبلونه صامتين • بل إنهم عادة ما يعلقون عليه، بل ويديرون حوله نقاشا، أى يمارسون شكلا من أشكال الاتصال الشخصي• وتكون محصلة تلك التعليقات والمناقشات المتبادلة تحديد مدى مصداقية الرسالة بالنسبة لهم وبالتالى درجة تأثرهم بها إيجابيا أو سلبيا.
لعله أصبح واضحا مما سبق أن البشر جميعا أيا كانت مواقعهم أو أعمارهم أو انتماءاتهم يمارسون الاتصال إشباعا لحاجة بشرية أصيلة لديهم، ولذلك فإنهم يمارسونه عادة بشكل تلقائى غير مقصود أو مخطط سلفا • ومع تطور علوم الاتصال اتجهت اهتمامات المتخصصين لدراسة خصائص هذا النشاط التلقائي•