تحدثنا فى الجزء السابق من هذا المقال عن المؤامرة الأمريكية المتعلقة بإعادة تقسيم منطقة الشرق الأوسط، واستغلالها حلف الأطلسى كشريك أساسى فى تنفيذ تلك المؤامرة، وقلنا إن تلك المخططات استلزمت استراتيجية لبث بذور الفتنة وإثارة النزاعات الطائفية والعرقية بدول المنطقة.
والحقيقة أن تلك الأفكار والاستراتيجيات لم تكن وليدة العشرية الأخيرة كما ادعى البعض، فقد بدأ ذلك المخطط عام ١٩٨١ عندما قدم برنارد لويس (وهو مستشرق بريطانى الأصل يهودى الديانة صهيونى الانتماء أمريكى الجنسية – ولد فى لندن عام ١٩١٦ - تخرج فى جامعة لندن عام ١٩٣٦ وعمل بها مدرسا بقسم التاريخ للدراسات الشرقية الأفريقية وله العديد من الإصدارات التى تناولت منطقة الشرق الأوسط وكتب متعمدًا عن كل ما يسيء للتاريخ الإسلامى ويعتبر العراب الصهيونى ومنظرًا لسياسات التدخل والهيمنة الأمريكية بالمنطقة). أطروحة للإدارة الأمريكية أطلق عليها المشروع الأمريكى لمنطقة الشرق الأوسط، تضمنت إعادة تقسيم المنطقة، فى حال السلم، عوضا عما تم فى حال الحرب، وعرف باتفاقية سايكس بيكو.
وخلال الحرب العراقية الإيرانية أصدر مستشار الأمن القومى الأمريكى (برجنسكى) تصريحا أكد خلاله أن المعضلة الحقيقية التى ستعانى منها الولايات المتحدة الأمريكية منذ الآن هى كيفية تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى، تستطيع أمريكا من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو.
وعقب إطلاق ذلك التصريح وبتكليف من البنتاجون بدأ «برنارد لويس» فى صياغة مشروعه المتضمن تفكيك الوحدة الدستورية لمجموعة الدول العربية والإسلامية جميعًا كل على حدة، وذلك وفق استراتيجية تقول بأن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون لا يمكن تحضرهم وإذا تركوا سوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمر الحضارات وتقود المجتمعات إلى الهلاك، لذا فإن الحل الأمثل هو إعادة احتلالهم واستعمارهم وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية.... وفى حالة قيام الولايات المتحدة الأمريكية بهذا الدور فإنه يجب الاستفادة من التجربة البريطانية والفرنسية فى استعمار المنطقة لتجنب الأخطاء التى اقترفتها الدولتان، لذا فمن الضرورى إعادة تقسيم الأقطار العربية والإسلامية إلى وحدات عشائرية وطائفية وليس إلى وحدات جغرافية، وأن تكون المهمة المعلنة هى تدريب شعوب المنطقة على الحياة الديمقراطية، وأضاف لويس: ولا مانع أن تقوم أمريكا بالضغط على قيادات تلك الأقطار ليخلصوا شعوبهم من المعتقدات الإسلامية المتشددة.. ولذلك يجب تضييق الخناق على تلك الشعوب ومحاصرتها واستثمار التناقضات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية فيها قبل أن تغزوها أمريكا وأوربا وتدمر حضارتها. أشار لويس أيضا إلى أن الكيان الصهيونى يمثل الخطوط الأمامية الدفاعية للحضارة الغربية وهو يقف بالمرصاد أمام ما أطلق عليه مصطلح «الحقد الإسلامى» نحو الغرب الأوروبى والأمريكى.
الدور الإيراني:
كانت الدولة الإيرانية بصورتها الحالية، هى محور المشروع الغربى لتأصيل فكرة الطائفية، مستغلة تلك الأحلام التوسعية القديمة التى ما زالت تراود قيادات تلك الدولة الفارسية، والتى وجهت سياساتها منذ نشأتها وحتى الآن، فضلا عن الأحقاد المتوارثة لديها تجاه كل ما هو إسلامى سنى. وبدأت تنطلق من أراضيها كل دعاوى الفتنة والطائفية التى مازالت تستعر حتى الآن. لذا فقد اضطلعت القوى الاستعمارية الغربية بدعم المعارضة الإيرانيه خلال حكم دولة الشاه لتمكين «الملالى» من حكم الدولة، واستثمار ذلك فى تسعير الخلاف السنى الشيعى واستثماره فى إعادة تقسيم المنطقة وفقا للمشروع الغربى.
وفى عام ١٩٨٣ ناقش الكونجرس الأمريكى المشروع «الصهيو أمريكى» لتفتيت العالم الإسلامى فيما عرف بمشروع برنارد لويس / كارتر، الخاص بتسعير حرب خليجية ثانية تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية تصحيح حدود سايكس بيكو بحيث يكون هذا التصحيح متسقًا مع المصالح «الصهيوأمريكية» حيث وافق الكونجرس الأمريكى بالإجماع فى جلسة سرية على المشروع وتم تقنينه واعتماده وإدراجه فى ملفات السياسة الأمريكية الاستراتيجية فى السنوات المقبلة، وتم وضع آلياته وخطط تنفيذه واكتملت تلك التحركات فى أعقاب انتهاء الحرب البارده وتفكيك الكتلة الشرقية فى مطلع التسعينيات.
وعقب مؤتمر «أنابولس للسلام عام ٢٠٠٧» صرح برنارد لويس، أن المؤتمر كان ظاهره المعلن تعزيز التحالف ضد الخطر الإيرانى إلا أن باطنه تسهيل تفكيك الدول العربية والإسلامية ودفع الأتراك والأكراد والعرب والفلسطينيين والإيرانيين ليقاتل بعضهم البعض.. ويحمل تفاصيل المشروع الأمريكى الصهيوأمريكى لتفتيت العالم الإسلامى الآتى:
دول شمال إفريقيا بتفتيت (ليبيا والجزائر والمغرب) بهدف إقامة دول البربر على امتداد دويلة النوبة بمصر والسودان ، دويلة البوليساريو، المتبقى من دويلات المغرب والجزائر وتونس وليبيا.
تقسيم مصر إلى (٤) دول (دولة النوبة – دولة مسيحية فى غرب البلاد – دولة إسلامية فى الوسط – دولة خاصعة للنفوذ الصهيونى واليهودى وتشمل شبه جزيرة سيناء حتى نهر النيل).
شبه الجزيرة العربية والخليج (إلغاء دول الخليج بالكامل ومحو وجودها الدستورى بحيث تتضمن منطقة شبه الجزيرة العربية والخليج (٣) دويلات فقط وهى دولة الإحساء الشيعية وتضم الكويت والإمارات وقطر وعمان والبحرين وأجزاء من المملكة العربية السعودية.
دولة نجد السنية وتشمل جزءا من المملكة العربية السعودية الحالية وأجزاء من اليمن.
دولة الحجاز السنية وتشمل جزءا من المملكة العربية السعودية وأجزاء من اليمن.
العراق «تفتيت العراق على أسس عرقية ودينية ومذهبية، دولة شيعية بالجنوب حول البصرة، دولة سنية فى العراق حول بغداد، دولة كردية فى الشمال والشمال الشرقى حو الموصل بكوردستان تقوم على أجزاء من الأراضى العراقية والإيرانية والسورية والتركية والسوفيتية سابقا»، ويشار إلى تصويت مجلس الشيوخ الأمريكى كشرط من انسحاب القوات الأمريكية من العراق فى ٢٩/٩/٢٠٠٧ على تقسيم العراق إلى الدويلات المشار إليها بعاليه، ومن المعروف أنه تم وضع دستور بالعراق يعرف بدستور بريمر وحلفائه من العراقيين قد أقروا فكر الفيدرالية بالعراق وتشمل الدول المشار إليها.
سوريا - تم وضع خطة لتقسيمها إلى أقاليم متميزة عرقيا ودينيا ومذهبيا «دولة علوية شيعية على امتداد الشاطئ ودولة سنية فى منطقة حلب ودولة سنية حول دمشق ودولة الدروز فى الجولان ولبنان (الأراضى الجنوبية السورية وشرق الأردن والأراضى اللبنانية)»
لبنان - واعتمد فى تقسيمها إلى (٨) دويلات متميزة عرقيًا ومذهبيًا ودينيًا «دويلة سنية فى الشمال عاصمتها طرابلس، ودويلة مارونية فى الشمال عاصمتها جونيه، ودويلة سهل البقاع العلوية عاصمتها بعلبك خاضعة للنفوذ السورى شرق لبنان، ودويلة فى بيروت تحت الوصاية الدولية، وكانتون فلسطينى حول صيدا وحتى نهر اليطانى، وكانتون كتائبى فى الجنوب وتشمل المسيحيين والشيعة ودويلة درزية فى الأجزاء من الأراضى اللبنانية والسورية والفلسطينية، وكانتون مسيحى تحت النفوذ الإسرائيلى».
الأردن – تصفية الدولة وإلغاء كيانها الدستورى ونقل سلطتها للفلسطينيين.
فلسطين «هدم مقوماتها وإبادة شعبها فى طريق تكوين إسرائيل الكبرى».
إيران وباكستان وأفغانستان يتم تقسيمها إلى (١٠) كيانات عرقية ضعيفة وهى كردستان، وأزربيجان وتركستان، عرب ستان – إيران ستان وما بقى من إيران بعد التقسيم بلونستان، بخونستان، أفغانستان ما بقى منها بعد التقسيم، باكستان ما بقى منها بعد التقسيم، كشمير».
تركيا: انتزاع أجزاء منها وضمها على الدولة الكردية المزمع إقامتها بأجزاء من دولة العراق الحالية.
فماذا نحن فاعلون، هذا ما سنناقشه الخميس القادم، إن كان فى العمر بقية.