كنا ستة من الزملاء نستمع إلى حديث الرئيس الشهرى فى مكتبي، الجميع حرص على الإنصات التام ومتابعة ما سيقوله الرجل الأول فى مصر، خاصة أن حديثه الذى أعلن أنه سيتكرر كل شهر تأخر ما يزيد على الشهرين، لكن وبعد أقل من خمس عشرة دقيقة وجدت نفسى فى مكتبى وحدي، فقد انصرف الجميع دونما اهتمام.
هذا مؤشر خطر، ما فى ذلك شك، فقد كانت كلمات عبد الفتاح السيسى منذ كان وزيرا للدفاع تحظى بأكبر متابعة وأقصى اهتمام، فما الذى تغير إذن؟
صحيح أنه تم تدارك الكثير من أخطاء الحديث الأول، الذى اهتم فيه من قاموا على إخراجه بالشكل الفنى على حساب ما قاله الرئيس، تركيز على حركات يديه وتعبيرات وجهه، وإصرار على أن يترك كرسيه فارغا والجلوس أمامه، جعلوا الرئيس هذه المرة يجلس على مكتبه، لكنهم سقطوا فى مساحات أخرى أعتقد أنها يجب ألا تمر مرر الكرام.
فى بداية الحديث ولمدة تقترب من ٣٠ ثانية كان الشريط بدون صوت، تكرار لفقرات كاملة، المونتاج لا يقوم به طالب فى الإعدادية، والسؤال: ما الذى يمنع رئاسة الجمهورية من الاستعانة بمحترفين، وهم كثيرون من أبناء التليفزيون المصرى للإشراف على حديث الرئيس؟ لماذا لا يعطون العيش لخبازه بدلا من أن يأكل الجميع الحصرم؟
لكننى لن أركن كثيرا إلى الشكل، فيمكن بسهولة أن يتم تدارك ما جرى، هذا بالطبع إذا كان من يقومون بالإشراف على إخراج صورة الرئيس للرأى العام يدركون أن هناك أخطاء يجب تداركها، فلدىّ ما يزعجنى ويشير إلى أن هذه إمكانياتهم ومبلغ علمهم ومستوى إدراكهم، وهذه هى المصيبة المكتومة التى يجب ألا تكون كذلك بعد الآن.
ما يهمنى أكثر هو كيف قام الرئيس عبد الفتاح السيسى بإعداد كلمته إلى الأمة؟ هل قام بنفسه بجمع معلوماتها وترتيب أفكارها، أم أن هناك فريقًا معاونًا هو من قام بهذه المهمة؟ قد يكون الرئيس قام بدور فى الإعداد، لكن هذا لا يمنع أن هناك فريقًا يعاون.
من حقنا بالطبع أن نسأل عن ماهية هذا الفريق، عن إمكانياته ومؤهلاته وقدراته، لأن الفريق الذى يقف وراء حديث الرئيس كما رأيناه لابد أن يحاكم محاكمة عاجلة وسريعة وفورية، فلم يقم أحد منهم بتقديم بيانات كافية يستند إليها الرئيس فى الإشارة إلى إنجازاته.. أغفلوا موضوعات مهمة كان يجب أن يتحدث فيها، ما الذى جعله يتجاهل الحديث عن الانتخابات البرلمانية، رغم أنه ملف ضاغط وبشدة على أعصاب الشارع السياسي.
هل أصدقكم القول؟ أشعر أن هناك حالة من الفوضى والعشوائية فيما يخص تقديم السيسى للناس؟ ستقطع طريقى وتقول إنه لا يحتاج إلى إعادة تقديم، فرصيده يسمح لا يزال، سأقول لك: هذا كلام يُخدع به من يحيطون بالرئيس ومن يؤيدونه وهم أنفسهم معصوبو الأعين، فلا رصيد لأحد يبقى ثابتا طويلا، ولابد أن يعمل صاحب الشعبية لتنمية رصيده حتى لا يزول.
أعرف أن هناك من يريد مصادرة السيسى لحسابه الخاص، يحاصره بأفكاره، يفرض عليه رؤيته التى لا تستند لعلم ولا خبرة، هؤلاء يعرفون أنفسهم جيدا، والأولى بهم أن يتركوا مقاعدهم، لأن وجودهم هو الخطر بعينه.
يحتج الرئيس ومن يحيطون به على تقصير الإعلام فى إبراز الإنجازات، وهى حجة مقلقة، فعندما يبدأ النظام فى فقد البوصلة يبحث عن شماعة، والشماعة الجاهزة هى الإعلام.
على الرئيس أن يطمئن فالإعلام ليس ضده، لكن ليس مطلوبا منه أن يكون معه طول الوقت، لقد خلق الله الإعلام يا سيادة الرئيس ليكون عينه فى الأرض، وأنت لا ترضى أن تكون عين الله عمياء.
راجع ما جرى واختر رجالًا محترفين حتى تصنع مجدك الحقيقي، مَن حولك نيتهم حسنة ما فى ذلك شك، لكن من قال إن الأساطير تصنعها النوايا الحسنة؟