تحركت آلة السخرية المصرية التي لا ترحم أحدا بعد خروج وزير العدل محفوظ صابر من منصبه، فأنتجوا نكتة بالغة الدلالة، مواطن يصرخ في زبال قائلا: انت مابتشلش الزبالة ليه يا بنى آدم؟ قال له: لا مؤاخذة يا بيه، إحنا بنشيل وزرا بس.
انتهت مهزلة وزير العدل الذي تعامل بعنصرية، يرى البعض أنها واقعية مع أولاد الفقراء وليس أولاد الزبالين فقط، بإقالته من منصبه، فما حدث ليس استقالة بأى حال من الأحوال، لكنه إقالة لوزير أحرج النظام ووضعه في «خانة اليك».
صباح الإثنين الماضى تلقى عبدالفتاح السيسى تقرير الأمن العام الذي يحرص على مطالعته كل صباح، لفتت انتباهه أزمة وزير العدل، طلب تفريغا كاملا للحوار الذي أدلى به لبرنامج «البيت بيتك»، جاءوه به، فطلب تقريرا عن ردود الفعل خصوصا على شبكات التواصل الاجتماعى، وبعد أن قرأ كل شىء أجرى اتصالا مع رئيس الوزراء إبراهيم محلب الذي كان في زيارة إلى باريس، وطلب منه إنهاء الأزمة التي انتهت بتقديم وزير العدل استقالته. أمامنا في هذا الموقف أكثر من دلالة، أولها أن عصر الأذان في مالطة انتهى تماما، لم يعد لدينا رئيس عنيد لا يسمع إلى ما يقوله الناس، أنصت إلى صوت الشارع، رأى أن الرأى العام لديه كل الحق فيما يقوله، فتحرك على الفور، معلنا نهاية عصر الأذان في مالطة، وهو ما يستوجب أن نشكر عليه الرئيس، وإذا قلت إن هذا هو العادى، ولا يستوجب شكرا، سأقول لك: لم يكن هذا عاديا أبدا، فقد أخطأ وزراء مبارك كثيرا، ولم يقترب منهم أحد، وعك وزراء محمد مرسي الدنيا، وقام الرأى العام على كثيرين منهم، لكن الرئيس كان يتمسك برجاله، معلنا أن كرامتهم من كرامته، لكننا أمام رئيس يعتبر أن كرامة مواطنيه هي كرامته، ولذلك لا يقبل أي مساس بهم، وهذه نقلة نوعية في فلسفة الحكم في مصر، لا بد أن نشير إليها ونشيد بها أيضا.
الدلالة الثانية التي لا بد أن نتوقف أمامها كثيرا، هي ماذا بعد القرار؟ صحيح أنهم أقالوا وزير العدل، جعلوه يجلس في بيته، لأنه أهان المصريين، لكن هل معنى هذا أن إهانة المصريين على أرض الواقع ستنتهى؟ هل يمكن أن يصبح ابن الزبال قاضيا؟ هل ستنتهى الأزمة التي حرّكت الماء الراكد؟
أغلب الظن أن شيئا من هذا لن يحدث، فقد أقالوا الوزير، لكن الأوضاع ستظل على ما هي عليه، الأولى بالرئيس السيسى أن يتحرك وينهى عصر الظلم، وأن تكون المعايير التي يتم على أساسها اختيار العاملين في المؤسسات السيادية معايير موضوعية، فليس ذنب أبناء الفقراء أنهم كذلك، لا تنظروا إلى حالات الناس الاجتماعية، انظروا فقط إلى ما يستطيعون تقديمه إلى هذا الوطن الذي يحتاج الكثير بالفعل، لا تكتفوا بحالة النشوة التي انتابت البعض، بعد قرار الرئيس الذي انتفض ضد الوزير من أجل الزبال، ولكن اعملوا بعقل وحكمة من أجل أن يحصل الجميع على حقوقهم في هذا الوطن، بدلا من أن يكفر الجميع به، لأن الوطن بالفعل لا يتحمل مزيدا من الكفر بأهميته وقيمته ومبررات بقائه.