لم يعد الإرهابيون كما هو معروف عنهم في سالف الأزمان، مجرد عقول متحجرة، ولحى تخفى خلفها الشر المستطير، لكن الحاصل أنهم تطوروا بتطور العصر، وباتوا يستخدمون أدواته، ربما بعد تدريب من مخابرات معادية للإسلام، وربما اجتهادا للدخول إلى عالم يستطيعون من خلاله توصيل أفكارهم المتطرفة، وكذا التواصل فيما بينهم، بعيدا عن أعين ورقابة أجهزة الأمن.
هذا ما نقله الإرهابى «أبو سياف الأنصارى» داخل موقع شموخ الإرهابى التابع لتنظيم القاعدة، عن أن أحد أصدقائه، وشهرته «القسامى محمد عرمان» الذي وقع أسيرا في أيدى إسرائيل بعد تنفيذه عملية إرهابية، أبو سياف اعتبر أسباب سقوط القسامى تافهة، نتجت عن عدم خبرة وسوء استخدام لأدوات العصر الحديث، خاصة عندما كتب على الموقع: «لم يأخذ حذره، لأنه لا توجد طريقة يتم من خلالها الوصول لمستخدم الهاتف النقال، سواء من خلال مكالمة أو رسالة، إلا أن يترك أدلة واضحة على ذلك، حتى ولو قام باستخدام جهاز جديد وشريحة جديدة وتم تسجيلها بأسماء مستعارة، واستخدم الرسائل بدل المحادثات».
وأكد الإرهابى أن عددا كبيرا جدا من الخلايا التي تم اعتقالها، التي تقبع حاليا في سجون، كان سببها الهاتف النقال، فالطريقة الوحيدة للهروب من هذه المشكلة هي عدم استخدام الهاتف النقال مطلقا».
فيما شرح طريقة سقوط عرمان بقوله: «رصدت دورية عسكرية صهيونية في منطقة رام الله، كل يوم على مدى أسبوع، وكان يراقب هدفه بدقة، ويسجل كل شاردة وواردة، ولم يترك هاتفه النقال إلا وقت الرصد، كدرجة من التحوط من عدم إلقاء القبض عليه».
لكن بعد تنفيذ العملية بالفعل التي راح ضحيتها العديد من الأرواح الإسرائيلية، وبعودة المحققين إلى أرشيف الهواتف، شهرا إلى الخلف للمنطقة التي وقعت فيها العملية، وفى وقت ما بين الساعة السادسة والسابعة صباحا وقت وقوعها، قامت المخابرات الإسرائيلية بجمع كل أرقام الهواتف التي تواجدت على مدى شهر في هذه المساحة في الوقت المشار إليه سابقا، ومن هنا تم إخراج الرقم الغريب والشاذ عن المنطقة وتم استدعاء صوت صاحبه».
لهذا يقول أبو سياف الأنصارى: إن صديقه أحسن التصرف، ولم يأخذ هاتفه النقال معه، لا وقت الرصد ولا وقت التنفيذ، وأخذ كل الاحتياطات اللازمة من وجهة نظره، فقد تولى الأمر بنفسه، ومن أجل التمويه سافر إلى مدينة جنين بعد تنفيذ العملية في رام الله، وقد قام بكتابة البيان بنفسه، وإرفاق الصورة للانفجار على (سى دي)، حيث كان قد صور الانفجار بكاميرا فيديو صغيرة، وعندما طلب رقم الهاتف الذي استخدمه كدائرة كهربائية لتشغيل العبوة، استخدم في هذا كمبيوتر خاصا محمولا، لا يستخدمه في البيت أبدا، وهو مخبأ بعيدا عن مكانه كما أي قطعة سلاح، وكذلك الكاميرا بالمثل.
وعندما سافر إلى جنين، ودخل مقهى الإنترنت في وسط المدينة وجلس أمام الكمبيوتر كان متنكرا، حيث لبس باروكة وعدسات لاصقة، واستخدم قلما للضغط على لوحة المفاتيح، لكى لا تظهر أي بصمة له على الكمبيوتر، وقد أدخل القرص في الكمبيوتر، وأرسل ما فيه للمواقع الإخبارية بسرعة كبيرة جدا، وحتى هذه اللحظة لا مشكلة في هذا، ولكن في ليل ذلك اليوم تم اعتقاله، ومواجهته بأنه هو من قام بالعملية.. فكيف عرف الاحتلال أنه هو من قام بالعملية؟!
ويتابع أبوسياف الإرهابى شرحه لأسباب سقوط عرمان بقوله: إنه بعد أن سافر المجاهد إلى جنين، لم يأخذ هذه المرة الاحتياط اللازم، وأخذ معه جهازه الخلوى من رام الله إلى جنين، وكل منطقة كان يقطعها المجاهد ومعه الهاتف النقال كان يتم تسجيل حركته، من خلال خلايا الأبراج المنتشرة على طول طريق السفر، وصولا لمقهى الإنترنت.
لينطلق بعدها التعقب لهذا الإرسال، الذي أوصل قوات الأمن الإسرائيلية للمقهى الذي دخله المجاهد، فهو مقهى عام يرتاده الكثيرون كل ساعة، وبعد قيام أجهزة الأمن بمعرفة الوقت الذي أرسلت فيه هذه الرسالة من ذلك الموقع، لتبدأ المرحلة الثانية وهى مرحلة حصر الهواتف الخلوية التي تواجدت في هذا المقهى في ذلك الوقت، ومعرفة أصحابها وفرزهم من خلال بصمات أصواتهم، ومعرفة ما إذا كان أحدهم مشبوها أم لا، وتم تحويلهم للتحقيق، وهذا فعلا ما حصل مع الإرهابى.
استخدم الإرهابى دائرة الهاتف النقال كدائرة كهربائية لتشغيل العبوة، فعند شرائه للهواتف النقالة التي استخدمها كمرسل ومستقبل، حملها مع هاتفه الشخصى وذهب بها إلى بيته، وهذا من أسباب التوصل إليه، كما أنه عند تشغيل الجوال، فإنه يستقبل إشارة تسمى بشفرة نظام التعريف (SID)، وهنا يتم التعرف بين جهاز الجوال ومحطة الإرسال، وبعد ذلك يقوم الجوال بمقارنة شفرة التعريف الخاصة التي استقبلها ومقارنتها بتلك المخزنة في الجهاز، فإذا تمت المقارنة، وتبين أنها نفس الشفرة المتعارف عليها بين الجوال والمحطة، فإن الجوال يتعرف على الخلية التي سيتعامل معها.
ويتم أيضا تحديد حركته عند تنقله من مكان لآخر، وتقوم الخلايا بنقل المعلومات إلى الكمبيوتر المركزى الخاص بالشركة، الذي يقوم بتسجيل وأرشفة هذه المعلومات أولا بأول، وبذلك تكون تنقلات هذا الجهاز وحركته معروفة ومحفوظة وبدقة لحظة بلحظة في أرشيف على ذاكرة الجهاز المركزي، ويمكن الرجوع إليها في أي وقت، يشمل ذلك أيضا تحديد موقع طرفى الاتصال.
وقال أبوسياف: إن المخابرات الإسرائيلية وصلت لصديقه بعد الحصول على جميع المكالمات سواء السلكية أو اللاسلكية للإرهابى، ومعرفة جميع الأرقام الذي اتصل بها، ومعرفة مكانه على الأرض، عن طريق الذبذبات التي يرسلها هاتفه المحمول من وإلى الخلايا المجاورة.
وفى النهاية نتيجة هذا العملية، الآن محمد عرمان محكوم عليه في السجون الإسرائيلية بالسجن ٣٦ سنة سجنا مؤبدا، بعد أن تم اتهامه بالوقوف وراء عملية انتحارية أدت لمقتل ٣٥ إسرائيليًا، ومع ذلك انتخبه قادة حماس هذا العام ليكون قيادة لهم داخل السجون الإسرائيلية.
النسخة الورقية