لا سامح الله من أوعز إلى رأس النظام بضرورة العودة إلى "إعلام الصوت الواحد"، الذي كان سائدًا في مصر خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وأنه النموذج الأمثل لإعلام المرحلة الحالية، لذا لم يكن من المستغرب أن يتشابه خطاب الفضائيات وتغطياتها وقتها، لتقدم المحتوى نفسه تقريبا، وأصبح مكررًا خروج مانشيتات الصحف وهي تحمل العناوين نفسها.
ولم يدر بخلد النظام أن صاحب هذا الاقتراح الخاطئ، يريد أن يصنع من نفسه "هيكل" هذا العصر، وراح يتقمص دوره في كل أفعاله وكلامه، وساندته شلة الناصريين التي لا يهمها إلا مصلحتها، حتى ولو على حساب الوطن والمهنة والكرامة؛ فتاريخهم الأسود معروف في الكذب والتضليل والخداع منذ إعلام أحمد سعيد حتى وقوع النكسة المدوية التي ما زالت شعوبنا تسدد فواتيرها من المهانة والعبودية.
وإن كان هناك من نعمة نحمد الله عليها، في ثورات الربيع العربي، فهي تعرية الكثير من الوجوه الإعلامية والثقافية، وكشف قناع الشياطين عن وجوههم القبيحة وغايتهم الخسيسة وسموم توجهاتهم المميتة وبيع ذممهم لمن يدفع، وكلنا نعرفهم عن ظهر قلب؛ فهم من باعونا قبل أن يبيعوا أنفسهم من يد إلى يد، ومن حكومة إلى حكومة، ومن الطبيعي أن تختفي وراء تلك الصراعات وجوه لا تنكشف إلا في نهاية المطاف، خاصة إذا كان البعض ممن يعمل خلف الكواليس يؤمن بمقولة "أنا ومن بعدي الطوفان".
وحسنًا فعل صاحب "الصندوق الأسود" الدكتور عبدالرحيم علي؛ عندما استكمل حلقاته بإزاحة الستار عن "إعلام الخيانة والبيزنس"، وإسقاط مزاعم المتاجرين والمدعين حمل لواء الوطنية، بينما غايتهم نشر الفوضى والتطرف وإسقاط النظام لصالح قوى تحركهم أو من أصحاب المال المشبوه، أو ميليشيات وجماعات وائتلافات تريد إغراق البلد في الوحل الطائفي والعقائدي، ودعم الفاشية الدينية والجماعات المتسترة خلفها.
ولأن الوجه القبيح لمن يعمل خلف الكواليس لإدارة تلك الحرب والمناوشات الإعلامية يظهر بثوبين؛ أحدهما -وهو الظاهر- حمامة سلام والآخر -وهو الخفي- صب الزيت على الأرض أو تقبيل أيدي من في السلطة بل حذائه إذا لزم الأمر.
وكشف صاحب الصندوق الأسود زيف بعض الوجوه بتعريتها أمام المشاهد الذي رأى المقاتل بثوبه الخفي العفن، صحيح أن هؤلاء ينتمون لمهنتنا السامية، لكنهم لا ينتمون لشرف المهنية والمصداقية والإعلام المسئول التي يفني الشرفاء عمرهم من أجلها ولم يتقاضوا سوى الفتات الذي بالكاد يسد جوع أولادهم وذويهم.
وكما لا يفهم أن كلامنا هذا يمثل شماتة في أحد أو مجاملة لأحد، فهذا ليس من شيمنا، وإنما هو"إعلان براءة" لشرفاء المهنة من "حمقى المنتسبين إليها"، فقد آن الأوان لهؤلاء الأفاعي أن تدخل جحورها، وألا يطلوا علينا بوجوههم الخسيسة، وأن يريحونا من وعظ الشيطان الذي يمارسونه في فضائيات الهري والهراء.
وإذا كنا ننشد الارتقاء المهني والعملي وكسب احترام الآخرين، لا بد أن نكون صرحاء مع أنفسنا ومع من منحونا أوقاتهم الثمينة لمتابعتنا وقراءة آرائنا، فمتى غابت المهنية والعلم والوعي في إبداء الرأي ونقل الخبر وتحليل الأحداث، اتسعت الفجوات بين أهدافنا كإعلام يدعي المثالية والرقي، وبين ما نمارسه نحن في واقعنا، فهناك فجوة فكر، وفجوة مبدأ، وفجوة مصداقية، والأهم هناك فجوة بين الإعلامي وضميره الغائب عن المهنية، لذا على النقابات التي ينتمون لها التحقيق مع هؤلاء واتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة -حال ثبوت تورطهم- لاتهامهم بـ"الدعارة الإعلامية"!!.
أما البعض الذي ما زال يرسم ويخطط لعودة "إعلام النكسة"، ويطالب بأن يرتدي الرئيس السيسي جلباب عبدالناصر المتفتق والبالي، فإنني أستعيد جملة قالها الكاتب "صلاح الإمام" -في هذا السياق-: "عبدالناصر بنى المصانع وأقام المشاريع والشركات، لكنه بناها على أطلال المصانع والشركات التي أممها وانتزعها من أصحابها".
والسؤال: ماذا لو أقدم الرئيس السيسي اليوم على تأميم كل المصانع التي يملكها رجال الأعمال -وأغلبهم لصوص، وفتح أبواب هذه المصانع لتكون ملجأ لكل المتعطلين فيقبضون رواتب بلا عمل، ونفرح أياما بذلك، ثم نبكي سنين بعدما تخرب هذه المصانع مثلما خربت مصانع ناصر وانهارت من داخلها لأنها تحولت إلى مأوى لكل المتعطلين غير الفاعلين؟
صحيح أن الرئيس عبدالناصر -اتفقنا معه أو اختلفنا– له إيجابياته وسلبياته، وصحيح من حق الناصريين أن يعبروا عن انتمائهم، ولكن ليس من حقهم أن يطبقوا علينا تجربتهم التي لم ولن تنجح في عصرنا هذا، أو أن يروا أنفسهم على صواب، والباقي على خطأ، وأنه يجب اختيارهم لشغل معظم المواقع المهمة، بل قيام من هم في موقع المسئولية منهم باختيار ومجيئ أنصارهم وأشياعهم، لأنهم بذلك يعيدون نفس السيناريو «الإخواني» الذي أطيح به إلى مزبلة التاريخ.
ولم يدر بخلد النظام أن صاحب هذا الاقتراح الخاطئ، يريد أن يصنع من نفسه "هيكل" هذا العصر، وراح يتقمص دوره في كل أفعاله وكلامه، وساندته شلة الناصريين التي لا يهمها إلا مصلحتها، حتى ولو على حساب الوطن والمهنة والكرامة؛ فتاريخهم الأسود معروف في الكذب والتضليل والخداع منذ إعلام أحمد سعيد حتى وقوع النكسة المدوية التي ما زالت شعوبنا تسدد فواتيرها من المهانة والعبودية.
وإن كان هناك من نعمة نحمد الله عليها، في ثورات الربيع العربي، فهي تعرية الكثير من الوجوه الإعلامية والثقافية، وكشف قناع الشياطين عن وجوههم القبيحة وغايتهم الخسيسة وسموم توجهاتهم المميتة وبيع ذممهم لمن يدفع، وكلنا نعرفهم عن ظهر قلب؛ فهم من باعونا قبل أن يبيعوا أنفسهم من يد إلى يد، ومن حكومة إلى حكومة، ومن الطبيعي أن تختفي وراء تلك الصراعات وجوه لا تنكشف إلا في نهاية المطاف، خاصة إذا كان البعض ممن يعمل خلف الكواليس يؤمن بمقولة "أنا ومن بعدي الطوفان".
وحسنًا فعل صاحب "الصندوق الأسود" الدكتور عبدالرحيم علي؛ عندما استكمل حلقاته بإزاحة الستار عن "إعلام الخيانة والبيزنس"، وإسقاط مزاعم المتاجرين والمدعين حمل لواء الوطنية، بينما غايتهم نشر الفوضى والتطرف وإسقاط النظام لصالح قوى تحركهم أو من أصحاب المال المشبوه، أو ميليشيات وجماعات وائتلافات تريد إغراق البلد في الوحل الطائفي والعقائدي، ودعم الفاشية الدينية والجماعات المتسترة خلفها.
ولأن الوجه القبيح لمن يعمل خلف الكواليس لإدارة تلك الحرب والمناوشات الإعلامية يظهر بثوبين؛ أحدهما -وهو الظاهر- حمامة سلام والآخر -وهو الخفي- صب الزيت على الأرض أو تقبيل أيدي من في السلطة بل حذائه إذا لزم الأمر.
وكشف صاحب الصندوق الأسود زيف بعض الوجوه بتعريتها أمام المشاهد الذي رأى المقاتل بثوبه الخفي العفن، صحيح أن هؤلاء ينتمون لمهنتنا السامية، لكنهم لا ينتمون لشرف المهنية والمصداقية والإعلام المسئول التي يفني الشرفاء عمرهم من أجلها ولم يتقاضوا سوى الفتات الذي بالكاد يسد جوع أولادهم وذويهم.
وكما لا يفهم أن كلامنا هذا يمثل شماتة في أحد أو مجاملة لأحد، فهذا ليس من شيمنا، وإنما هو"إعلان براءة" لشرفاء المهنة من "حمقى المنتسبين إليها"، فقد آن الأوان لهؤلاء الأفاعي أن تدخل جحورها، وألا يطلوا علينا بوجوههم الخسيسة، وأن يريحونا من وعظ الشيطان الذي يمارسونه في فضائيات الهري والهراء.
وإذا كنا ننشد الارتقاء المهني والعملي وكسب احترام الآخرين، لا بد أن نكون صرحاء مع أنفسنا ومع من منحونا أوقاتهم الثمينة لمتابعتنا وقراءة آرائنا، فمتى غابت المهنية والعلم والوعي في إبداء الرأي ونقل الخبر وتحليل الأحداث، اتسعت الفجوات بين أهدافنا كإعلام يدعي المثالية والرقي، وبين ما نمارسه نحن في واقعنا، فهناك فجوة فكر، وفجوة مبدأ، وفجوة مصداقية، والأهم هناك فجوة بين الإعلامي وضميره الغائب عن المهنية، لذا على النقابات التي ينتمون لها التحقيق مع هؤلاء واتخاذ إجراءات حاسمة ورادعة -حال ثبوت تورطهم- لاتهامهم بـ"الدعارة الإعلامية"!!.
أما البعض الذي ما زال يرسم ويخطط لعودة "إعلام النكسة"، ويطالب بأن يرتدي الرئيس السيسي جلباب عبدالناصر المتفتق والبالي، فإنني أستعيد جملة قالها الكاتب "صلاح الإمام" -في هذا السياق-: "عبدالناصر بنى المصانع وأقام المشاريع والشركات، لكنه بناها على أطلال المصانع والشركات التي أممها وانتزعها من أصحابها".
والسؤال: ماذا لو أقدم الرئيس السيسي اليوم على تأميم كل المصانع التي يملكها رجال الأعمال -وأغلبهم لصوص، وفتح أبواب هذه المصانع لتكون ملجأ لكل المتعطلين فيقبضون رواتب بلا عمل، ونفرح أياما بذلك، ثم نبكي سنين بعدما تخرب هذه المصانع مثلما خربت مصانع ناصر وانهارت من داخلها لأنها تحولت إلى مأوى لكل المتعطلين غير الفاعلين؟
صحيح أن الرئيس عبدالناصر -اتفقنا معه أو اختلفنا– له إيجابياته وسلبياته، وصحيح من حق الناصريين أن يعبروا عن انتمائهم، ولكن ليس من حقهم أن يطبقوا علينا تجربتهم التي لم ولن تنجح في عصرنا هذا، أو أن يروا أنفسهم على صواب، والباقي على خطأ، وأنه يجب اختيارهم لشغل معظم المواقع المهمة، بل قيام من هم في موقع المسئولية منهم باختيار ومجيئ أنصارهم وأشياعهم، لأنهم بذلك يعيدون نفس السيناريو «الإخواني» الذي أطيح به إلى مزبلة التاريخ.