كان يمكن لـ«عبدالرحيم على» أن يستريح تماما، أن يبتعد عن كل مناطق الألغام التي دخلها راضيًا مرضيًا، أن يمسك العصا من المنتصف كما فعل كثيرون غيره، هؤلاء الذين يتحدثون بلسان كل عصر، وينتظرون العطايا حتى لو كانت مدنسة من كل سيد، لكنه اختار أن يكون نفسه.
لم يتغير عبدالرحيم على، منذ عرفته الملمح الأهم في شخصيته أنه يصدق ما يقوله ويؤمن بما يفعله، عندما شد كثيرون الرحال ليحطوا بأمتعتهم في أرض الرئيس الإخوانى طالبين عفوه وعطيته، ذهب هو بمفرده إلى النائب العام ليقدم بلاغا ضد الرئيس المزعوم متهما إياه بالتخابر، كان يعرف حجم الخطر الذي يتعرض له، لكنه عرف أن يد الله ترعاه، فمضى متوكلا عليه.
كان محمد مرسي، جالسا على كرسيه لا يزال، وألاضيشه من ذيول الجماعات الإرهابية يهددون بأن من يرش رئيسهم بالماء سيرشونه بالدم، وميليشيات الإخوان تتجول في مصر مثل الذئاب الجائعة، تستعد لنهش كل من يخالف، أو يعارض، أو يتناول جماعتهم بسوء، كان هو يقف في ميدان التحرير يقدم وعدًا للشعب المصرى أنه سيعيد محمد مرسي والذين معه إلى السجون التي خرجوا علينا من ظلماتها، وقد صدق لا لشىء إلا لأنه كان يصدق ما يقوله ويعمل لتحقيقه بإخلاص.
عندما بدأ عبدالرحيم، في فضح من رآهم خانوا وباعوا وحاولوا هتك عرض الوطن، بنشر تسجيلاتهم في برنامجه «الصندوق الأسود»، قامت عليه الدنيا ولم تقعد، قالوا فيه وعنه ما قاله مالك في الخمر وأكثر، كان يمكن أن يريح نفسه، أن يغلق الباب الذي قذف في وجهه الريح، لكنه تحدى واستمر، وواصل تعريتهم لأنهم تجرأوا على بيع الوطن بثمن بخس في سوق النخاسة، ذهبوا به إلى النيابات والمحاكم، حاولوا مصادرة حريته، لكن ولأنه كان يعمل لوجه الوطن فقط، فقد نصره الله وخذلهم.
لم يتوقف «الصندوق الأسود» إلا بعد تحالف من أصحاب رأس المال العفن، وهناك تفاصيل كثيرة أعرفها، لكنه صاحب الحق في أن يفصح عنها أو يخفيها، لكنه لم يستسلم. كان عبدالرحيم على، يعرف أن هناك رغبة لدى كثيرين أن يغيب «الصندوق الأسود» إلى الأبد، فحرص على أن يعود مهما كلفه الأمر، فلا أحد يستطيع أن ينفى كلمة الحق طويلا.
يعود عبدالرحيم على إلى «الصندوق الأسود» مرة أخرى، اليوم يقدم أولى حلقاته على شاشة قناة «العاصمة»، ليواصل ما بدأه في موسم البرنامج الأول.
تخيل البعض أن عبدالرحيم على سيتعلم من الدرس، سيعود مهذبا ملتزما حتى لا يتعرض للحصار مرة أخرى، لكنهم لا يعرفونه جيدا، إنه يعود أكثر صخبا وتحديا وإصرارا على الكشف والمواجهة.
واجه «الصندوق الأسود» في موسمه الأول الذين تفاوضوا على ثمن الوطن، في الموسم الثانى يدخل معركة أكبر، يكشف بما لديه من مستندات سياسيين ورجال الأعمال، الذين يتحالفون الآن لإرباك الدولة المصرية تمهيدا لتفكيكها، وأعتقد أن ما لدى عبدالرحيم على في هذه القضية تحديدًا سيكون مزعجًا لكثيرين، فما أصعب أن تجعل أحدهم عاريا أمام نفسه في المرآة.
المواجهة الأكبر التي سيخوضها «الصندوق الأسود» هذه المرة، ستكون من خلال نشر تسجيلات لصحفيين وإعلاميين كبار، تكشف تواصلهم مع قيادات الإخوان المسلمين وعرضهم التعاون معهم، الآن هؤلاء الإعلاميون يدّعون أنهم كانوا معارضين أشداء للجماعة ورئيسها.
سيدخل عبدالرحيم على، حقل الألغام من جديد، ولأن هذا قدره، فإنه يسعى إليه بقدميه راضيًا دون خوف ولا وجل.