يتكرر السؤال، في هذه الأيام، وفى كل بقعة من بقاع العالم، وبكل اللغات، أين نحن مما يحدث في العالم، ومما يخطط لنا؟، السؤال يتجاوز الوضع المحلى في مصر ليقفز إلى الواقع الإقليمى والدولى، تشارك في البحث مراكز دراسات كبرى وقيادات سياسية ومفكرون، والسؤال يعكس حالة القلق التي يعيشها العالم، الذي حولته ثورتا المعلومات والاتصالات إلى ما يشبه غرفة اجتماعات صغيرة، تضم شعوب العالم أجمع تتبادل أخبارها وأحداثها وهمومها.. تتصادم وتتصالح.. تتحالف وتختلف.. ولكن يبقى همها الأكبر هو القلق الزائد الذي يسيطر عليها جميعًا من اقتصاديات تنهار، وحروب تهدد الأخضر واليابس، وسياسات تتخذها القوى الكبرى أشبه بما كان يحدث في عصور الاستعمار القديم، وهكذا يسود القلق مختلف أرجاء العالم بالرغم من اختلاف التوجهات والثقافات والأزمات.. والسبب هو ما فرضه النظام العالمى الجديد على العالم أجمع من رؤى وإستراتيجيات وخرائط جديدة.
نشأ النظام العالمى الجديد مع بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين وارتكز على أحادية القوة التي كانت منفردة للولايات المتحدة الأمريكية استنادًا لما تحقق لها من قدرات متميزة في جميع المجالات خاصة العسكرية واستنادًا إلى تفكك القوة الأخرى وهى الاتحاد السوفيتى، وقد كانت حرب الخليج الثانية، هي الإعلان الأول لميلاد هذا النظام وبزوغ رؤية جديدة في التعامل مع الأزمات الدولية، من خلال ذلك التحالف الدولى الذي تقوده الولايات المتحدة في مواجهة دولة مارقة (العراق آنذاك) من أجل إجبارها على مسايرة هذا النظام، ثم تطور الأمر لكى تتولى الولايات المتحدة الأمريكية بقدراتها الذاتية، وبمشاركة محدودة من حلفائها تنفيذ أهدافها الإستراتيجية خاصة في مجال الحرب ضد الإرهاب التي اشتعلت مع بداية الألفية الثالثة، والتي استهدفت مناطق عديدة من الشرق الأوسط كأهداف مباشرة طبقت عليها واشنطن استراتيجيتها الجديدة في الضربات الاستباقية، وباستخدام نظم تسليح وقيادة وسيطرة غير مسبوقة على مستوى العالم. استهدف النظام العالمى الجديد منطقة الشرق الأوسط، بصفة خاصة ودارت على أرضه وحوله العديد من الحروب والأزمات ومحاولات الاستقطاب، لم تدرها الولايات المتحدة الأمريكية بمفردها ولكن بمشاركة كاملة أو محدودة من حلف شمال الأطلنطى الذي يعد الذراع الطولى للنظام العالمى الجديد، لقد حرصت الولايات المتحدة على بقاء حلف وارسو برغم ما جرى له من تفكيك بعد انهيار الاتحاد السوفيتى، وعملت على تطويره، من مجرد آلية عسكرية للدفاع عن أوربا في مواجهة الاتحاد السوفيتى القديم، حتى أصبح أداة سياسية عسكرية لمواجهة الأزمات في العالم لصالح الغرب، وذلك حتى تحبط النوايا الأوروبية نحو تشكيل قوة عسكرية أوربية مستقلة، قد تصبح مناوئة، في وقت ما للولايات المتحدة، ومن خلال تلك الرؤية استطاعت واشنطن تحقيق أهدافها، مستفيدة من قدرات الدول الأوربية مع تحمل التكاليف نيابة عنها. واستطاعت واشنطن من خلال حلف وارسو اعتماد تغييرات كثيرة على خريطة الشرق الأوسط والعالم منها: اعتماد حدود الشرق الأوسط الكبير، وفق المفهوم الأمريكى، باعتباره الجار الجنوبى لأوروبا، والذي لم يعد يقتصر على المفهوم السابق الذي سبق تحديده، إبان الحرب العالمية الثانية، ولكنه امتد ليشمل جميع الدول الإسلامية أو التي بها أغلبية إسلامية لتبدأ من جنوب شرق آسيا، حتى أواسط إفريقيا، وتضم جميع الدول العربية وإيران في نطاقها، وظل حلف الأطلسى (حلف ناتو) وعلى امتداد السنوات السابقة، وفيًا للأهداف التي وضعتها واشنطن للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط باعتبارها قلب العالم.
لماذا الشرق الأوسط؟
تعد منطقة الشرق الأوسط هي مهد الحضارات، ومنها انطلقت الديانات السماوية لتضيء للعالم أجمع طريق الهداية، فضلًا عما تتمتع به من ثروات طبيعية.. لذا كانت ومازالت محط أنظار القوى الاستعمارية العالمية وقد تبلورت رؤية القوى الاستعمارية عن منطقة الشرق الأوسط، باعتبار ما تحويه من خيرات، قد تكون مصدر خطر وتهديد على تلك القوى، في المستقبل، فوجهت سياساتها إلى تلك المنطقة بهدف عدم السماح لها بالتوحد خوفًا من تعاظم قوتها.. فكان استهداف المنطقة منذ البدايات بنشر وزرع بذور الفتنة والخلاف، والذي تمخض عنه وخرجت من عباءته طوائف متعددة، منها ما هو سنى ومنها ما هو شيعى، ومنها ما هو بين هذا وذاك، وتعاظمت تلك الخلافات بصورة ممنهجة على مر السنين حتى وصلنا إلى الوضع الحالى، بعد ما سمى ثورات الربيع العربى. خلال تلك الفترة بزغ نجم الصهيونية العالمية، وأطلق ما يعرف بوعد بلفور عام 1917 الخاص بتأسيس وطن لليهود بأرض فلسطين، وأعقبه تأسيس عصبة الأمم عام 1919 حتى قيام الحرب العالمية الثانية، حيث رضخت المنطقة لنزاعات وصراعات داخلية ترسيخًا لفكرة التفتيت وإعلاء قيم الانقسام بين دول المنطقة وكان من نتائجها المتوقعة هزيمة الجيوش العربية عام 1948.
عقب الحرب العالمية الثانية وانتقال الزعامة للولايات المتحدة الأمريكية التي ورثت السيادة على دول النفوذ الإنجليزى ومن بينها (مصر وفلسطين والأردن ودول الخليج العربى) ظهرت ملامح الصراع العربى الإسرائيلى وتكشفت بمرور الوقت محاولات دفع مصر إبان فترة حكم الرئيس جمال عبدالناصر (فيما عرف آنذاك بخطة اصطياد الديك الرومى) إلى معارك وبطولات وهمية وإفشال مشروع الوحدة مع سوريا، وكان من نتائج كل ذلك، هزيمة 1967 وازدياد الضغط الأمريكى على كل من (الأردن وفلسطين وباقى دول الخليج العربى) مع بوادر الظهور الأولى للثروات العربية.. وارتباطًا بذلك استمرت السياسات الغربية في زرع بذور الفتنة والخلاف بين مصر وباقى دول المنطقة إبان عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات فضلًا عن تدخلها السافر في شئون تلك الدول من خلال بث بذور الفتنة لإثارة النزاعات الطائفية والدينية والانفصالية بدول المنطقة. ويستمر الصراع وتستمر الولايات المتحدة الأمريكية في تنفيذ خطتها لتفتيت المنطقة مستعينة بحلف الأطلسى.
.. وللحديث بقية.