إن الضرورة الاجتماعية التى حتمت ظهور وانتشار الاتصال الجماهيرى تتمثل - فيما نرى - فى ثلاثة عوامل متكاملة: زيادة أعداد البشر، واتساع المعمورة، وتبلور ظاهرة السلطة المركزية•
1 - زيادة أعداد البشر:
إن فعالية الاتصال الشخصى - بحكم طبيعته - ترتبط بصغر حجم الجماعة التى يتم فى إطارها الاتصال، وإذا ما تجاوز حجم جماعة الاتصال حدا معينا تحول نمط الاتصال إلى الشكل الأقرب للجماهيرى، أو تفتتت الجماعة إلى جماعات اتصالية أصغر تمارس الاتصال الشخصى، ولسنا بحاجة للإشارة التفصيلية إلى تجارب علم النفس الاجتماعى فى هذا الصدد، بل يكفى أن نشير إلى ما نشاهده فى حياتنا اليومية مما يؤكد ذلك•
لو تصورنا مجموعة من الأفراد يتوافدون على مكان ما لحضور حفل أو اجتماع معين، أو لأية مناسبة اجتماعية أخرى• سوف نلاحظ أن أوائل الحاضرين عادة ما يتحادثون "معا" فى موضوع أو آخر• ومع تزايد عدد المتوافدين يتسع نطاق "الحديث معا" • بعبارة أخرى يتسع نطاق ممارسة الاتصال الشخصي• فإذا تجاوز حجم الجماعة حداً معينا لاحظنا أحد أمرين: قد تنقسم الجماعة إلى مجموعات أصغر أو " شلل" يتحادث أفراد كل شلة مع بعضهم البعض فى موضوع أو آخر.
وتشير نتائج بحوث علم النفس الاجتماعى إلى أنه يصعب جداً إقامة تفاعل شخصى مباشر بين أفراد جماعة يزيد عدد أفرادها عن خمسة عشر فردا، وكلما قل العدد عن ذلك كلما كان التفاعل أفضل• وإذا ما صدق ذلك على جماعة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين، فكيف بنا إذا ما كنا بصدد الآلاف بل والملايين من البشر؟ كان لابد إذن لكى يتحقق اتصال فعال بين هذه الجماهير الغفيرة، دون أن تتفتت إلى جماعات صغرى معزولة عن بعضها البعض، كان لابد من ظهور نمط جديد من أنماط الاتصال إلى جانب النمط الأصيل للاتصال الشخصى •
2 - اتساع المعمورة:
إن أعداد البشر لم تتزايد فحسب، ولكن المساحة المعمورة المأهولة بهم قد ترامت أطرافها وتباعدت. ولم يعد ممكنا والأمر كذلك أن تفى الأنماط التقليدية الأصيلة للاتصال وعلى رأسها الاتصال الشخصى بإشباع الحاجة الاتصالية للتفاعل بين قاطنى هذه المساحات المترامية الأطراف •
ومع التقدم التكنولوجى لوسائل الاتصال: (البريد - الهاتف - الراديو - التليفزيون - الفاكس - التلكس •• إلى آخره) أصبح الاتصال غير المباشر أكثر إغراء حتى لو توافر القرب المكانى نسبيا. خلاصة القول أن التباعد المكانى، بالإضافة إلى التقدم التكنولوجى قد ساهما فضلا عن التزايد السكانى فى تشكيل الضرورة الاجتماعية التى حتمت ظهور وانتشار الاتصال الجماهيرى•
3 - تبلور ظاهرة السلطة المركزية:
ويبقى عامل ثالث، لعله أهم العوامل التى تضافرت لتشكيل الضرورة الاجتماعية لبروز دور الاتصال الجماهيرى، وهو تبلور ظاهرة السلطة المركزية، لقد تطورت الجماعة البشرية من الأشكال القبلية البسيطة العدد، والمحدودة المكان، إلى أشكال أكثر تركيبا وتعقيدا • ولسنا بصدد التعرض تفصيلا لمسار هذا التطور عبر التاريخ البشرى، فما يعنينا فى هذا الصدد هو التوقف قليلا أمام تطور ظاهرة القيادة، من قيادة القبيلة إلى قيادة الأمة أو الدولة، والدور الذى تلعبه العملية الاتصالية بالنسبة للشكل الحديث للدولة المركزية المعاصرة •
قد أصبحت الدولة المركزية الحديثة فى حاجة إلى نوع جديد من أنواع الاتصال • أصبحت تحتاج نوعا من أنواع الاتصال يضمن وصول الرسالة من المركز إلى جماهير الدولة فى نفس لحظة إرسالها • نوعا يضمن التحكم فى مضمون هذه الرسالة المركزية بحيث تكفل الحد الأدنى المطلوب من تشكيل الوعى الجماهيرى المشترك، وتكفل كذلك تأكيد استمرارية صورة السلطة المركزية لدى الجماهير • ولم يكن من قبيل المصادفة - والأمر كذلك - أن يطلق على هذا العصر "عصر ثورة الاتصالات" فهو ولا ريب عصر بلوغ السلطة المركزية أوجها فى المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء.
ولسنا فى حاجة إلى سوق الأدلة، واستعراض نتائج البحوث المتخصصة للتدليل على جوهرية الدور الذى تلعبه وسائل الاتصال الجماهيرى بالنسبة لكيان الدولة المركزية المعاصرة • يكفينا أن ننظر إلى ما يجرى حولنا فى العالم المعاصر ليتضح لنا أن السيطرة المادية على مقر الإرسال المركزى للإذاعة والتليفزيون فى أية دولة معاصرة لا تقل أهمية بحال عن السيطرة على مقر الحكم ذاته، وأن اختلال هذه السيطرة إنما يعنى مباشرة اهتزازا للسلطة المركزية للدولة .
ولا تقتصر تلك الظاهرة على نسق الدولة فحسب، بل إنها تشمل أيضا كافة أنساق التنظيمات المركزية المعاصرة كالأحزاب والنقابات إلى آخره • فكل نسق تنظيمى مركزى يحرص كل الحرص على "تأمين" أداة الاتصال الجماهيرى الخاصة به، ويعتبر أن تهديدها تهديدا مباشرا لكيانه.
ترى هل يعنى ذلك كله إننا بصدد ظاهرة ذبول الشكل القديم من أشكال الاتصال، أى الاتصال الشخصى، وحلول الشكل الجديد أى الاتصال الجماهيرى محله؟ إن الأمر ليس كذلك على الإطلاق •
1 - زيادة أعداد البشر:
إن فعالية الاتصال الشخصى - بحكم طبيعته - ترتبط بصغر حجم الجماعة التى يتم فى إطارها الاتصال، وإذا ما تجاوز حجم جماعة الاتصال حدا معينا تحول نمط الاتصال إلى الشكل الأقرب للجماهيرى، أو تفتتت الجماعة إلى جماعات اتصالية أصغر تمارس الاتصال الشخصى، ولسنا بحاجة للإشارة التفصيلية إلى تجارب علم النفس الاجتماعى فى هذا الصدد، بل يكفى أن نشير إلى ما نشاهده فى حياتنا اليومية مما يؤكد ذلك•
لو تصورنا مجموعة من الأفراد يتوافدون على مكان ما لحضور حفل أو اجتماع معين، أو لأية مناسبة اجتماعية أخرى• سوف نلاحظ أن أوائل الحاضرين عادة ما يتحادثون "معا" فى موضوع أو آخر• ومع تزايد عدد المتوافدين يتسع نطاق "الحديث معا" • بعبارة أخرى يتسع نطاق ممارسة الاتصال الشخصي• فإذا تجاوز حجم الجماعة حداً معينا لاحظنا أحد أمرين: قد تنقسم الجماعة إلى مجموعات أصغر أو " شلل" يتحادث أفراد كل شلة مع بعضهم البعض فى موضوع أو آخر.
وتشير نتائج بحوث علم النفس الاجتماعى إلى أنه يصعب جداً إقامة تفاعل شخصى مباشر بين أفراد جماعة يزيد عدد أفرادها عن خمسة عشر فردا، وكلما قل العدد عن ذلك كلما كان التفاعل أفضل• وإذا ما صدق ذلك على جماعة لا يتجاوز عدد أفرادها العشرين، فكيف بنا إذا ما كنا بصدد الآلاف بل والملايين من البشر؟ كان لابد إذن لكى يتحقق اتصال فعال بين هذه الجماهير الغفيرة، دون أن تتفتت إلى جماعات صغرى معزولة عن بعضها البعض، كان لابد من ظهور نمط جديد من أنماط الاتصال إلى جانب النمط الأصيل للاتصال الشخصى •
2 - اتساع المعمورة:
إن أعداد البشر لم تتزايد فحسب، ولكن المساحة المعمورة المأهولة بهم قد ترامت أطرافها وتباعدت. ولم يعد ممكنا والأمر كذلك أن تفى الأنماط التقليدية الأصيلة للاتصال وعلى رأسها الاتصال الشخصى بإشباع الحاجة الاتصالية للتفاعل بين قاطنى هذه المساحات المترامية الأطراف •
ومع التقدم التكنولوجى لوسائل الاتصال: (البريد - الهاتف - الراديو - التليفزيون - الفاكس - التلكس •• إلى آخره) أصبح الاتصال غير المباشر أكثر إغراء حتى لو توافر القرب المكانى نسبيا. خلاصة القول أن التباعد المكانى، بالإضافة إلى التقدم التكنولوجى قد ساهما فضلا عن التزايد السكانى فى تشكيل الضرورة الاجتماعية التى حتمت ظهور وانتشار الاتصال الجماهيرى•
3 - تبلور ظاهرة السلطة المركزية:
ويبقى عامل ثالث، لعله أهم العوامل التى تضافرت لتشكيل الضرورة الاجتماعية لبروز دور الاتصال الجماهيرى، وهو تبلور ظاهرة السلطة المركزية، لقد تطورت الجماعة البشرية من الأشكال القبلية البسيطة العدد، والمحدودة المكان، إلى أشكال أكثر تركيبا وتعقيدا • ولسنا بصدد التعرض تفصيلا لمسار هذا التطور عبر التاريخ البشرى، فما يعنينا فى هذا الصدد هو التوقف قليلا أمام تطور ظاهرة القيادة، من قيادة القبيلة إلى قيادة الأمة أو الدولة، والدور الذى تلعبه العملية الاتصالية بالنسبة للشكل الحديث للدولة المركزية المعاصرة •
قد أصبحت الدولة المركزية الحديثة فى حاجة إلى نوع جديد من أنواع الاتصال • أصبحت تحتاج نوعا من أنواع الاتصال يضمن وصول الرسالة من المركز إلى جماهير الدولة فى نفس لحظة إرسالها • نوعا يضمن التحكم فى مضمون هذه الرسالة المركزية بحيث تكفل الحد الأدنى المطلوب من تشكيل الوعى الجماهيرى المشترك، وتكفل كذلك تأكيد استمرارية صورة السلطة المركزية لدى الجماهير • ولم يكن من قبيل المصادفة - والأمر كذلك - أن يطلق على هذا العصر "عصر ثورة الاتصالات" فهو ولا ريب عصر بلوغ السلطة المركزية أوجها فى المجتمعات المتقدمة والمتخلفة على حد سواء.
ولسنا فى حاجة إلى سوق الأدلة، واستعراض نتائج البحوث المتخصصة للتدليل على جوهرية الدور الذى تلعبه وسائل الاتصال الجماهيرى بالنسبة لكيان الدولة المركزية المعاصرة • يكفينا أن ننظر إلى ما يجرى حولنا فى العالم المعاصر ليتضح لنا أن السيطرة المادية على مقر الإرسال المركزى للإذاعة والتليفزيون فى أية دولة معاصرة لا تقل أهمية بحال عن السيطرة على مقر الحكم ذاته، وأن اختلال هذه السيطرة إنما يعنى مباشرة اهتزازا للسلطة المركزية للدولة .
ولا تقتصر تلك الظاهرة على نسق الدولة فحسب، بل إنها تشمل أيضا كافة أنساق التنظيمات المركزية المعاصرة كالأحزاب والنقابات إلى آخره • فكل نسق تنظيمى مركزى يحرص كل الحرص على "تأمين" أداة الاتصال الجماهيرى الخاصة به، ويعتبر أن تهديدها تهديدا مباشرا لكيانه.
ترى هل يعنى ذلك كله إننا بصدد ظاهرة ذبول الشكل القديم من أشكال الاتصال، أى الاتصال الشخصى، وحلول الشكل الجديد أى الاتصال الجماهيرى محله؟ إن الأمر ليس كذلك على الإطلاق •