تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
كان السؤال الذي طرحه مسئول كبير في مؤسسة سيادية محيرًا وملغزًا في آن واحد، قال لمن استفسروا منه عما يتردد عن التغيير الوزارى القادم أسبابا وتفاصيل: "أنا مش عارف إنتم بتجيبوا الكلام ده منين! مافيش أي حاجة، وبعدين مين اللى ورا تسريب الكلام ده للصحف ووسائل الإعلام؟!".
في كلام المسئول الكبير شىء إيجابى بالنسبة لنا، فهو يعرف أن التقارير التي نشرتها الصحف- وكانت البوابة قد سبقت الجميع إلى الإشارة لتعديلات وزارية- ليست من اختراعها أو تأليفها، فكل ما يحدث أننا نستند إلى مصادر محددة ومعتبرة ولها ثقل وبها ثقة، ننقل عنها ما تقوله، وقد تبنت دوائر عديدة قريبة من النظام خلال الأيام الماضية معلومات تشير إلى أن تغييرا وزاريا قادما لا محالة.
كان أمام هذه الجهات رغبة في التأكيد على ما ذهبت إليه وتبنته وتمنته، فأشارت إلى أن هناك تقارير رفعتها جهات سيادية إلى الرئيس تشير إلى حالة غضب تتنامى في الشارع من الحكومة، وأنه لابد من تدخل جراحى سريع قبل أن يتزايد الغضب ويتحول إلى قنبلة لا يستطيع أحد السيطرة عليها.
لم يكن الحديث عن التقارير السيادية الراصدة للغضب كافية، فأكدت الجهات التي تدفع في اتجاه التغيير الوزارى أن هناك وزراء بعينهم سيطالهم التغيير، بل تم تحديد أسماء ٩ وزراء، وتردد أنهم يشكلون قائمة الراحلين عن الحكومة، رغم أن بعضهم دخلها في التغيير الأخير الذي لم يمر عليه شهران فقط.
من السهل على من يدافعون عن الحكومة والنظام أن ينسبوا ما قيل عن التغييرات الوزارية إلى المعارضة التي ترغب في رحيل محلب والسعى إلى إحراج السيسى، وهو أمر ليس مستبعدا بالمناسبة، لكن لماذا لا نكون أكثر صراحة معكم ومع أنفسنا، ونبحث عن سبب ما يجرى داخل النظام وليس خارجه؟
أعتقد أن البحث داخل أروقة النظام وبين كواليسه سيكون مفيدا جدا، فهناك شواهد عديدة تشير إلى أن هناك صراع أجنحة داخل النظام، وحتى نكون محددين أكثر، هناك صراع بين الأجهزة، كل منها يريد أن تكون له الغلبة والسيطرة والنفوذ.
ويمكن ببساطة أن نراجع ما جرى في حركة المحافظين التي تأخرت لشهور، على خلفية صراعات خفية ومعلنة على من يختار المحافظ الفلانى للمحافظة الفلانية، وهو ما تكرر ربما بشكل أقل حدة مع التعديل الوزارى الأخير.
نعرف أن الرئيس السيسى لا يحكم وحده، ونعلم أكثر أن من يحكمون معه في الأجهزة المختلفة ليسوا على قلب رجل واحد، ونثق تماما أن هناك داخل أجهزة كثيرة من يريد تعويق كل ما يجرى في مصر الآن لنعود مرة أخرى إلى المربع رقم صفر.
لا أدعى أننى أكشف بما أقوله هنا سرا لا يعرفه أحد، فالصورة واضحة تماما لدى الجميع، وهو ما يجعل السؤال المنطقى الذي سنكرره كثيرا خلال الأيام القادمة: إذا كان رأس النظام يعرف جيدا ما يحدث، فما الذي يمنعه من التصرف السريع، ما الذي يجعله لا يتدخل لإيقاف صراع الأجنحة من حوله، وهو الصراع الذي يشعر به الجميع، دون أن يكون لديهم دليل مادى ملموس عليه.
مبكرا، وهنا في «البوابة» أيضا، سارعت مصادر رئاسية لنفى أي كلام عن صراعات بين المجموعة التي تعمل إلى جوار الرئيس، واجتهدت هذه المصادر في التأكيد على أن كل شىء تحت السيطرة، وأن الجميع يعمل في حالة كاملة من الحب والسلام، وهو ما لم يكن حقيقيا إلى درجة بعيدة.
يمكن أن اعترف لكم بشىء، وهو أن الصحافة يتم استخدامها أحيانا من قبل أجنحة مختلفة في السلطة، وأعتقد أن ما تردد عن التغيير الوزارى الذي لم يتم كان حلقة من حلقات هذا الاستخدام، لكن هذه ليست القضية الأساسية.
القضية أننا أمام حالة من الارتباك تسهم بها أجهزة عديدة في الدولة، والمفروض أنها أجهزة مسئولة، لكن في لحظة معينة تقرر أن تنفذ ما تراه هي حتى لو كان هذا مخالفا للمصلحة العامة، ومسببا لحالة من الفوضى السياسية العارمة، التي لا نملك سوى التحذير منها قبل أن تقع الكارثة.. ومرة ثانية: اللهم بلغت، اللهم فاشهد.