بدأت بالتحريض على عدم التبرع لـ«تحيا مصر»
السيطرة على البرلمان خطوة لوضع رقبة الرئيس تحت «سيف العزل»
الهجوم المكثف على الحكومة يستهدف خلخلة الاستقرار.. ودعم الحركات الاحتجاجية آخر الخطوات
تصريح عابر نقلته بعض المواقع الإلكترونية على لسان مصدر رئاسى - دون أن تحدد اسمه ولا صفته ولا أهميته – أكد به أنه لا توجد أزمة بين الرئيس ورجال الأعمال.
أغلب الظن أن التصريح الذى احتفت به مواقع ووكالات رجال الأعمال طبيعى أن يدلى به مسئول فى الرئاسة، وذلك تأسيسا على أن الرئيس ليس طرفا فى أى صراع مع أى فئة فى المجتمع، سواء كانوا رجال أعمال أو غيرهم، وأعتقد أن حالة الاحتفاء بالتصريح جاءت على خلفية ما نشرناه هنا عن تحركات رجال أعمال بعينهم، ونسجهم لما يمكن التعامل معه على أنه خطة للسيطرة على المشهد السياسى فى مصر، من خلال سيطرتهم على البرلمان، الذى يبدو أنهم فقدوا فيه الأمل، فبدأوا فى محاصرة النظام من خلال دعم حركات سياسية قد تكون مطالبها مشروعة ومقبولة، لكنهم يدعمونها لتحويلها إلى عصا يهددون بها النظام حتى يرضخ لمطالبهم. لم نقل فى أى وقت إن هناك خلافا بين الرئيس ورجال الأعمال، لأننا نقرأ المشهد السياسى جيدا، لكننا قلنا ولا نزال أن هناك مؤامرة سياسية ضد الرئيس، وهى مؤامرة لها أكثر من مستوى، وأعتقد أن المستوى الذى تعمل عليه الآن هو إخضاغ النظام وتطويعه، وجعله مثل لقمة سائغة يسهل التهامها فى أى وقت دون عناء، ولن يتورع من يقومون بنسج هذه المؤامرة عن التصعيد إلى مستويات تصل إلى العمل على تأليب الرأى العام ضد النظام، الذى أعرف أنه يعرف جيدا أن أسهل هتاف فى مصر لا يزال «الشعب يريد إسقاط النظام»... لتبدأ الدائرة فى الدوران من جديد، ونجد أنفسنا نبدأ القصة من أولها مرة أخرى.
حتى نكون محددين، فإننا سنعيد مرة أخرى تفاصيل المؤامرة التى بدأت على الرئيس مبكرا جدا، وهى مؤامرة خيوطها واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من أدلة، خاصة أننا نعرف أن هناك أجهزة قامت بالفعل بمتابعة ما يجرى على الأرض، ولا يخفى على أحد أيضا أن هناك تسجيلات تكشف وتفضح عناصر من يعملون لتحقيق مصالحهم فقط، وليذهب الوطن وكل من يخافون عليه إلى الجحيم.
بدأت المؤامرة على الرئيس بإفساد ما ذهب إليه من تبرع رجال الأعمال بجزء من أموالهم إلى صندوق تحيا مصر، لقد بدأ السيسى متفائلا بأن دعوته إلى التبرع وإلى إنقاذ مصر بأموال أولادها دون الحاجة إلى معونات خارجية، تحدث بأريحية شديدة عن ذلك، بل ضرب بنفسه القدوة والمثل عندما تبرع بنصف مليون جنيه للصندوق، حملها بنفسه فى حقيبة رآها الجميع وذهب إلى البنك ليودع تبرعه بنفسه.
تخيل كثيرون أن ما فعله الرئيس سيكون دافعا لأن يتدافع كثيرون من أجل التبرع، لكن شيئا من هذا لم يحدث، ما جرى بالفعل أن رجل أعمال معروفاً بالاسم كان يجرى اتصالات بعدد من رجال الأعمال يحذرهم بعنف من أن يتبرعوا، كان يقول لهم إنهم إذا دفعوا الآن فلن يكف الرئيس عن مطالبتهم بالتبرع والدفع، ولن يستطيعوا أن يرفضوا له طلبا بعد ذلك، فلابد من أن يأخذوا موقفا واضحا وقويا ضده، ويبدو أن تحذيرات رجل الأعمال نجحت، فنحن لم نعد نسمع شيئا عن صندوق تحيا مصر، وتوقفت الحركة تجاهه تماما، رغم أن المشاكل التى تعانى منها مصر لا تزال قائمة.
وأستطيع أن أسجل شهادة واضحة هنا، قالها لى أحد أباطرة الإعلام فى مصر وجها لوجه، كان يسعى إلى إسكات أصوات الإعلاميين الذين يطالبون بتبرع رجال الأعمال لصندوق تحيا مصر، قال لى وقتها إنه لن يتبرع للصندوق بشىء، كما أن شركاءه وأصدقاءه من رجال الأعمال وكلهم مليارديرات قرروا ألا يتبرعوا بشىء للصندوق، وإلحاح الإعلام على أن يتبرعوا يمثل حالة من الإحراج الشديد لهم، لأنه يضعهم فى مواجهة واضحة مع النظام الذى ينتظر منهم الكثير، وقد رأى رجال الأعمال أن الحل الأسهل هو أن يسكتوا أصوات الإعلام المطالبة بالتبرع، بدلا من أن يساهموا فى دعم الصندوق الوطنى، ويبدو أنهم نجحوا فى ذلك بشكل كبير.
تعامل النظام مع ندالة رجال الأعمال بعدم الالتفات إليهم، لكن الحل كان فى مزيد من التوجه إلى الخارج، وأصبحنا نحل مشاكلنا بأموال خارجية، سيكون من قدر الأجيال القادمة أن تدفع ثمن فوائدها، فلا شىء يدفع إلا إذا كان هناك من ينتظر عائده.
الخيط الثانى من المؤامرة كان هو العمل من أجل السيطرة على البرلمان، قرأ عدد من رجال الأعمال الصورة بشكل جيد، الدستور يمنح البرلمان سلطات تفوق الرئيس، سيكون من حقه تشكيل الحكومة، ومن حقه أيضا سحب الثقة من الرئيس، وعليه فمن سيتحكم فى البرلمان، فإنه سيكون قادرا على التحكم فى المشهد السياسى كله، وعليه بدأت التحركات لدعم مرشحين ورصد أموال طائلة للإنفاق على تجهيز لوبى رجال الأعمال داخل المجلس.
ولا يخفى على أحد أن أحد رجال الأعمال رصد ما يقرب من ٧٥٠ ألف جنيه للإنفاق على المرشحين الذين سيكونون تابعين له داخل البرلمان القادم، ورجل أعمال آخر وباعتراف من تواصلوا معه رصد لكل مرشح يدين له بالولاء ٣ ملايين جنيه كان يدفع له مليونا فى البداية والـ ٢ مليون عندما تبدأ الانتخابات، رجل الأعمال هذا أعلن بصراحة ودون مواربة أنه يرى أن الانتخابات ستتوقف ولا أمل فى أن تعقد قريبا، ولذلك سوف يتوقف عن الإنفاق تماما، وهو ما يعنى أنه أنفق الكثير، وعندما رأى أنه لا فائدة من إنفاقه توقف تماما.
وعلى خريطة الانتخابات يمكن أن نرصد صراعا – ولن نقول خلافا حتى لا نتجاوز تصريح المسئول الرئاسى – بين النظام ورجال الأعمال، ففى مواجهة بعض القوائم الانتخابية التى رأى رجال الأعمال أن النظام يدعمها – سواء كان هذا حقا أو باطلا – بدأوا فى التنسيق من أجل تكوين قوائم تكون قادرة على منافسة القوائم الرسمية، وأصبحنا فى حلبة صراع بين من يقولون إن النظام يدعمهم ومن يريدون أن يكسروا شوكة النظام ومن يقفون خلفه، وأعتقد أن رجال الأعمال نجحوا فى تفتيت القوائم شبه الرسمية، وبدأوا بالفعل فى تكوين تحالفات جديدة من شأنها أن تعمل جاهدة على السيطرة على البرلمان.
لقد قام رجال الأعمال بتصعيد تآمرهم على النظام من خلال هجومهم المكثف على الحكومة، ونعتها بأنها حكومة بلا رؤية، ويجب أن تتغير فورا ودون إبطاء، وهو ما من شأنه أن يصنع حالة من الخلخلة فى الاستقرار الداخلى، فيمكن أن تكون هناك ملاحظات كثيرة على أداء الحكومة، ويمكن أن نلوم ونعاتب رئيس الوزراء على كثير مما يقوم به، لكن تشكيل حكومة كاملة الآن يمكن أن يكون له أثر بالغ على الأداء العام للنظام.
لقد اتهم لوبى رجال الأعمال فى الإعلام أن الحكومة تنحاز إلى عدم إجراء الانتخابات من الأساس، لأنها تريد أن تعمل دون رقابة برلمانية، وأنها تنحاز إلى تحالفات بعينها، حتى تصل بها إلى البرلمان فى إشارة واضحة إلى أن الحكومة تريد أن تشكل البرلمان على هواها، حتى تضمن بذلك أنها لن تكون فى مرمى سهام النواب، فما دام النواب تابعين لها، فلا خوف من انعقاد البرلمان، وهو ما يجعل الحكومة تتلكأ فى الانتهاء من قوانين الانتخابات رغم أن الرئيس نفسه منحها شهرا واحدا فقط للانتهاء من كافة القوانين وهو ما لم يحدث رغم مرور أكثر من شهرين على مهلة الرئيس.
لقد جاء الهجوم على الحكومة بثماره كاملة، ولا يستطيع أحد أن يتجاهل حالة التجهم التى يظهر عليها المهندس إبراهيم محلب، بل لا نستطيع أن نتجاهل حالة الغضب التى يتعامل بها الرئيس مع رئيس وزرائه، وهى الحالة التى انعكست على تعامل محلب مع وزرائه، فهو أيضا ساخط وغاضب طوال الوقت، وأصبح صوته يعلو فى كل الاجتماعات التى يعقدها مع مجموعة الوزراء، وهو أمر طبيعى جدا، فالرجل مضغوط إلى أبعد مدى، والنتيجة الطبيعية أن أداء الحكومة أصبح متوترا جدا، لأنها تعمل فى الأساس فى ظل مناخ هائل من التوتر.
المحطة الرابعة من المؤامرة التى يمكن أن نرصد ملامحها الأولى الآن هى دعم مجموعة من رجال الأعمال لحركات تبدو من الوهلة الأولى احتجاجية.
لا يستطيع أحد أن يتجاهل أن هناك حالة غضب فى الشارع، وهى حالة نمت بسبب أداء الحكومة من ناحية، وبسبب حالة السرية التى تسيطر على أداء من يحكمون البلاد، وقد تصاعدت هذه الحالة لأن الأحوال لم تنصلح بشكل جيد، ورغم أن السيسى كان واضحا منذ البداية، عندما قال إن الأحوال لن تنصلح فى يوم وليلة، ولابد أن يتحمل الناس معه آلام هذا الإصلاح، إلا أن هناك حالة من اليأس بدأت تتسرب إلى الناس بأن الأمور لن تتعدل قريبا، وهو ما أثار حفيظتهم، فى ظل ممارسات من الأجهزة الأمنية تعيد الناس إلى الإحساس بأن كل شىء يمكن أن يعود مرة ثانية إلى ما قبل ٢٥ يناير، وهو أمر مفزع جدا، فالمصريون لم يقوموا بثورتين، أطاحوا فى واحدة منهما بنظام فاسد، وأطاحوا فى الثانية بنظام فاشى، حتى يجدوا عجلة الزمن تعود بهم إلى الوراء.
الحركات الاحتجاجية التى ظهرت فى الشارع، والتى بدأت تأخذ أسماء دالة وموحية، وتعلن عن نفسها فى بيانات وتحدد برامج، وتحمل النظام مسئولية ما يجرى، من شأنها أن تزيد حالة السخط العامة فى نفوس المصريين، وهو السخط الذى يمكن أن يتصاعد، لنجد أنفسنا فى مواجهة موجة ثورية ثالثة، هذه الموجة ستكون الأخطر والأعنف لأنها ستأتى على الأخضر واليابس، وأنا مع من يقول بأن الإطاحة بالسيسى ستكون الأخطر على البلاد، لكن لماذا نترك الأمور حتى تصل إلى هذه الدرجة، لماذا نتورط فى الغضب حتى يتفاعل ويتحول إلى ثورة، خاصة إذا كانت هناك إجراءات يمكن أن ينفذها النظام ليمتص طاقة الغضب المكبوتة فى النفوس؟
من الخطأـ الشديدـ أن يتعامل النظام مع ما يحدث فى الشارع بتجاهل شديد، يتحرك على الأرض وكأنه لا شىء يحدث، لأن التجاهل سيجعل الغاضبين يلجأون إلى التصعيد، يطالبون بما لا يقدر النظام على تنفيذه، وساعتها سيجد نفسه فى مواجهة مع حشود فى الشارع لن يقدر أحد على صدها ولا التعامل معها.
إذا كان النظام يدرك أن هناك مؤامرة عليه، فيجب ألا يتعامل معها باستخفاف، فهذا ما حدث فبل ذلك من نظامى مبارك ومحمد مرسى، يجب عليه أن يتصدى لها ويكشفها، وسيجد أن الشعب كله يقف فى صفه، وإذا كان النظام يدرك أن الحركات الاحتجاجية فى الشارع ليست كلها بريئة، وأن هناك من يمولها لإحراج النظام وخلخلته، فلابد أن يقطع اليد التى تمول وتدعم، قبل أن تتحول هذه الحركات إلى غول لا يقدر أحد عليه.
لا تدار الدول بالكلام الناعم، ولا تدار بالتصريحات التى تفوح منها رائحة الاطمئنان إلى أن كل شىء على ما يرام... فالخطر موجود، فتعاملوا معه قبل أن يتحول إلى وحش لا يقدر عليه أحد... اللهم قد بلغت... اللهم فاشهد.
السيطرة على البرلمان خطوة لوضع رقبة الرئيس تحت «سيف العزل»
الهجوم المكثف على الحكومة يستهدف خلخلة الاستقرار.. ودعم الحركات الاحتجاجية آخر الخطوات
تصريح عابر نقلته بعض المواقع الإلكترونية على لسان مصدر رئاسى - دون أن تحدد اسمه ولا صفته ولا أهميته – أكد به أنه لا توجد أزمة بين الرئيس ورجال الأعمال.
أغلب الظن أن التصريح الذى احتفت به مواقع ووكالات رجال الأعمال طبيعى أن يدلى به مسئول فى الرئاسة، وذلك تأسيسا على أن الرئيس ليس طرفا فى أى صراع مع أى فئة فى المجتمع، سواء كانوا رجال أعمال أو غيرهم، وأعتقد أن حالة الاحتفاء بالتصريح جاءت على خلفية ما نشرناه هنا عن تحركات رجال أعمال بعينهم، ونسجهم لما يمكن التعامل معه على أنه خطة للسيطرة على المشهد السياسى فى مصر، من خلال سيطرتهم على البرلمان، الذى يبدو أنهم فقدوا فيه الأمل، فبدأوا فى محاصرة النظام من خلال دعم حركات سياسية قد تكون مطالبها مشروعة ومقبولة، لكنهم يدعمونها لتحويلها إلى عصا يهددون بها النظام حتى يرضخ لمطالبهم. لم نقل فى أى وقت إن هناك خلافا بين الرئيس ورجال الأعمال، لأننا نقرأ المشهد السياسى جيدا، لكننا قلنا ولا نزال أن هناك مؤامرة سياسية ضد الرئيس، وهى مؤامرة لها أكثر من مستوى، وأعتقد أن المستوى الذى تعمل عليه الآن هو إخضاغ النظام وتطويعه، وجعله مثل لقمة سائغة يسهل التهامها فى أى وقت دون عناء، ولن يتورع من يقومون بنسج هذه المؤامرة عن التصعيد إلى مستويات تصل إلى العمل على تأليب الرأى العام ضد النظام، الذى أعرف أنه يعرف جيدا أن أسهل هتاف فى مصر لا يزال «الشعب يريد إسقاط النظام»... لتبدأ الدائرة فى الدوران من جديد، ونجد أنفسنا نبدأ القصة من أولها مرة أخرى.
حتى نكون محددين، فإننا سنعيد مرة أخرى تفاصيل المؤامرة التى بدأت على الرئيس مبكرا جدا، وهى مؤامرة خيوطها واضحة ولا تحتاج إلى مزيد من أدلة، خاصة أننا نعرف أن هناك أجهزة قامت بالفعل بمتابعة ما يجرى على الأرض، ولا يخفى على أحد أيضا أن هناك تسجيلات تكشف وتفضح عناصر من يعملون لتحقيق مصالحهم فقط، وليذهب الوطن وكل من يخافون عليه إلى الجحيم.
بدأت المؤامرة على الرئيس بإفساد ما ذهب إليه من تبرع رجال الأعمال بجزء من أموالهم إلى صندوق تحيا مصر، لقد بدأ السيسى متفائلا بأن دعوته إلى التبرع وإلى إنقاذ مصر بأموال أولادها دون الحاجة إلى معونات خارجية، تحدث بأريحية شديدة عن ذلك، بل ضرب بنفسه القدوة والمثل عندما تبرع بنصف مليون جنيه للصندوق، حملها بنفسه فى حقيبة رآها الجميع وذهب إلى البنك ليودع تبرعه بنفسه.
تخيل كثيرون أن ما فعله الرئيس سيكون دافعا لأن يتدافع كثيرون من أجل التبرع، لكن شيئا من هذا لم يحدث، ما جرى بالفعل أن رجل أعمال معروفاً بالاسم كان يجرى اتصالات بعدد من رجال الأعمال يحذرهم بعنف من أن يتبرعوا، كان يقول لهم إنهم إذا دفعوا الآن فلن يكف الرئيس عن مطالبتهم بالتبرع والدفع، ولن يستطيعوا أن يرفضوا له طلبا بعد ذلك، فلابد من أن يأخذوا موقفا واضحا وقويا ضده، ويبدو أن تحذيرات رجل الأعمال نجحت، فنحن لم نعد نسمع شيئا عن صندوق تحيا مصر، وتوقفت الحركة تجاهه تماما، رغم أن المشاكل التى تعانى منها مصر لا تزال قائمة.
وأستطيع أن أسجل شهادة واضحة هنا، قالها لى أحد أباطرة الإعلام فى مصر وجها لوجه، كان يسعى إلى إسكات أصوات الإعلاميين الذين يطالبون بتبرع رجال الأعمال لصندوق تحيا مصر، قال لى وقتها إنه لن يتبرع للصندوق بشىء، كما أن شركاءه وأصدقاءه من رجال الأعمال وكلهم مليارديرات قرروا ألا يتبرعوا بشىء للصندوق، وإلحاح الإعلام على أن يتبرعوا يمثل حالة من الإحراج الشديد لهم، لأنه يضعهم فى مواجهة واضحة مع النظام الذى ينتظر منهم الكثير، وقد رأى رجال الأعمال أن الحل الأسهل هو أن يسكتوا أصوات الإعلام المطالبة بالتبرع، بدلا من أن يساهموا فى دعم الصندوق الوطنى، ويبدو أنهم نجحوا فى ذلك بشكل كبير.
تعامل النظام مع ندالة رجال الأعمال بعدم الالتفات إليهم، لكن الحل كان فى مزيد من التوجه إلى الخارج، وأصبحنا نحل مشاكلنا بأموال خارجية، سيكون من قدر الأجيال القادمة أن تدفع ثمن فوائدها، فلا شىء يدفع إلا إذا كان هناك من ينتظر عائده.
الخيط الثانى من المؤامرة كان هو العمل من أجل السيطرة على البرلمان، قرأ عدد من رجال الأعمال الصورة بشكل جيد، الدستور يمنح البرلمان سلطات تفوق الرئيس، سيكون من حقه تشكيل الحكومة، ومن حقه أيضا سحب الثقة من الرئيس، وعليه فمن سيتحكم فى البرلمان، فإنه سيكون قادرا على التحكم فى المشهد السياسى كله، وعليه بدأت التحركات لدعم مرشحين ورصد أموال طائلة للإنفاق على تجهيز لوبى رجال الأعمال داخل المجلس.
ولا يخفى على أحد أن أحد رجال الأعمال رصد ما يقرب من ٧٥٠ ألف جنيه للإنفاق على المرشحين الذين سيكونون تابعين له داخل البرلمان القادم، ورجل أعمال آخر وباعتراف من تواصلوا معه رصد لكل مرشح يدين له بالولاء ٣ ملايين جنيه كان يدفع له مليونا فى البداية والـ ٢ مليون عندما تبدأ الانتخابات، رجل الأعمال هذا أعلن بصراحة ودون مواربة أنه يرى أن الانتخابات ستتوقف ولا أمل فى أن تعقد قريبا، ولذلك سوف يتوقف عن الإنفاق تماما، وهو ما يعنى أنه أنفق الكثير، وعندما رأى أنه لا فائدة من إنفاقه توقف تماما.
وعلى خريطة الانتخابات يمكن أن نرصد صراعا – ولن نقول خلافا حتى لا نتجاوز تصريح المسئول الرئاسى – بين النظام ورجال الأعمال، ففى مواجهة بعض القوائم الانتخابية التى رأى رجال الأعمال أن النظام يدعمها – سواء كان هذا حقا أو باطلا – بدأوا فى التنسيق من أجل تكوين قوائم تكون قادرة على منافسة القوائم الرسمية، وأصبحنا فى حلبة صراع بين من يقولون إن النظام يدعمهم ومن يريدون أن يكسروا شوكة النظام ومن يقفون خلفه، وأعتقد أن رجال الأعمال نجحوا فى تفتيت القوائم شبه الرسمية، وبدأوا بالفعل فى تكوين تحالفات جديدة من شأنها أن تعمل جاهدة على السيطرة على البرلمان.
لقد قام رجال الأعمال بتصعيد تآمرهم على النظام من خلال هجومهم المكثف على الحكومة، ونعتها بأنها حكومة بلا رؤية، ويجب أن تتغير فورا ودون إبطاء، وهو ما من شأنه أن يصنع حالة من الخلخلة فى الاستقرار الداخلى، فيمكن أن تكون هناك ملاحظات كثيرة على أداء الحكومة، ويمكن أن نلوم ونعاتب رئيس الوزراء على كثير مما يقوم به، لكن تشكيل حكومة كاملة الآن يمكن أن يكون له أثر بالغ على الأداء العام للنظام.
لقد اتهم لوبى رجال الأعمال فى الإعلام أن الحكومة تنحاز إلى عدم إجراء الانتخابات من الأساس، لأنها تريد أن تعمل دون رقابة برلمانية، وأنها تنحاز إلى تحالفات بعينها، حتى تصل بها إلى البرلمان فى إشارة واضحة إلى أن الحكومة تريد أن تشكل البرلمان على هواها، حتى تضمن بذلك أنها لن تكون فى مرمى سهام النواب، فما دام النواب تابعين لها، فلا خوف من انعقاد البرلمان، وهو ما يجعل الحكومة تتلكأ فى الانتهاء من قوانين الانتخابات رغم أن الرئيس نفسه منحها شهرا واحدا فقط للانتهاء من كافة القوانين وهو ما لم يحدث رغم مرور أكثر من شهرين على مهلة الرئيس.
لقد جاء الهجوم على الحكومة بثماره كاملة، ولا يستطيع أحد أن يتجاهل حالة التجهم التى يظهر عليها المهندس إبراهيم محلب، بل لا نستطيع أن نتجاهل حالة الغضب التى يتعامل بها الرئيس مع رئيس وزرائه، وهى الحالة التى انعكست على تعامل محلب مع وزرائه، فهو أيضا ساخط وغاضب طوال الوقت، وأصبح صوته يعلو فى كل الاجتماعات التى يعقدها مع مجموعة الوزراء، وهو أمر طبيعى جدا، فالرجل مضغوط إلى أبعد مدى، والنتيجة الطبيعية أن أداء الحكومة أصبح متوترا جدا، لأنها تعمل فى الأساس فى ظل مناخ هائل من التوتر.
المحطة الرابعة من المؤامرة التى يمكن أن نرصد ملامحها الأولى الآن هى دعم مجموعة من رجال الأعمال لحركات تبدو من الوهلة الأولى احتجاجية.
لا يستطيع أحد أن يتجاهل أن هناك حالة غضب فى الشارع، وهى حالة نمت بسبب أداء الحكومة من ناحية، وبسبب حالة السرية التى تسيطر على أداء من يحكمون البلاد، وقد تصاعدت هذه الحالة لأن الأحوال لم تنصلح بشكل جيد، ورغم أن السيسى كان واضحا منذ البداية، عندما قال إن الأحوال لن تنصلح فى يوم وليلة، ولابد أن يتحمل الناس معه آلام هذا الإصلاح، إلا أن هناك حالة من اليأس بدأت تتسرب إلى الناس بأن الأمور لن تتعدل قريبا، وهو ما أثار حفيظتهم، فى ظل ممارسات من الأجهزة الأمنية تعيد الناس إلى الإحساس بأن كل شىء يمكن أن يعود مرة ثانية إلى ما قبل ٢٥ يناير، وهو أمر مفزع جدا، فالمصريون لم يقوموا بثورتين، أطاحوا فى واحدة منهما بنظام فاسد، وأطاحوا فى الثانية بنظام فاشى، حتى يجدوا عجلة الزمن تعود بهم إلى الوراء.
الحركات الاحتجاجية التى ظهرت فى الشارع، والتى بدأت تأخذ أسماء دالة وموحية، وتعلن عن نفسها فى بيانات وتحدد برامج، وتحمل النظام مسئولية ما يجرى، من شأنها أن تزيد حالة السخط العامة فى نفوس المصريين، وهو السخط الذى يمكن أن يتصاعد، لنجد أنفسنا فى مواجهة موجة ثورية ثالثة، هذه الموجة ستكون الأخطر والأعنف لأنها ستأتى على الأخضر واليابس، وأنا مع من يقول بأن الإطاحة بالسيسى ستكون الأخطر على البلاد، لكن لماذا نترك الأمور حتى تصل إلى هذه الدرجة، لماذا نتورط فى الغضب حتى يتفاعل ويتحول إلى ثورة، خاصة إذا كانت هناك إجراءات يمكن أن ينفذها النظام ليمتص طاقة الغضب المكبوتة فى النفوس؟
من الخطأـ الشديدـ أن يتعامل النظام مع ما يحدث فى الشارع بتجاهل شديد، يتحرك على الأرض وكأنه لا شىء يحدث، لأن التجاهل سيجعل الغاضبين يلجأون إلى التصعيد، يطالبون بما لا يقدر النظام على تنفيذه، وساعتها سيجد نفسه فى مواجهة مع حشود فى الشارع لن يقدر أحد على صدها ولا التعامل معها.
إذا كان النظام يدرك أن هناك مؤامرة عليه، فيجب ألا يتعامل معها باستخفاف، فهذا ما حدث فبل ذلك من نظامى مبارك ومحمد مرسى، يجب عليه أن يتصدى لها ويكشفها، وسيجد أن الشعب كله يقف فى صفه، وإذا كان النظام يدرك أن الحركات الاحتجاجية فى الشارع ليست كلها بريئة، وأن هناك من يمولها لإحراج النظام وخلخلته، فلابد أن يقطع اليد التى تمول وتدعم، قبل أن تتحول هذه الحركات إلى غول لا يقدر أحد عليه.
لا تدار الدول بالكلام الناعم، ولا تدار بالتصريحات التى تفوح منها رائحة الاطمئنان إلى أن كل شىء على ما يرام... فالخطر موجود، فتعاملوا معه قبل أن يتحول إلى وحش لا يقدر عليه أحد... اللهم قد بلغت... اللهم فاشهد.