قبل أيام من عيد العمال، قضت المحكمة الإدارية العليا، بإحالة أي موظف عمومى إلى المعاش حال ثبوت اعتصامه أو إضرابه عن العمل، وتعطيله مصالح المواطنين المتعاملين مع المرافق العامة، مستندة إلى أن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك لما فيه من إضرار بالمواطنين. صدر الحكم برئاسة المستشار لبيب حليم، نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية المستشارين أحمد زكى، وحسين قايد، وعبدالفتاح الكاشف، والدكتور رضا عثمان ،، وأحالت المحكمة ٣ مسئولين بالوحدة المحلية بمنطقة «قورص»، التابعة لمركز أشمون في المنوفية للمعاش، وأجلت ترقية ١٤ آخرين لمدة عامين من تاريخ استحقاقها، بعد ثبوت صحة تحقيقات النيابة الإدارية بشأن إضرابهم عن العمل.
وأضافت المحكمة: «أحكام الشريعة الإسلامية بها قاعدة أن درء المفاسد مقدم على جلب المنافع، وقاعدة الضرر لا يُزال بمثله، وإذا كان الإضراب يؤدى إلى إلحاق الضرر بالمتعاملين مع المرفق العام فإن الشريعة الإسلامية لا تبيح هذا المسلك لما فيه من إضرار بالمواطنين، والإضراب سواء كان من الحقوق أو الحريات فإنه يتعين الالتزام بحدود هذا الحق وعدم الانحراف عن الغاية منه، واستقر في الفقه الإسلامى قواعد أصولية، منها أن الضرر الأشد يُزال بالأخف، وقاعدة الضرر الخاص يُتحمل لدفع ضرر عام، وبالتالى أحكام الشريعة الإسلامية لا تجيز الإضراب.
وقالت الحيثيات: «إضراب الموظفين العموميين جريمة جنائية، والسلطة التشريعية ملزمة بأن تنظم حق الإضراب بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية». وقالت: «طاعة الرؤساء تُعتبر العمود الفقرى في كل نظام إدارى، وإذا تسرب هذا الخلل فلن يجدى في إصلاح الإدارة أي علاج».
الحكم اثار كثيرا من اللغط والجدل وسط النقابات العمالية والاوساط الصحفية والإعلامية والقانونية ،، وكان الاعتراض الاساسى هو مخالفة الحكم لمواد الدستور والمواثيق الدولية التي وقعتها مصر.
والحقيقة أن هذا الدستور الذي احتكم اليه البعض هو الذي اعطى قضاة الإدارية العليا حق الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية ،، متناسين أن الدستور قد نص على أن الشريعة هي المصدر الرئيسى للتشريع ،، وان واحد من الالغام أو الخوازيق التي وضعها دستور لجنة الخمسين برئاسة السيد عمرو موسى بيقول أن الموافقه على المواثيق الدوليه بما لا يناقض احكام الشريعه الاسلاميه ،، وهى الاحكام التي تحرم الإضراب بل تكفر من يقوم به.
واليكم بعضا مما ذكره مشايخ الفتة في شأن حكم الشرع في الإضراب. أولا:"إنَّ الإضراباتِ والاعتصامات والمظاهرات وسائرَ أساليبِ الديمقراطية هي من عادات الكفَّار وطُرُق تعامُلهم مع حكوماتهم، وليست من الدِّين الإسلامي في شيءٍ، وليس من أعمال أهل الإيمان المطالبةُ بالحقوق -ولو كانت مشروعة- بسلوكِ طريقِ تركِ العملِ ونَشْرِ الفوضى وتأييدها، وإثارة الفتن، والطعن في أعراض غير المشاركين فيها، وغيرها ممَّا ترفضه النصوص الشرعية ويأباه خُلُق المسلم تربيةً ومنهجًا وسلوكًا.
وإنَّما يُتوصَّل إلى الحقوق المطلوبة بالطُّرُق المشروعة، وذلك بمراجعة المسؤولين وولاة الأمر، فإن تحقَّقت المطالبُ فذلك من فضل الله سبحانه، وإن كانت الأخرى وجب الصبر والاحتساب والمطالبة من جديد حتى يفتح اللهُ وهو خير الفاتحين، بغير خروجٍ عن طاعة أولى الأمر، وفي رواية ابن حبَّان وأحمد: «وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ، وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ».
ثانيا:"ظاهرة الإضراب هي: اخلال بعقد الاجارة والعقد كما هو معلوم شريعة المتعاقدين، فما هي الاجارة وما هي احكامها؟ الاجارة لغة:مشتقة من الاجر، وهو الجزاء على العمل.
وفي الاصطلاح: عقد على منفعة، مقصودة، معلومة، قابلة للبذل، والإباحة، بعوض معلوم. أن الإجارة والتي هي إيجاب وقبول بين طرفين على عمل معلوم منفعته واجر معلوم كذلك هي اجارة صحيحة وملزمة باتفاق المسلمين. وعليه فليس للعامل طلب الزيادة على اجرته المتفق عليها على وجه الالزام باتفاق الائمة، والا كان عاص اثم ظالم مستحق للعقوبة، ومن اعانه على ذلك فقد اعانه على الاثم والعدوان. (الفتاوى).
ثالثا: إذا كان الإضراب من العاملين في وظائف تابعة للدولة فأنت مخير بين أمرين إما أن تترك العمل وييسر الله رزقك بأن تعمل في جهة أخرى وإما أن تصبر فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن عباس رصي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "من رأى من أميره شيئًا يكرهه فليصبر عليه فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبرا فيموت إلا مات ميتة جاهلية".
هكذا الأمر، قضاة الإدارية العليا التزموا بمواد الدستور التي تقضى بأن الشريعة الإسلامية هي أساس التشريع، واستدعوا ماقاله مشايخ الفتة في شان الإضراب ،، ولاحرج عليهم، بالمناسبة رئيس الحكمة مسيحى لكنه التزم بمواد بمواد دستور الشريعة.
والآن على من يعارض الحكم، فإن البداية الحقيقية لأسقاط هذه الأحكام هي تطهير الدستور من تلك الألغام والخوازيق التي تجعل من شيوخ الفتة حكام البلاد الحقيقيين.