الجمعة 20 سبتمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ملفات خاصة

"كفافيس".. عاشق الإسكندرية

كفافيس
كفافيس
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إشراف: سامح قاسم
إعداد: أحمد صوان
"أنا شاعر، مؤرخ.. أحس بداخلي أصواتا تقول لي، إن بإمكاني كتابة التاريخ ولكن ليس لدى الوقت الكافي".
ولد قسطنطين، الابن التاسع والأخير لليوناني بيير كفافيس في الإسكندرية في 17 أبريل 1863، وكان أبواه من أسرة يونانية ثرية تعمل بالتجارة في مدينة القسطنطينية، وتم تعميده في الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية.
مات والده عندما كان في السابعة من عمره، وفي التاسعة أخذتْ الأم أولادّها وذهبتْ إلى إنجلترا لتلحق بالعائلة التي كان رجالها يديرون أعمالا كثيرة هناك، حتى بلغ قسطنطين السادسة عشرة، وهو ما جعله يكتسب معرفة كبيرة بالأدب الإنجليزي، خاصة أعمال شكسبير، براونج، وأوسكار وايلد، وبلغ في تلك الفترة من إجادته الإنجليزية حتى قيل إنه كان يتحدث اليونانية بلهجة بريطانية، وكذلك ظل يرتدي ملابس على الطراز الإنجليزي بقية حياته، وعلى العكس فلم يكن يجيد العربية؛ وعقب عودته إلى الإسكندرية التحق قسطنطين بمدرسة التجارة؛ وكان مدير المدرسة عاشقًا للأدب الكلاسيكي والحضارة اليونانية، وهو ما سقاه لتلميذه الذي صار يونانيًا طول حياته. 
عام 1882، عقب دخول الإنجليز وضرب الإسكندرية عادت الأم لترحل ثانية مع أولادها إلى القسطنطينية، وبقيت الأسرة هناك ثلاث سنوات واصل فيها قسطنطين دراسة التاريخ والحضارة البيزنطية، وقرأ دانتي بالإيطالية، وكتب أولى قصائده بالإنجليزية والفرنسية واليونانية؛ ثُم عاد إلى الإسكندرية مع أمه عام 1885 وعاش معها حتى وفاتها. 
عمل كفافيس بالصحافة لبعض الوقت، كما عمل مع أخيه في بورصة الإسكندرية للأوراق المالية، ثم التحق بالعمل كموظف في مصلحة الري التابعة لوزارة الأشغال العامة، حيث ظل في هذه الوظيفة ثلاثين عاما بمرتب ضئيل، وفي عام 1903 اصطحب كفافيس أّخاه الكسندر إلى أثينا، وهناك قام الروائي اليوناني جورج اكسنوبولوس باختيار اثنتي عشرة قصيدة من شعره وقام بنشرها مع مقال عن أعماله.
"أي مكان أجمل من هذا يمكن أن أستقر فيه، وسط مراكز الوجود هذه، مبغى، وكنيسة للغفران، ومستشفي يموت المرء فيه"..
كان كفافيس يكتب نحو سعبينّ قصيدة في السنة، ولكنه كان يمزقها كلها ما عدا أربع أو خمس قصائد كل عام، وكان يطبع أشعاره في طبعات خاصة يوزعها على أصدقائه؛ وفي عام 1904 نشر أول كتاب يحتوي على أربع عشرة قصيدة، ولم يرسل أيٌ نسخ للنقاد، ولكن ذاع صيته في دوائر المثقفين. وفي 1910 نشر كتابه الثاني الذي ضمنه القصائد الأربع عشرة التي نشرها في الكتاب الأول إضافة إلى اثنتي عشرة قصيدة أخرى ولم ينشر أي مجموعات بعد ذلك. 
ويُمكن أن يوصف شعر كفافيس بأنه ينتمي إلى عالم السهل الممتنع، فمع سهولة فهم شعره وطريقته المباشرة، والتي قد تبدو تعليمية بشكل ما، وقدرته على استحضار زمن وعصر تاريخي كامل بكلمات وإشارات موحية؛ يفعل الشئ ذاته في وصف الشخصيات، فتأتي كلمحات قليلة وكأنها ضربات فرشاة سريعة تنقل الإنسان بكل مشاعره في لحظة معينة، وذلك بدون مبالغة؛ فتحدث عن التاريخ، العشق، الفلسفة، أو الشعر نفسه، فيعود إلى عصور وأماكن تتكرر كثيرًا، كالإسكندرية في أوائل القرن العشرين، اليونان القديمة، بيزنطة في العصور الوسطى؛ كما تتكرر شخصيات بعينها مثل الإمبراطور الروماني جوليان.
ظهر في الكثير من أشعار كفافيس نوع من الدراما، مثل حوار بين شخصين، أو حوار داخلي قد ينتج عنه في نهاية القصيدة قرار معين، تصحيح لفكرة، أو تأكيد للذات حول قضية معينة؛ كذلك برزت في أعماله ما يُشبه القصة القصيرة، فجاءت في كلماته موقف إنساني، لحظة ضعف، لحظة فارقة، وأحيانا لحظة حسم في النهاية.
اهتم كفافيس بثلاثة موضوعات رئيسية هي: الحب، الفن، والسياسة، وكانت -في أحيان كثيرة- تتداخل في القصيدة الواحدة، والخوض في التجارب الوجودية التي خاضتها شخصيات تاريخية معروفة في العصور اليونانية، مُبتعدًا عن التجربة الشخصية، والتي -غالبًا- ما تكون حاضرة على طرف الأحداث السياسية؛ وكان تركيزه سببًا في تميز حضوره في مدينة كوزموبوليتية ومتعددة هي الإسكندرية، والتي حملته على أن يُبدع قصيدة تحفر في زمن المدينة الأسطوري.
بعد تقاعده عن العمل في وزارة الأشغال، اكتفى كفافيس بقضاء وقته في القراءة والكتابة في منزله، وقبع في حالة توحد مطلق بالذات، والفضاء الذي أثث تفاصيله وفق رؤيته الخاصة إلى العالم، وفي المساء كان يذهب ليجلس مع أصدقائه من المثقفين في مقهاهم المفضل "التريانون"، وكان أدونيس واحدًا منهم؛ وفي يونيو 1932 مرض، وتم تشخيص مرضه على أنه سرطان في الحنجرة، فسافر إلى أثينا، وهناك أجريت له جراحة ناجحة، ولكنه فقد صوته، وفي أوائل 1933 انتكست حالته، وتم نقله إلى المستشفي اليوناني بالإسكندرية حيث أمضى الشهور الأخيرة من حياته، ليدُفِن بعدها في مقبرة الأسرة بالإسكندرية، في نفس اليوم الذي ولد فيه.
عبّر عدد كبير من الأدباء المصريين عن حبهم وتقديرهم لكفافيس بطرق مختلفة، فترجم رفعت سلاّم، قصائده الكاملة إلى العربية، وجمعها في كتاب صدر عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، مُتحدثًا في مقدمة خاصة عن سيرته الشخصية، ومُضيفًا قراءة تحليلية سريعة لبعض القصائد؛ كما تناول الروائي طارق إمام حياته وسيرته في روايته "الحياة الثانية لقسطنطين كفافيس"، قائلًا: إنه شخصية درامية بامتياز على مستوى تناقضاته وسيرته المعقدة، والمناطق الغامضة والمنسية في حياته.
في عام 1990 قام المستشار الثقافي اليوناني في مصر بتأسيس جائزة كفافيس الدولية، والتي يتم منحها إلى المبدعين من مصر واليونان، والتي أصبحت من أهم الجوائز التي يفخر بها الحاصلون عليها، وفاز بها الأديب العالمي نجيب محفوظ، وكذلك بهاء طاهر، فاروق شوشة، سيد حجاب، إبراهيم أصلان، رضوى عاشور، وسحر الموجي؛ أيضًا تم تحويل بيته، الواقع في الطابق الثالث من بناية عتيقة متواضعة‏،‏ في ‏شارع شرم الشيخ المتفرع من شارع إسطنبول‏،‏ خلف مسرح سيد درويش‏ بمحطة الرمل‏ -والذي تم استخدامه لسنوات طويلة ك‏بانسيون‏-‏ بعد أن اشترته القنصلية اليونانية إلى متحف‏،‏ تخليدًا للسنوات التي عاشها كفافيس فيه، وأصدرت الحكومة اليونانية طابعا بريديا عام 1983 يحمل صورته، وكذلك عملة تذكارية.