تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
إنهم المنسيون في الأفراح، المدعوون في الأتراح، الذين نستسهل اتهامهم بالاندفاع في التحالف مع الجماعات الإرهابية، ونعتقد أن عاداتهم وطبيعتهم الصحراوية تقودهم بالضرورة لتبنى أفكار التطرف والعنف.
ونظنهم في حرب مستمرة لأخذ الثأر، أو صعاليك يجوبون البادية لقطع الطريق أو المتاجرة في كل ما هو ممنوع، وفوق ذلك كله ننظر إليهم بعين التوجس والحذر لربما خانونا لصالح العدو.
إنهم بدو مصر الذين لا نعرف عنهم الكثير أو القليل، ومع ذلك لا نستحي من التعميم في إطلاق أحكام عليهم
هم بالنسبة لنا مجهول لذلك نخشاهم ولا نأمن جانبهم، واستمرأنا جهالتنا ولم نسأل يوما أنفسنا من هم عربان مصر الذين ينتشرون على حدودنا هناك في الأطراف بل يعيش بعضهم بيننا داخل محافظات وادي النيل بلا استثناء بما في ذلك القاهرة التى تنتشر في أحيائها عشائر بدوية الأصل منها على سبيل المثال عرب المعادي وعرب الشرفاء وعرب الصف في حلوان وعرب الجسر وعرب الحصن في المطرية وعرب الوراق في إمبابة.
بيان قبيلة الترابين في شمال سيناء وتصريحات أحد أبرز مشايخها موسى الدلح التى صدرت أمس معلنة الحرب على التنظيمات الإرهابية في بادية سيناء جاء ليؤكد أن بدو مصر ليسوا أقل انتماء منا نحن سكان الوادي وليذكرنا ببطولات من نسيناهم ولا نذكرهم إلا في المناسبات مثل الشيخ سالم الهرش الذي تجاهلته ثقافة النهر فلم نر تحقيقا صحفيا وافيا يعرض كيف حمل هذا الرجل رأسه على كفه فداءً لسيناء ولم نشهد عملا دراميا يجسد شخصيته، ومئات آخرين مثله كانوا وبحق فوارس سجلت صولاتهم وجولاتهم عز بدو مصر في مواجهة المحتل الإسرائيلي غير أن أهم دلالة في بيان الترابين ينبغي أن ننتبه إليها، هى أنه لا ارتباط شرطي بين عصابات الإرهاب وطبيعة سكان البادية كما يعتقد كثيرون من المحللين الذين يربطون الإرهاب بالفقر أيضا رغم أن قادة التنظيمات الإرهابية الدولية جلهم من الأغنياء وأصحاب الثروات الطائلة ولنا في بلادن والظواهري وقيادات جماعة الإخوان المثل الأعلى.
ذات الخطأ تكرر في النظرة إلى بدو مصر، رغم أن العارف بطبيعة العادات والتقاليد البدوية والتراث المتراكم لأحكام القضاء العرفي يدرك أن الحياة البدوية تتناقض مع التطرف والعنف بطبيعتها وأنها استطاعت كبح جماح عادة الثأر، صحيح أنها عادة متأصلة لكن تقاليد البادية وأعرافها تحد من استفحالها.
في البادية شيوخ وحكماء وقضاة وعارفون قابضون على قوانين الصحراء التى تحفظ دماء سكانها وهيبة ضيوفها وفيها أيضا فرسان وبواسل يعرفون قيمة الشرف والعزة.
ونساء البادية ليسوا أقل من رجالها ومها أبوقريع واحدة من هؤلاء النسوة اللائي سطرن على رمال الصحراء بطولات عز أن تجد مثلها عند أولئك القابعين في مكاتبهم المكيفة ينظّرون بجهالة عن ارتباط العنف الدينى والجريمة بسكان الصحراء.
نعم في البادية قطاع طرق وتجار بشر ومخدرات لكن نسبتهم أقل بكثير من سكان الحضر، ومن كانوا يتاجرون في الدعارة مع إسرائيل بالأمس هم أنفسهم أعضاء تنظيمات إرهابية على شاكلة انصار بيت المقدس وغيرها لأنهم في الواقع مرتزقة يبحثون عن المكسب ولو كان بلا شرف.
والمشكلة التى تواجهنا في فهم طبيعة البدو هى أننا لا ندرك ماهية انتمائهم للصحراء وقوانينها والتزامهم بعاداته وأعرافها ولم تبذل الحكومة المركزية في القاهرة الجهد الكافي لفهم تلك الطبيعة والتوفيق بينها وبين ضرورة انضوائهم تحت سلطة قانون الدولة، وكان لزاما على أي الحكومة أن تستفيد من تجارب الدول المجاورة مثل الأردن والسعودية وسوريا وجوهرها الحفاظ على عادات البدو وأعرافهم ولكن تحت مظلة هيبة الدولة وقوانينها فللعرف مساحة وضرورة وللقانون أيضا مكان، وأظن أن الدولة قادرة على تحقيق هذه المعادلة بشرط أن تأخذ الأمر على محمل الجد وأن تتعاون مع شيوخ القبائل وقضاتها وحكمائها والعارفين بعادات البدو.
ودليلي في ذلك فزعة الترابين التى من المؤكد ستلبى نداءها باقي القبائل في سيناء.
كتبت في هذه الزاوية غير مرة وفي أكثر من مناسبة أننا بحاجة لنندمج مع مواطنينا المصريين من سكان الصحراء ولن يحدث ذلك إلا إذا تشبعت آذاننا وعيوننا بتراثهم وفنونهم وثقافتهم ولن أمل من دعوة الدولة لتسمعنا وترينا ثقافة بادية المحروسة على شاشات ماسبيرو في أكثر من برنامج تلفزيونى، فليس من المعقول كما قلت سابقا أن تستسيغ آذاننا الغناء الخليجي بإيقاعاته الفلكلورية ولا تستعذب السامر السيناوي أو الغناء المطروحى.
الدمج بين ثقافة المركز القابعة على النهر، وثقافة البادية المنشورة على رمال صحارينا المدخل الصحيح للتنمية في سيناء وغيرها والبرهان الأكيد على جدية وعود العاصمة في تحقيقها.
إن عز مصر من عز بدوها الذين إنتخوا باسم المها البطلة التى ذبحها الإرهاب في حربهم على عصابات جماعة الإخوان