يعدون على أصابع اليد الواحدة، هؤلاء الذين ورطونا فى هذا العالم، عالم عشق الشعر والوطن والحياة، الخال كان واحدًا منهم، بل أكاد أقول إنه كان أهمهم. كانت ليلته فى معرض الكتاب من كل عام عيدًا لنا، فاليوم سنسمع الأبنودى، كنا نعد لليوم بشكل مختلف، ولا ينتهى اليوم بانتهاء الندوة ولكنه يبدأ حينذاك، نسرع إلى أحد حوانيت وسط البلد، لكى نسترجع ما قاله الشاعر الكبير، كنا نحفظه عن ظهر قلب، نتغنى به فى طرقات حياتنا نستشهد به فى مناظراتنا.
وعندما بدأت حلقات برنامجى، «الصندوق الأسود»، لم أجد ما أبدأ به حلقاتى سوى مقاطع شعر الأبنودى، إنه مسيح الشعر الخالد فى قلوبنا وعقولنا، ولم لا، فقد كان الخال ذاكرة وطن، يتطور بتطور اللحظة، يعيها يهضمها، ثم يرددها على مسامعنا، فنحفظها عن ظهر قلب.
عندما انتهت أحداث ثورة يناير، بتنحى الرئيس الأسبق مبارك عن السلطة، وتكليف المجلس العسكرى بقيادة البلاد لفترة انتقالية، حدثت أحداث كثيرة داخل الميدان، نتجت عنها تصرفات، سيحكم التاريخ على صحتها من عدمه فيما بعد، ولكن الأبنودى لم يصمت صدح بعاطفة الشاعر، من وجهة نظرى خانه وعيه فى تلك المرة، وكانت من المرات القليلة التى يحتد فيها النقاش بيننا، غنى الأبنودى:
الشرّ فى طرْف الميدان يِسكر
والفجر يطلع.. تحجبُه العسكر
وانت بتكتب سكَّة للجايّين
الثورة نور.. واللى سرقها خبيث
يرقص ما بين شُهدا وبين محابيس
والدم لسّه مغرَّق الميادين
ما بيتوبوش.. ولا اللى فات علّمهم
ما بيسمعوش فى الدنيا إلا كلامهم
مالهمش فى حوار النبات والطين
بلع الأبنودى الطعم الذى ردده الإخوان، الفجر يطلع تحجبه العسكر، وفيما دار بيننا من نقاش أكدت له أنها رؤية الجماعة الملعونة، هم يرددون ذلك لأجل سرقة الثورة، والعسكر، بتعبيرك، لا يريدون التمسك بالسلطة أكثر من المدة المقررة للانتهاء من وضع دستور دائم للبلاد وإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتسليم الحكم لرئيس مدنى منتخب.
كان ما لدىّ من معلومات لا يقف حقيقة على رجلين، أمام آلة الشائعات الضخمة للجماعة الإرهابية وحلفائها، لكن سرعان ما وعى الشاعر حقيقة ما يحدث، وبدأ فى الفرز الحقيقى وبعد ثلاثين يونيو كتب الأبنودى:
الثورة ماكانتش ثورتهم.. ولا حتكون
قضوها فى قتل شهداءنا وهدم سجون
وإحنا ف براءة.. رحلنا شهيد يشد شهيد
شياطين رهيبة بعلامات ع الجباه.. ودقون
وعى الأبنودى الحقيقة كاملة، ودور الإخوان فيما حدث، من قتل للشهداء واقتحام للسجون من قبل شياطين الجماعة الإرهابية، وحلفائهم، صرخة الأبنودى لفت مصر بالكامل من أدناها إلى أقصاها، ووعى الجميع القصة كاملة.
مساهمة الأبنودى جعلت الملايين يشعرون بحقيقة وخطورة ما حدث ويرددونه فى قوة وصدق، لقد ساهم شعر الأبنودى فى ميلاد ثورة 30 يونيو، وقال فيها:
يا زارع الغل.. مصر بتزرع الغلة
وإنت كذاب خلطت البلطجة بملة
إللى رشاك بالتمن وقالك إقتلني
أنا وإنت وسط اللهيب.. وهوه فى الضله.!!
ويا مصر.. لا رجعة من تانى ولا تفريط
المتخدع مرتين.. سامحينى.. يبقى عبيط
يا للى فتحتى البيبان للنور يخش الدور
ما ترجعيش للضلام ومعاشرة الوطاويط.!!
لم يقف الأبنودى عند هذا الحد، فعندما اكتشف الشاعر الكبير غباء بعض من شباب الثورة، لم ينحن للريح كما فعل الجميع، ولم يخش من وصفهم فى بدايات الثورة بالقول:
يا وليدى.. ميِّل قول لإخوانك
تانى رجع من خان.. واهُه خانك
والسجن مش شبعان شباب صالحين
غزلان ووقْعت فى ضلام غابة
قضبان وليها ضحكة كدابة
والضحكة كاشفة عن سنان صُفرين
فكتب الأبنودى يعاتبهم فى شدة:
عُملا وجواسيس وقبِّيضَة وشباب خاينين
أخدوا الأوامر يخلُّوا مصر دى أشلاء
من بياعين النضال.. لبياعين الدين
كلُّه صناعة أمريكانى والتيكيت مغلوط
مزوّرينه بِقِلِّةْ صنعة.. يا فاشلين
سحروك يا ثورى؟ خَلاص إفضل كده (مربوط)
تنكر ودانك هدير الشعب بالملايين!!
وختم الأبنودى بالقول:
ويا مصر مدّىْ الخُطى.. وحققى الفكرة
إنتى ابتديتى الكتابة والفنون والدين
لو شايفة بكرة أكيد راح توصلى لبكرة
وارمى وراكى اللى قاصدين يبقوا مش شايفين!!
واهى مصر رمت وراها اللى قاصدين يبقوا مش شايفين، واللى حاولوا يحرفوا الفكرة، ويقفوا قدام بكرة، وكان بحق مسيح الشعر والثورة.
آراء حرة
الأبنودى.. مسيح الشعر والثورة
تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق