قبل شهور من ثورة ٣٠ يونيو اجتمع مجموعة من رجال المخابرات الحربية، وناقشوا حالة التقارب المصرى الإيرانى، بعد أن بدأ محمد مرسي في الإلحاح على استقدام ما يقرب من ٢٠٠ ألف سائح إيرانى.
انتهى الاجتماع بتقدير موقف تم رفعه إلى محمد مرسي في قصره بالاتحادية، ركز من كتبه على أن حالة التقارب المصرى الإيرانى ستكون لها أضرار بالغة على الأمن القومى المصرى، وكانت مبررات هذا التخوف واضحة، فالبناء النفسى الإيمانى للشعب المصرى لا يمكن أن يتقبل الشيعة بسهولة، ثم إن مصر تتعامل مع أمن الخليج العربى على أنه جزء من أمنها القومى، والتقارب مع إيران حتما سيأتى على حساب العلاقات مع دول الخليج، التي كانت قد توترت بالفعل بسبب سياسات الرئيس.
لم ينصت محمد مرسي والذين معه لتوصيات رجال المخابرات الحربية، وراح يوثق علاقته مع إيران، وبدأ السياح الإيرانيون يتوافدون على مصر في حالة من الاستفزاز لدوائر عديدة سياسية ودينية.
مصدر أمنى كان قريبا من التقرير الذي أعدته المخابرات الحربية فسر لى بعد شهور دوافع ومبررات ما جرى، قال لى إن الأجهزة السيادية في مصر لديها معلومات موثقة عن أن هناك عدة مشروعات في المنطقة منها التركى والإسرائيلى والأمريكى.. وأخيرا المشروع الإيرانى، وهى مشروعات رغم ما بينها من تناقض ظاهر، فإنها تتفق جميعها في أن الملتقى لها لابد أن يكون من القاهرة.
بعد ٢٥ يناير رصدت الجهات الأمنية أن القائم بالأعمال الإيرانى يتحرك تحركات مريبة في مصر، وعلى الفور تم رصد هذه التحركات، وتم التنبيه عليه بالفعل أن يلتزم بدوره وألا يتجاوز اختصاصاته، إلا أنه في الغالب لم يستجب لهذه التحذيرات، ربما لأنه كان يعتقد وقتها أن مصر أصبحت أرضا طيعة ومناسبة للتمدد الإيرانى، ويبدو أنه كذلك كان على ثقة بأن الوقت أصبح مواتيا لتكشف إيران عن أهدافها في مصر.
تحركات القائم بالأعمال الإيرانى في مصر كانت عبارة عن لقاءات مع العديد من القوى السياسية، والحديث معهم، وكان الهدف الواضح هو الضغط الشعبى على النظام الذي تولى إدارة أمور البلاد بعد الثورة من أجل عودة العلاقات بين مصر وإيران، وهو ما تحقق على استحياء، فأصبحت الوفود الشعبية في حالة من السذاجة السياسية تولى وجهها شطر طهران، بل وتطالب بوضوح إلى ضرورة عودة العلاقات، ولم يكن خافيا على أحد أن هذه الوفود ربحت كثيرا من تنفيذ ما أراده القائم بالأعمال الإيرانى، فلا شىء يتم على وجه هذه الأرض لوجه الله أبدا.
كان دعم إيران لنظام محمد مرسي أكبر دليل على أن نظام الملالى يسعى بكل قوة للحضور في المشهد المصرى، وكانت قمة المأساة عندما جاء أحمدى نجاد إلى القاهرة في زيارة رسمية إلى الرئيس الإخوانى، ولم يكن خافيا على أحد سر إصراره على زيارة ضريح الحسين في قلب القاهرة، ولم يخف على أحد أيضا وقوفه أمام المسجد ليلوح بعلامة النصر، وكأنه فتح قلب البلد التي تقف في حلقه وحلق آيات الله، تحول بينهم وبين كل ما يريدونه للمنطقة.
اعتقد أحمدى نجاد أنه حقق كل ما يريده بهذه الحركة التي كانت صبيانية إلى حد كبير، انتظر الرد، فجاءه على وجه السرعة من مواطن مصرى عابر لا علاقة له بالسياسة ولا بغيره، رفع حذاءه، وقرر أن يضربه على رأسه، لولا أن حرسه أنقذوه، لكن الرسالة وصلت، فكل ما تريده إيران لنا وبنا ومنا ليس له إلا الحذاء.
يحاول أنصار إيران أن يصوروا الأمر على أن حربا بين السنة والشيعة هي التي تباعد بين مصر وإيران، لكن ما يجرى على هذه الأرض الطائفية ليس إلا مظهرا فقط من مظاهر الحرب، صحيح أن المصريين يكرهون من يسبون الصحابة الكرام، ويتعاملون بعداء واضح مع من يسبون السيدة عائشة أم المؤمنين، لكن هذا ليس سببا كافيا لكراهية إيران، لأننا نعرف جيدا، أن هذه طوائف متطرفة وشاذة من الشيعة، لا يمكن أن تبنى مواقف الدول على أساسها، لكن المصريين يعرفون أن الشعرة الفارسية هي التي تتحرك، وليست الشعرة الإسلامية في إيران، ولذلك يتعاملون مع ما يفعلونه على أنه حلم استعمارى يمكن أن يستيقظ في أي لحظة، تماما مثلما الأمر في الجماعة العثمانية التي يريد أردوغان أن يحيى حلمها الاستعمارى، فلا فرق بين ساكن أنقرة وساكن طهران.
يحاول المدلسون أن يصوروا حب المصريين لآل البيت وبكاءهم على أعتابهم وتشفعهم بهم على أنه هوى شيعى يمكن أن يقودهم إلى إيران، وهو كلام باطل ومنهج فاسد، فحب آل البيت يأتى كرامة للنبى الأكرم، وليس لأن الشيعة يريدون ذلك.
لا يمكننى أن أنكر أن السياسة لعبت دورا كبيرا في تصنيع حالة من الكراهية التي يكنها مصريون كثيرون لإيران ولكل ما يأتى منها، ويمكن أن تكون أسباب هذه الكراهية غير واضحة لمن يرددون أنهم لا يريدون خيرا لإيران، ولأننا شعب نستسهل تفسير كل شىء، فإننا نحيل الأمر إلى أسباب دينية تتعلق باختلاف المذهب، وما يلحق ذلك من شائعات كثيرة تطعن في عقيدة وسلوك وأخلاق ومبادئ إيران.
لكننى لا أستطيع أن أنكر أيضا أن هناك حالة من الوعى الكبير تكونت وتراكمت لدى الشعب المصرى بعد ثورتيه في ٢٥ يناير و٣٠ يونيو، هذه الحالة من الوعى التي جعلت كل مواقف إيران وتصريحات رجالها ضد مصر تقع تحت الضوء، وهو ما جعلنا نعرف من عدونا من صديقنا، جعلنا نتأكد أن هذا الكيان المتربص بنا لا يريد لنا خيرا، فهو لا يختلف كثيرا عن إسرائيل التي لها نفس الأهداف وتملك نفس المقاصد.
هذه هي القصة ببساطة، فالمصرى يمكن أن يتسامح في أي شىء، وأقول مخالفا للجميع إن المصرى يمكن أن يتهاون ولو قليلا في بعض أمور دينه - وهذا مرصود ومحسوب - لكنه أبدا لا يمكن أن يفرط في أي أمر من أمور وطنه وحريته وسيادته ودوره ومكانه ومكانته، ولذلك فهو يكره إيران، كما يكره إسرائيل وقطر وحماس وأمريكا، ويمكن أن يكره أي دولة على وجه الأرض إذا ما عرف أنها تريد شرا بمصر.
لا نركن هنا إلى النظريات ولا إلى الآراء الموجهة، ولا إلى أصحاب المصالح، نحن نشير فقط إلى بعض ما تفعله إيران في مصر، وهى أمور ليست هينة على الإطلاق، يقصدون منها زعزعة أمن واستقرار هذا الوطن، وهو ما يجعلنا لا نتحرج من طرح السؤال أبدا، وهو: هل نكره إيران؟ ولا يجعلنا نتحرج من طرح الإجابة أيضا وهى: نعم نكرهها ونكره كل ما يأتى ومن يأتى منها، لأن الأحداث والوقائع والتواريخ تؤكد لنا أنه لم يأت منها خير أبدا.