تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
يعرف طارق نور، رجل الإعلانات الأول فى مصر، كيف يكسب طول الوقت.. فى بداية أزمة إسلام بحيرى مع الأزهر أصدر بيانا أمسك فيه العصا من المنتصف، غازل المؤسسة واعترف بفضلها وأكد على احترامه لرجالها، لكنه فى نفس الوقت أبقى على برنامج إسلام الذى يعرف جيدا أنه يحظى بنسبة مشاهدة عالية وغير مسبوقة، فالأرقام لديه وحده، والباحث الشاب استطاع أن يحقق جماهيرية عالية جدا وسط هؤلاء الذين يرغبون فى إطلاق العنان لعقولهم، ويرغبون فى تنقية الإسلام مما لحق بثوبه الأبيض الناصع من ترهات وخرافات وأوهام.
لكن عندما أصبح إسلام بحيرى ورقة محروقة لا خير فيها ولا منها، بعد مناظرته الشهيرة مع أسامة الأزهرى والحبيب على الجفرى، تخلى عنه طارق بالكلية، قرر إيقاف برنامجه، ولأنه لا يريد أن يبدو خصما لحرية الرأى فقد قدم بين يدى قراره بأنه يفعل ذلك إعلاء للمصلحة العليا للبلاد دون أن يدلنا على مفهومه لهذه المصلحة.
أغلب الظن أن طارق نور كان يتحدث عن مصلحته هو العليا وليس عن مصلحة البلاد، فهو ليس مشغولا بذلك على الإطلاق، ثم إن مصلحة البلاد لا يمكن أن تتأثر أبدا من برنامج عابر يعجب جمهوره فقط، أما خصومه فأخذوا منه موقفا عنيفا، ودخلوا بصاحبه فى مساحة من الرفض والتكفير لم تكن مجهولة ولم تكن خافية أبدا على طارق، ومؤكد أنه كان يعرف أن عددا من الفنيين فى قناته رفضوا العمل فى برنامج إسلام لأنهم كانوا يعتبرونه حرامًا والعياذ بالله.
نظر طارق نور إلى إسلام بحيرى بعد مناظرته الشهيرة مع الأزهرى والجفرى فتأكد أنه أصبح بلا قيمة بالنسبة له، لقد جروه إلى تفاصيل استطاعوا أن يثبتوا من خلالها أخطائه فى معلومات عابرة لا تدل أبدا على أنه ليس باحثا جادا، ولكن تدل على أنه ليس حافظا بشكل جيد، فهو يهتم بالفكرة لا يحرص على الحفظ ليردّد ما حفظه كالببغاء، استطاعوا أن يشككوا فيه الناس، والناس هم من يهمون طارق نور لأنهم بالنسبة له مجرد زبائن وأرقام وليس أكثر من ذلك.
أدرك رجل الإعلانات الشهير أن إسلام بحيرى أصبح بضاعة راكدة لن يلتفت لها أحد، فقد كثيرا من رصيده، ولذلك لن يكون مصدرا للربح، لن يمنحه زخما جماهيريا فى المشاهدة، فلم يتردد لحظة فى إبعاده عن قناته، لكن ولأنه تاجر شاطر فقد استغل قراره فى أن يبدو أمام الجميع محاربا من أجل مصالح الدولة العليا، وحارسا من حراس الإسلام، فها هو يبعد إسلام الذى كان سببا فى خلق حالة من البغضاء بين المسلمين.
أزمة إسلام بحيرى أنه لم يعرف جيدا الأرض التى يتحرك فيها، ولا هؤلاء الذين يلعب معهم، كان الباحث الشاب بغروره وإعجابه بنفسه واعتقاده أنه قادر على أن يهزم الجميع ساذجا جدا، لا أنكر بالطبع شعورى وشعور كثيرين بأنه هو أيضا صاحب مصلحة، فقد كان يسعى لتحقيق شهرة ومال ولم يكن ما يفعله كله لوجه الله والإسلام، لكنه فى هذا السياق لاعب مبتدئ بالنسبة لشيوخ الأزهر ورجال الفضائيات، ولذلك استطاعوا أن يفرموه بسهولة ويلقوا به على قارعة الطريق ويحولوه إلى مجرد ذكرى بلا قيمة، ثم سرعان ما سيظهر آخر يربح منه أباطرة الفضائيات كثيرا ويثبت من خلاله شيوخ الأزهر أنهم الأكثر حرصا على الإسلام والقائمون على ثغوره يردون عنه كيد الكائدين.
الخاسر فى هذه المعركة قولا واحدا هو الإسلام، رغم قناعتى الشديدة بأن الإسلام لا يمكن أن يخسر بسبب هذه المعارك التافهة، لكنهم وضعونا فى مأزق عندما صوروا الأمر على أن إسلام بحيرى يشكل خطرا على الإسلام وأنه بِمَا يقوله يمكن أن يكون فتنة فى بيوت المسلمين.
يتعامل شيوخ الأزهر على أن الإسلام حائط ضعيف البنيان، يمكن أن ينهار إذا ما اقترب منه أحد بكلمة نقد أو محاولة مراجعة ما أنتجه علماء الإسلام، وهو ما يكشف تهافت هؤلاء الشيوخ الذين يردون على العقل بالنقل وعلى الفكرة بالنص، وعلى المستقبل بالماضى الغارق فى خرافات لا قبل لحياتنا الآن بها.
لقد احتفل كل خصوم إسلام بحيرى من شيوخ أزهر وسلفيين بإغلاق برنامج إسلام، اعتبروا ذلك فتحا من الله ونصرا عظيما، يعتقدون أنهم بذلك تخلصوا من مؤامرة كبرى على دين الله الحنيف، رغم أنهم يعرفون- دون أن يعترفوا - أنهم لم يتخلصوا إلا من خطورة ما يفعله على مصالحهم الخاصة وعلى نفوذهم وعلى سلطتهم الدينية، وهذا فى الواقع كل ما يهمهم.
أما طارق نور فهو لا يزال يجلس فى مكتبه يضحك ساخرا من الأوراق التى يلعب بها.. فيا عزيزى طارق أحييك.