السبت 26 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ثقافة

أنبياء في السينما العالمية .. رؤية سامح فتحي ومقاربة بين الإنجيل والقرآن

سليمان وملكة سبأ
سليمان وملكة سبأ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

يوسف شريف رزق الله: المؤلف خاض التجربة بمفرد وعلى نفقته الخاصة

ناصر عراق: الكاتب تجرأ واقتحم أكثر المناطق الفنية قلقا وإرباكًا

 

"رغم معرفتي بالباحث والناقد السينمائي الشاب سامح فتحي منذ عدة أعوام، وبعشقه للسينما المصرية والعالمية، فقد فاجأني بهذا الكتاب الذي عكف على تأليفه بعد مشاهدة ثلاثة عشر من الأفلام العالمية التي تناولت قصصا عن الأنبياء بشكل مباشر أو غير مباشر وأخرجها عدد من كبار الفنانين أمثال "سيسيل بي دي ميل"، و"وليم وايلر"، و"نيكولاس راي"، و"ريتشارد فليشر"، و"ربورت أولاريتش" وغيرهم.

وكان من الممكن أن يقتصر المؤلف على سرد أحداث الفيلم وتقييمه فنيًا، وهو ما فعله باستفاضة، ولكنه ــ وهنا تكمن جدية الكاتب ــ عكف على المقارنة بين أحداث كل عمل سينمائي وما ورد عنها في كل من الكتاب المقدس والقرآن الكريم."

 

هكذا قدم الناقد الكبير يوسف شريف رزق الله لأحدث كتب سامح فتحي "أنبياء في السينما العالمية"، وهو الكتاب الصادر في طبعة فاخرة كمعظم كتب فتحي السابقة والمهتمة كلها بالسينما المحلية والعالمية، وكذلك بالأفيش الذهبي.

أكد رزق الله في تقديمه للكتاب على أهمية الدراسة التي جمعها سامح فتحي بين دفتي كتاب، مشيرًا إلى أنها استغرقت عدة أشهر، وأنها تستحق التحية والتقدير. لا بد من الإشادة بالجهد الذي بذله المؤلف أيضًا في جمع عدة صور لكل فيلم، وهو مجهود تطلب مراسلة جهات أجنبية لشراء بعض الصور النادرة وذلك حتى يخرج الكتاب للقارئ في شكل جذاب، مقدرًا صنيع هذا المؤلف الشاب الذي قرر أن يخوض التجربة الجديدة بمفرده وعلى نفقته الخاصة.


ولأن السينما من أخطر وأقوى الفنون تأثيرا في المشاهد باعتبارها فن العصر وأخطر وسائل التعبير، وأشرس أدوات الإعلام والدعاية، حيث إنها تقتضي أن يجلس المشاهد في قاعة مظلمة لعدد من الساعات مسلوب الإرادة، مقتنعا بأن الفيلم يخاطبه وحده، ويسيطر على وجوده، فإن صانعو الفيلم يستطيعون بسهولة بث الأفكار والمعتقدات وطرق العيش التي يريدون الترويج لها في وجدانه، وفي البلدان التي تعتمد المبادرات الفردية منهاجًا لحياتها، يشيع فيها استخدام السينما كوسيلة للتعبير عن أصحاب المصالح، أما في البلدان الشيوعية، فالسينما فن يعبر عن برامج الحكومة والحزب وجهودهما في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وإنجازات الشيوعية والحزب الحاكم، كما أن السينما تستخدم أحيانا ــ كما في الفيلم الأمريكي على سبيل المثال ــ في أغراض مختلفة تتوافق أحيانا مع ما تقوم به بعض مؤسسات الدولة المختلفة.

 

وباستعراض المؤلف لصورة المسيح على الشاشة السينمائية العالمية، وهى الصورة التي تم تكوينها من خلال الاعتماد على الكتاب المقدس، خاصة العهد الجديد، نلاحظ أن تلك الأعمال التي تناولت المسيح من منظورين: أولهما يرى قداسته المطلقة التي لا ينبغي ظهورها سينمائيا من خلل شخصية الممثل، وإنما يرمز إليها فقط، أو يظهر المسيح من خلال ظهره وعدم تحديد ملامحه مثلما حدث في أفلام "الرداء" و"المصارعون" و"كوفاديس" و"بن هور" و"باراباس". والثاني يرى وجوب ظهور المسيح بوضوح ممثلا من خلال أحد الممثلين الذي يجسده بكل دقة من مثل "ملك الملوك" و"يسوع الناصري" و"أعظم قصة في العالم" و"آلام المسيح". قدمت هذه الأعمال صورة مجسدة في رحلة حياته، ومصورة له في مراحل عمره المختلفة، بداية من الميلاد وحتى مشاهد الصلب والقيامة، مرورا بمواقف الجلد والتعذيب والاستهزاء، مقدمة بطريقة قد تصدم رهطا كبيرا من المؤمنين به، وتجعلهم يرفضون تقديمه على تلك الصورة التي من وجهة نظرهم مهينة، مع الوضع في الاعتبار أنه لا يمكن للمثل مهما علا شأنه أن يحظى بشرف تجسيد المسيح على الشاشة، وهذا رأي المؤسسة الدينية المسيحية بمصر. كما إنه يتوافق مع رأي الأزهر الشريف الذي يرى البعد كل البعد عن تصوير الأنبياء والرسل بأية طريقة كانت، حتى تظل لهم قداستهم وهيبته في النفوس

 


لكل هذه الأسباب، يظل كتاب سامح فتحي، "أنبياء في السينما العالمي" كتاب نادر وممتع واستثنائي، وبحسب ما قاله الكاتب الصحفي والروائي الكبير ناصر عراق "ليس لأنه عن أفلام مميزة في تاريخ السينما العالمية فحسب، وإنما لأنه تجرأ واقتحم أكثر المناطق الفنية قلقا وإرباكا..

ويضيف عراق "عندي أربع ملاحظات أود تحريرها في البداية: الأولى تتمثل في أن الغرب يتعامل برحابة صدر مع الدين والأنبياء منذ عصر النهضة الأوروبية الذى انطلق قبل ستة قرون، وقد شاهدنا تماثيل ولوحات كثيرة تجسد الأنبياء وتصورهم كما يتخيلها الفنان أو المثال، ومن يتاح له زيارة أوروبا فسيندهش من عدد اللوحات التي يظهر فيها موسى وعيسى ومريم العذراء عليهم السلام. الملاحظة الثانية أن نهضة أوروبا لم تتحقق إلا عندما فصلوا الدين وشؤون الكنيسة عن الدولة وهموم السياسة، وحاصروا الحاخامات والكهان داخل معابدهم وكنائسهم بعد أن كان أولئك وهؤلاء يسيطرون على عقول الملايين ويوجهونهم ويبتزونهم باسم الدين. أما الملاحظة الثالثة فهي أن السينما إحدى أهم الوسائل في تثقيف الناس وترقيق مشاعرهم إذا كانت الأفلام مصنوعة بحرفية وذكاء ومعززة بخيال وحرارة ودفء، الأمر الذى يؤكد أن الغرب استطاع أن يستثمر هذا الفن الجديد الذى ابتكره الإنسان مع مطلع القرن العشرين لينشر ثقافته وذوقه وأفكاره، وقد نجح إلى حد كبير في تحقيق أهدافه. تبقى الملاحظة الأخيرة، وهى أننا في مصر لم نتمكن من التحرر من أسر الأفكار المتشددة التي تعطل وتعرقل، فقد تعرضنا لآراء تحرّم علينا التعامل فنيا مع الأنبياء والرجال المقدسين منذ عام 1925 حينما حاول الإنجليز إنجاز فيلم عن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، فاعترض رجال الدين بشدة، وتوقف المشروع. بعد ذلك تجرأ المتطرفون فكريًا ومضوا يحرمون الفنون، ولم ينتبه المتطرفون إلى أن الزمن يتطور والأفكار تنطلق في فضاء الحرية، والسينما تسترد الماضى برجاله وأحداثه وتقتحم المستقبل بتوقعاته وأعاجيبه، وهكذا ظل المصريون والعرب والمسلمون أسرى أفكار قديمة تخاصم العصر، ولا تراعى تطوراته التكنولوجية، وها هو فيلم «نوح» قد شاهده ملايين المصريين والمسلمين على موقع «يوتيوب» برغم أن الأزهر الشريف اعترض على عرضه؟ ترى ماذا سيفعل المعترضون من رجال الدين أمام غول التكنولوجيا وحرية الإبداع التي تعم العالم كله؟


في المقدمة المهمة لكتاب «أنبياء في السينما العالمية» يقول المؤلف سامح فتحى: «وجدت السينما العالمية منذ مهدها في حياة الأنبياء مادة درامية ثرية، تحولت إلى أعمال سينمائية، ولم تكن أفلاما دينية بحتة، حيث تعد بعضها من كلاسيكيات السينما العالمية، فقد انتبه الغرب بأسره وهوليود خاصة إلى أهمية إفساح المجال للفيلم الديني الذى بمقتضاه يتم تقديم الشخصيات الدينية بأفكار يريد صانع الفيلم أن يبثها في نفوس المشاهدين.. من أجل ذلك كانت الحرفية الشديدة في تقديم مثل هذه الأعمال بجودة عالية، وميزانيات ضخمة، فيقدمون حياة طبيعية للبشر في ذلك التاريخ، وهذا لا يتم إلا بعد استشارة أساتذة متخصصين في الأزياء والأدوات والجغرافيا والاجتماع وغيرها».

ولكى نؤكد ما قاله المؤلف.. تعال نستعرض أهم الأفلام الأجنبية التي أوردها فتحي في كتابه القيم، وفقا لزمن إنتاجها وعرضها وهى:


 

•        ملك الملوك 1927 THE KING OF KINGS •

•        داود وبتشبع 1951 DAVID AND BATHSHEBA • 


 

•        كوفاديس 1951 QUO VADIS • 


 

•        سالومى 1953 SALOME • 


 

•        الرداء 1953 THE ROBE •

•        ديمتريوس والمصارعون 1954 EMETRIUS AND THE GLADIATORS  


 

•        الوصايا العشر 1956 THE TEN COMMANDMENTS •

•        سليمان وملكة سبأ 1959 SOLOMON AND SHEBA • 


 

•        بن هور 1959 BEN-HUR •

•        ملك الملوك 1961KING OF KINGS • 


 

•        باراباس 1961 BARABBAS •

•        سدوم وعمورة 1962 SODOM AND GOMORRAH •

•        الكتاب المقدس «فى البدء» 1966 THE BIBLE IN THE BEGINNING 


 لقد بذل المؤلف جهدًا جبارًا في تجميع المادة التحريرية الخاصة بكل فيلم، فقد ذكر بالتفصيل كل شىء عن كل فيلم مثل متى عرض ومن المؤلف والمخرج وشركة الإنتاج والتوزيع وكم تكلف والممثلين النجوم وأصحاب الأدوار المساعدة، كما لم ينس أماكن التصوير والموسيقى التصويرية والديكور والأزياء إلى آخر كل من شارك بنصيب في إنجاز كل فيلم، علاوة على المهرجانات التى نافست فيها هذه الأفلام والجوائز التى تمكنت من قطفها، ففيلم «بن هور/1959» على سبيل المثال حصد 11 جائزة من جوائز الأوسكار وهو ما لم يحدث من قبل حتى عرض فيلم «تايتانيك»، كما أن ميزانيته بلغت 15 مليون دولار وهو أعلى تكلفة وصلت إليها السينما حتى ذلك الوقت، في حين أن أرباح الفيلم بلغت 146 مليون دولار! كذلك استخدم صناع فيلم «كوفاديس/1951» أكبر عدد ممكن من الأزياء في فيلم واحد، حيث وصلت إلى 32 ألف ثوب، أما فيلم «الرداء/1953» فقد تكلفت ميزانيته نحو 4 ملايين دولار بينما بلغ العائد 36 مليون دولار. أعطى سامح فتحي كل فيلم ما يستحقه من شرح واهتمام، فكتب عن قصته ووقائعه وأحداثه، لكن أهم ما أضافه المؤلف يتمثل في الجزء الخاص بالمقارنة بين قصة الفيلم، وما ذكر عنها في كل من الكتاب المقدس - بعهديه القديم والجديد - والقرآن الكريم، فنكتشف أن كثيرًا من هذه الأفلام كانت تستلهم أجواء الكتاب المقدس وحكاياته عن الأنبياء إبراهيم وداود وسليمان وموسى وعيسى عليهم السلام، لكنها لا تسير على الصراط المستقيم لهذه الحكايات، إذ منح صناع هذه الأفلام أنفسهم الحرية الكفيلة بأن ينجزوا عملا شائقا مغريًا حتى لو اضطروا لأن يتغاضوا عن قصة هنا أو موقف هناك ذكر في الكتب المقدسة. هذه المقارنات بين الأحداث في الفيلم وفى الكتب السماوية تؤكد أن المؤلف انكبّ على القراءة والمشاهدة انكبابًا لافتا حتى يستطيع أن يكتشف مناطق التوافق والاختلاف بين القصص على الشاشة وبينها في الورق المبارك، وهو جهد يستحق عليه كل إنصاف وتقدير،

إن «أنبياء في السينما العالمية» كتاب ممتع ومثير للعقل والروح، يستحق أن تزين به مكتبتك، وتثقف به نفسك، وتزود بقراءته واقتنائه ذائقتك السينمائية.. شكرا أستاذنا النقاد سامح فتحي.