الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كانت لنا دولة..!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
جمعنا الثلاثاء الماضي، لقاءٌ مهم مع الدكتور حيدر رشيد أستاذ التاريخ المساعد بجامعة بغداد، بالمركز العربي للبحوث والدراسات، حيث ألقى محاضرة ضافية عن الوضع المتأزم حالياً بالعراق؛ حيث ذكر عدداً من الحقائق والمقولات التي تستحق التأمل.
ومن بين هذه المقولات أن العراق أصبح لاعباً صغيراً، أو ربما احتياطياً في حين أن اللاعبين الرئيسيين أو الكبار الذين يديرون المشهد العراقي هم إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية، وربما تدخل هذه الدول في الشأن العراقي تم للأسف الشديد لاستقواء بعض القوى السياسية العراقية بالخارج.
كما أن الطائفية البغيضة هى التي أدت إلى انسحاق الهُوية العراقية تحت سنابك خيول الطوائف العراقية، فهذا سني وذاك شيعي وهناك الكُردي وذلك مسيحي علاوة على التركمان والإيزديين .. وغيرهم، لم يصبح العراق دولة واحدة متماسكة، بل أصبح كقطع الفسيفساء دولة كبيرة تضم طوائف عدة غير متماسكة، وربما كلٌ منها يتأهب لكي يعلن دولتهُ سواء المنبثقة عن مدى قوة الطائفة كالسنة والشيعة والأكراد أو عن قوة التنظيم كدولة داعش غير المعلنة والتي تسيطر على آراضٍ تمتد من أطراف مدينة سامراء العراقية وحتى مدينة حلب شمال سوريا بمسافة تصل إلى 700 كيلومتر..!.
إن النكبة الكبرى التي تعرض لها العراق في العصر الحديث لا تتمثل فقط في الاحتلال الأمريكي بل في تفكيك الجيش العراقي والأجهزة الأمنية كافة، وهو ما جعل الدولة العراقية في مهب الريح، لا يوجد جيش يحمى حدودها الخارجية ولا تماسكها الداخلي، ولايوجد بها قوات شرطة تحافظ على الأمن في الشارع، وهو ما خلق فوضى عارمة. وحتى بالنسبة للقوات التابعة للدولة فقد انصرفت عن حمايتها للعمل في أعمال أخرى، وهو ماجعلها تتقاعس في الدفاع عن الموصل التي تركتها نهباً لتنظيم داعش الإرهابي دون قتال، وهو ما وضع التنظيم على مشارف بغداد.
وقد ابتليت الدولة العراقية برئيس طائفي مستبد هو نوري المالكي، الذي استغل القوانين والتشريعات، وخاصة قانون "اجتثاث البعث" والمادة الرابعة من "قانون مكافحة الإرهاب"، والتي تقضي بإعدام من يشارك أو يتورط في أعمال إرهابية، في تصفية الخصوم السياسيين، وهو ما أدى لتصاعد السخط على السلطة الحاكمة، واختلاط بعض المعتقلين ظلماً بعُتاة الإرهابيين في السجون، وهو ما جعل السجون مفرخة للإرهابيين الذين انضموا هم وبقايا البعثيين من الجيش العراقي المنحل إلى تنظيم داعش.
ويمثل الفساد الإداري والسياسي جانباً مهماً من الأزمة العراقية؛ فلا توجد تنمية حقيقية، ويوجد تردي ملحوظ في خدمات حياتية يومية مهمة للمواطنين مثل المياه والكهرباء والنظافة، والوظائف كبيرها وصغيرها يتم توزيعها على الأنساب والمحاسيب وبشكل طائفي وقبلي بغض النظر عن تمتع هؤلاء بالإمكانات والفآت المؤهلِة لهذه الوظائف، لقد بلغ إجمالي الميزانيات العراقية في السنوات العشر الأخيرة 950 مليار دولار، ولكن هذا المبلغ الضخم لم تظهر له أي مردوات في أي مشروعات تنموية بفعل الفساد الإداري والسياسي المستشري في البلاد.
إن كل هذه المظاهر تهدد كيان الدولة العراقية، وأخشى ما أخشاه أن تسعى كل طائفة إلى الانفصال عن الدولة، ليتحول العراق إلى كيانات هشة وضعيفة لن تصمد في مواجهة رياح داعش وغيره من التنظيمات الإرهابية المدعومة خارجياً، أو أمام الأطماع التوسعية الإيرانية التي تحاول أن تعيش أحلام يقظة إمبراطورية كما صرح أحد قاداتها بأن بغداد ستكون عاصمة الإمبراطورية الفارسية الجديدة.
وإذا حدث هذا، فإن العراقيين سيذرفون دماً على دولتهم التي كانت، وسيعيشون قروناً ينتحبون ويصرخون قائلين: كانت لنا دولة .. ولكن ضيعناها كما ضيعنا الحسين ذات يوم .. مشكلة العراقيين أنهم ينتحبون بعد فوات الأوان. ولكن حتى الآن لم يفت الأوان.. فهل منكم رجلٌ رشيد.
حفظ الله مصر جيشاً وشعباً وجعلهما في رباط إلى يوم يبعثون.. وحفظ الله الدولة المصرية التي حافظت على حدودها على مر التاريخ ضد كل الأنواء والغُزاة.