ونمضي منبهرين مع كتاب رائع "كيف نحكم بالإسلام في دولة عصرية" ومواصفات الحكم الذي يريد ونقرأ "إذا أردنا حكما إسلاميا عادلا فلابد من وضع كل ما يمكننا أمامه من قيود وضمانات للحريات لأن السلطة المطلقة وخصوصا إذا كانت سلطة دينية فإنها بطبيعتها تدفع أكثر الحكام تدينا وحبا للخير إلي الانحراف والاستبداد ولو دون قصد منه ودون أن يدري أنه إستبد أو ظلم، بل وهو معتقد أنه ينفذ حكم الله" (ص56) ويجيب المؤلف علي سؤال مفترض "هل يعني الحكم بالإسلام حكومة من رجال الدين؟ فيقول "لا يوجد في الإسلام رجل دين بمعني أن يحكم الناس باسم الله ونيابه عنه، أن مفهوم رجل الدين في الإسلام أنه مدرس للدين وداعية وليس له سلطان علي الناس إلا الوعظ والارشاد وسوي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذه الرسالة هي مهمة كل مسلم عاقل عالم فاهم يستوي في ذلك الطبيب أو المهندس أو رجل الدين" ثم "ومن هنا نقول أن الحكومة الإسلامية لن تكون حكومة من رجال الدين وليست حكومة كهنوتية، بل هي حكومة عادية كأي نظام حكم في دولة أوروبية عصرية" (ص57) ثم يقتحم الفنجري عقولنا بسؤال شديد الصعوبة "أيهما نتبع الرأي الديني أم الرأي العلمي؟ والاجابة "نحن نرفض بشدة أن نكرر المأساة التي حدثت للإسلام في السودان مثلا وقد بدأت بعد تخلصها من حكم النميري بالتراجع عن معظم القوانين التي أصدرها بإسم الدين وبفتاوي مرتجله وغير علمية بعد أن تبين لمن جاؤوا بعده مدي ما ألحقته تلك القوانين بالبلاد من أضرار وخاصة قوانين البنوك والشركات والمعاملات الاقتصادية. وأيضا نظام تطبيق الحدود فقد أعلنت حكومة السودان التي جاءت بعد الانقلاب علي النميري أن نظام منع الفوائد علي القروض جعل البنوك تتوقف عن منح التسهيلات والقروض للشركات مما أضر بالشركات وأضر بالبنوك" (ص60) علما بأن الذين انقلبوا علي نميري كانوا هم أيضا متأسلمون ولكن نميري كان لا يجرؤ علي تعديل قانون شديد الضرر لأنه قال في بداية اصداره أنه تطبيق للشريعة.. ونمضي مع المؤلف "معروف أن الإسلام لا يتصدي للأمور الدنيوية عملا بقول الرسول " أنتم أعلم بشئون دنياكم" وقوله "إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من أمور دينكم فخذوا به، وإذا امرتكم بشيء من رأيي فإنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن" (رواه مسلم) ثم يقول "ومن أهم المسائل التي يحدث حولها الخلاف بين رجال الدين ورجال الدنيا: القضايا الاجتماعية مثل عمل المرأة وحقوقها السياسية والاقتصادية والقضايا المتعلقة بالمعاملات مثل فوائد البنوك ومثل تحديد النسل والقضايا المستحدثة مثل اطفال الانابيب والتبرع بالاعضاء والقضايا الفنية كالموسيقي والغناء والتصوير..إلخ" ثم يقول: والقاعدة الفقهية التي يجب الالتزام بها هو الأخذ برأي العلم مهما اختلف مع رأي رجل الدين فالعلم يبني علي التجربة والمشاهدة والدراسة بينما الرأي الديني يبني علي اجتهاد نظري فقهي قد يصيب وقد يخطئ"(ص62).
ونمضي قدما مع كتاب لا نمل من التعلم منه.
ونمضي قدما مع كتاب لا نمل من التعلم منه.