الخميس 07 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

مفيش "مصر".. لكن إيه رأيك في النظام؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عارف نكتة «إيه رأيك في النظام»؟ لو كنت لا تعرفها، فها هي أمامك بعد لحظة واحدة، وإن كنت تعرفها، فلا مانع من أن تسمعها مرة ثانية، فالتكرار يعلم الشطار.
دخل مواطن محترم محلا أكثر احتراما ليشترى فرخة، سأله عامل في المحل: عاوزها صاحية ولا مدبوحة؟ فقال له المواطن: مدبوحة، فقال العامل: اطلع الدور التاني، في الدور الثاني سأله عامل آخر: عاوز الفرخة بريشها ولا متنضفة، فقال المواطن: متنضفة طبعا، فقال العامل: لا دي بقى تلاقيها في الدور الثالث، في الدور الثالث سأله عامل: عاوز الفرخة نية ولا مستوية؟ فقال المواطن: مستوية طبعا، فرد العامل: عليك وعلى الدور الرابع، في الدور الرابع قابله مدير المحل، وقبل أن يسأله عاوز إيه؟ قال المواطن: عاوز فرخة مدبوحة متنضفة مستوية، فرد المدير بكل هدوء: في الحقيقة ماعندناش فراخ، لكن إيه رأيك في النظام؟
تنتهى النكتة عند هذا الحد- لأنها في النهاية نكتة – دون أن تقول لنا كيف تصرف المواطن؟، فمؤكد أنه انفجر ليس في وجه المدير ولكن من الغضب والغيظ والقهر.
تسألني: من أين عرفت مصير المواطن الباحث عن الفرخة؟
أقول لك ببساطة لأن مواطن الفرخة هو كل مواطن مصري، يعيش دون أن يدري هل هو في دولة حقيقية أم أنها مجرد صورة، ماكيت، لا روح فيها ولا حياة، لا حقوق ولا مستقبل لأحد، في مطعم حقيقي، أم أنهم في الدور الأخير سيقولون له: مفيش مصر.. لكن إيه رأيك في النظام؟
ففى مصر الآن مستشفيات لكن دون علاج، مدارس دون تعليم، صحف دون صحافة، قنوات أرضية وفضائية دون إعلام، دور نشر عملاقة دون كتب، وزارة زراعة دون زراعة، وزارة ثقافة دون ثقافة، وزارة خارجية دون أي دور ملموس ولو حتى في البيت اللى جنبنا، دور عرض سينمائي دون أفلام، وزارة بحث علمي دون أي بحث لا علمي ولا غير علمي.. وتستطيع الآن أن ترفع عني الحرج وتكمل أنت بقية القائمة لأنها طويلة ولأنك تعرفها، فأنت -أيضا- تعيشها كما أعيشها.
أنت تعتقد مثلا أنه لابد أن تكون هناك مؤسسات قابضة على الجمر، ولا تزال تعمل، وأنها هي التي تسير الأمور في مصر، فليس معقولا أن تكون كل المؤسسات منهارة ومتهافتة ويعمل بها مجموعة من الهواة، لكن أطمئن سيادتك الأمور أكثر انهيارا وتهافتا مما تتصور، ولا يوجد أحد يسند البلد، والحكاية كلها تسير ببركة دعاء الوالدين، و«مصريتنا.. وطنيتنا.. حماها الله.. الله.. الله».
هل تذكرون محمود حميدة في فيلم المصير، كان حاكم الأندلس، طلب من كبير العلماء الذي يشك فيه أن يخرج معه للحرب، اعترض كبير العلماء على طلب السلطان، قائلا: ونسيب البلد لمين، فرد حميدة على طريقته هو -في الغالب– وليس على طريقة حاكم الأندلس: لنفسها.. نسيب البلد لنفسها.
مصر الآن «متسابة» لنفسها، كل من يريد أن يفعل شيئا يفعله، دون أن يخشى من يعاقب أو يحاسب، لأنه لا أحد يعاقب أو يحاسب، لو أن هناك ضابطًا أو رابطًا لما أصبح الفساد على الحافة، ولما انتحر المواطنون على الكباري علانية وكأنهم يريدون أن يفضحوا أنظمة فاسدة توالت علينا، ويبدو أنها لا تريد أن تتركنا دون أن تجهز علينا جميعا، فالنظام سيحكم حتى آخر نفس «منه»، وحتى آخر قطرة دم «منا».
إننى أضحك بمرارة على من يرفعون سلاح الحماس ويسألون: أين مصر؟ وأين دور مصر؟ ولماذا تركت دولًا صغيرة تحكم وتتحكم في المنطقة؟ لماذا تخلت عن دورها في القضايا الإقليمية الكبرى؟ وكأنهم لا يعرفون أن مصر أصلاً لم تعد قادرة على أن تصلب طولها.
ما أقوله ليس جلدًا للذات، وليس نظرة من مرآة سوداء، لكنه الحقيقة التي لابد أن نواجهها حتى لو آلمتنا وأدمتنا، فكل شيء يتحول إلى تراب، وما يغيظ ويحرق دمك، أن المسئولين الحكوميين بتوع- مصريتنا.. وطنيتنا.. حماها الله.. الله.. الله - يصرون على أن كل شيء تمام وزي الفل.
وزي الفل هذه ليست كلمة عشوائية أو أنها وردت على ذهني والسلام، بل هي مقصودة تماما، فالاقتصاد المصرى زى الفل، والرئيس زى الفل، والتعليم زى الفل، والصحة زى الفل، ولأننا كثيرو الشكوى.. فقد تفتق ذهن الحكومة عن اختراع يؤكد أن الحياة زي الفل، لكن المواطن هو الذي لا يشم.
هنا يظهر لي توفيق الحكيم في أواخر أيامه، عندما كان يعالج من مرض الموت في مستشفى «المقاولون العرب»، كان يزوره أنيس منصور، ودخل عليهما الأطباء، فقال توفيق لأنيس: «الجماعة بتوع الفل جم»، وقبل أن يسأل أنيس، قال له توفيق: الناس دول يا سيدي كل ما أسالهم عن صحتي، يقولوا لي: صحتك زي الفل.. رغم إني حاسس إني باموت.
نحن الآن في أواخر أيام توفيق الحكيم، فالحكومة تؤكد لنا أن كل شيء زى الفل، رغم أننا «حاسين» بالموت.
■■■
هامش:
نشرت هذا المقال في أواخر العام ٢٠١٠، أي قبل ثورة ٢٥ يناير بقليل، ورغم تعاقب الثورات والرؤساء والأزمات التي كان يجب أن تجعلنا ننتبه، إلا أن شيئا لم يتغير، لأنه وكما يبدو.. لا شيء ولا أحد يتغير.