لم يعد يدهشني أن يحرقوا «علي عبدالرازق» نفسه مش بس كتابه «الإسلام وأصول الحكم»، فما وصلنا إليه الآن من عشوائية وهطل مجاني، يدفع أي حد يعمل أي حاجة في أي حد، وفى أي حتة تحت أي اسم أو أي يافطة، مادمنا نعيش حياتنا ساعة بساعة، ولحظة بلحظة، لكن ما يدهشنى فعلًا أن هناك من يتحدث عن التكنولوجيا وعن الثقافة وعن النانوتكنولوجي، «تمشى إزاى دي»!
إحنا اتنين في بعض غراب جداد، ملحدون حتى النخاع ومتدينون حتى النخاع في وقت واحد، أغنياء حتى التفاهة، وفقراء حتى العدم في مكان واحد، جهلاء حتى التعاسة، ومثقفون حتى الشطط، مافيش وسط، فهل لهذا أي علاقة بانهيار «الطبقة الوسطى في مصر»، شخصيًا لا أعتقد ذلك، ربما كان «لهز الوسط» دخل أكبر فيما نحن فيه.
طيب هيه هتفضل كده، ولأمتي، «حالة الملل» التي تحدثت عنها «سميرة سعيد» في إحدى أغنياتها لا تشبه ذلك الملل الذي نعيشه، ده ملل غريب وبائس ومن نوع جديد، مين يقدر يقاوم حاجة مش عارفها؟!
كنا نقاوم الاحتلال لسنوات، نقاوم الفقر لسنوات، نتحايل على المعيشة لسنوات، لأننا كنا نعرف عدونا، نعرف أصله وفصله، اللى بيحصل دلوقتى ملل مريب لا أصل له ولا ملة، وربما يكون له أصل، لكن المؤكد أننا لا نعرفه، حتى نستطيع مقاومته.
يعنى أول السطر حرف، وأول الطريق خطوة، وأول دبة على الأرض «معروفة»، طب مين بقى اللى عارف، ويقدر يعرفنا، مين اللى يقدر يشيل «القنديل» ويمر من خوفه في عز العتمة دى ويشاور على الطريق؟!
أسئلة الحيرة التي تطاردنا الآن من كل حدب وصوب، لا يملك الشباب الذي تربى على أغنيات عمرو دياب، وخطب الشيخ كشك، وأفلام عادل إمام التافهة أن يجيب عنها، ده إذا كان مشغول أصلًا بالإجابة، ولا يستطيع حملة الماجستير والدكتوراة المشردون في الشوارع بحثًا عن وظيفة في أي مجلس محلى الإجابة عنها، فالجائع لا يصلي، الجائع حتى وإن قرر الصلاة يتوه فيها وعنها، فهل يفعلها سياسيون تربوا في خنادق «التمويل»، و«التشويه» وغرف صفوت الشريف المغلقة، هل يفعلها مذيعون لم يحلموا يومًا حتى باعتلاء كرسى الإذاعة المدرسية في قراهم الفقيرة في بحرى والصعيد، أم شيوخ «الفتة والفتنة»، لا أحد، لا أحد في هؤلاء، لا أحد منهم سيرتدى عباءة رفاعة الطهطاوى أو محمد عبده أو محمود شاكر، لا أحد منهم سيرتدى سترة يوسف صديق أو خالد محيى الدين ولن يصطفى أحدهم قطعًا عباءة «طلعت حرب» أو عمامة «فؤاد حداد»، كل هؤلاء لهم مريدون وتلامذة نعم، في الحوارى الضيقة، وتحت النخلات العاقرات اللاتي أصابهن «سوس النخيل» في ليل صعيدى «نحس»، هم موجودون لكنهم لا يشكلون تيارًا، محبطون هائمون على وجوههم أمام أفران خالد حنفى وفى أسواق «النخاسة الفضائية» لكننا لا نراهم، فمن يفعلها.
كيف ينتظرون مشروعًا قوميًا لنهضة بلد وزير التعليم فيها «يحرق الكتب» بلجنة لا تعرف الفرق بين جلال دويدار و«الإخوان»! هل تصدقون أنهم حرقوا كتابًا لرجب البنا الذي كان على رأس مجلة أكتوبر عشان اسمه «البنا»؟!
كيف تنتظرون مشروعًا قوميًا للنهضة وللحداثة من وزير ثقافة يعانى من «التخان»، ومن أزهريين يرتعشون في مواجهة «إسلام بحيري» أو من يشابهه من «سفاسفة» الفضائيات، أين هي النهضة التي تنتظرها من وزارة إعلام بها ١١ ألف رجل أمن ولا يستطيع تأمين «برج كهربا» في إحدي منشآتها.
مين اللى هيصلح مين، وكيف يصل فنان مبدع مقاوم مثل «مصطفى رزق» ببهجته التي يحاول صنعها مع رفيقه مصطفى الجارحى وأحمد الصاوى إلى هؤلاء الذين يتحكمون في أدمغتنا، وإن وصلوا كيف ينفذون من بين سواترهم إلى عقولنا التي تحجرت، حتى تصورنا أن «خلع الحجاب» سيزيل سواد الرءوس و«الضلمة اللى عششت فيها»، يا سادة من صنع المشكلة لن يحلها أبدًا، شوفوا حد تاني، مبسوط كتير، أو بيحاول يبقى مبسوط، ولكم في مصطفى رزق أسوة حسنة.