من القيمِ المهمة التى لها أثرُها العميقُ ودورُها الكبير فى حياةِ الناسِ أفرادا وجماعاتٍ وأمما وشعوبا قيمةُ الوفاء. ولم يكن العربُ قديما على صوابٍ حينما جعلوا الوفاءَ، وبخاصةٍ فى محيطِ الأصدقاء، من بينَ المستحيلاتِ الثلاثة التى قصدوا بها الغولَ والعنقاءَ والخلَ الوفى؛ فهذه نظريةً تشاؤمية لا تليقُ بالإنسانِ من حيثُ هو إنسان، ولا يجوزُ تعميمُها على هذا النحوِ بناءً على بعضِ خبراتٍ فردية لا ترقى إلى أن تكونَ قاعدةً عامة.
وانطلاقاً من الأهميةِ القصوى لقيمةِ الوفاء فى بناءِ العَلاقاتِ الإنسانية بينَ الأفرادِ والجماعات وعَلاقاتِ الشعوب بعضِها ببعض، اهتم الإسلامُ بها اهتماما لا حدودَ له، وقد جاء استعمالُ مفهومِ الوفاء فى القرآن الكريم على أنحاء مختلفة، وهو ما يَدُلنا على اتساعِ مفهومِ الوفاء. فالأمرُ لا يتعلقُ بعَلاقةٍ بين صديقيْن فحسب، وإنما الأمرُ يشملُ جميعَ العَلاقاتِ بينَ الأفرادِ والجماعاتِ والشعوب ، ويتجاوزُ الدائرةَ الضيقة بين فرديْن إلى دائرةٍ أوسع تشملُ الإنسانيةَ كلها .
ويدخلُ فى إطارِ الوفاء الوفاءُ لماضى الأمة وتراثِها وتاريخِها، فلا يجوزُ للمرءِ أن يتنكرَ لماضيه، فمن ليس له ماضٍ لا مستقبلَ له. ويدخلُ فى مفهومِ الوفاءِ الوفاءُ لعلماءِ الأمةِ ومفكريها وعظمائِها ممن قدموا للوطنِ خدماتٍ جليلة. والوفاء لهم يكون بتكريمهم وإحياءِ ذكراهم والاعترافِ بفضلِهم، وتعريفِ الأجيالِ الجديدة بجهودِهم وتضحياتِهم وعطائِهم، وبذلك نقدمُ لهذه الأجيال نماذجَ مشرقة يقتدونً بها، ويحذونَ حذوَها فى البذلِ والعطاءِ، مما يعودُ بالخيرِ على مصرنا الغالية.
إن الوفاءَ قيمةٌ إنسانية وأخلاقية عظيمة، بها يتمُ دعمُ الثقةِ بينَ الأفراد، وبها يتمُ التأكيدُ على أواصرِ التعاونِ في المجتمع، وهو خصلةٌ اجتماعيةٌ خُلقيةٌ تتمثلُ في التفاني من أجلِ قضيةٍ ما أو شيءٍ ما بصدقٍ خالص، إن الوفاءَ صفةٌ إنسانيةٌ جميلةٌ، عندما يبلغها الإنسانُ بمشاعرِه وأحاسيسِه فإنه يصلُ لأحدِ مراحلِ بلوغِ النفسِ البشرية لفضائِلِها، والوفاءُ صدقٌ في القولِ والفعلِ معاً، والوفاءُ يُلزمُ الإنسانَ القيمَ السامية والمُثلى، فمن فُقِدَ عندَه الوفاءُ فقد انسلخَ من إنسانيتِه.
وتأتي احتفاليةُ كلية الإعلام جامعة القاهرة في إطار ترسيخِ قيمةِ الوفاءِ لكلِ أساتذتِنا الذين سبقونا في دعمِ العملية البحثية والتعليمية بالكليةِ على مدارِ تاريخِها، ولإشاعةِ مُناخِ الأسرةِ الواحدة بالكلية، والتي تضمُ الأساتذةَ والطلابَ والإداريين والعمال. وستحرصُ كليةُ الإعلامِ على أن تُعقد هذه الاحتفالية في شهرِ أبريلَ من كلِ عام، ليتمَ تكريمِ من لم يُكرموا هذا العام في الأعوامِ القادمة، لأن كليةَ الإعلام زاخرةٌ بعلمائِها وإدارييها وأبنائِها وعمالِها المخلصين على مر تاريخها الطويل.
إن هذه الاحتفالية تقيمها كليةُ الإعلامِ بمناسبةِ مرورِ 40 عاما على تخريجِ أولِ دفعةٍ في الكلية في العامِ 1975، وبمناسبةِ تولي جيلٍ جديدٍ من خريجي عِقدِ الثمانينيات إدارةَ الكليةِ بدايةً من العامِ الجامعي الحالي، وهو ما يُرسي عمليةَ تواصلِ الأجيالِ في هذه الكليةِ العريقة رائدةِ الدراساتِ الإعلامية في الوطنِ العربي.
لقد حرصنا في هذه الاحتفالية على تكريمِ أساتذتِنا الرواد عمداءِ الكليةِ ووكلائِها للتعليمِ والطلاب والدراساتِ العليا والبحوث وخدمةِ المجتمعِ وتنميةِ البيئة ورؤساءِ الأقسام العلميةِ الثلاثِ السابقين، كما حرصنا على تكريمِ نُخبةٍ من الإداريين والعمال، للتأكيدِ على معنى ومفهومِ الأسرةِ الواحدة التي تسعى للنهوضِ بالعمليتيْنِ التعليميةِ والبحثيةِ في مجالِ الإعلام طوال تاريخ الكلية المجيد. ولم تنسَ الكلية تكريم بعض شباب أعضاء هيئة التدريس والهيئة المعاونة الذين رحلوا عنها وسط الطريق.