الثلاثاء 22 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حينما يتصارع أهل الدعوة والحرب على السلطة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قرأت التاريخ طويلا ً في المعتقل، قرأت في التاريخ القديم والحديث والمعاصر، قرأت السيرة مرات، قرأت معظم مذكرات القادة السياسيين والعسكريين، وقرأت تاريخ الحروب القديمة والحديثة، فاستوقفتني في التاريخ الإسلامي نقطة غامضة عجيبة، حاولت أن أصرف نظري عنها دون جدوى، فكرت فيها كثيراً، وكلما حاولت أن أكتب فيها أحجم، تحدثت فيها مراراً مع بعض تلاميذي.
وهذه النقطة التاريخية التي استوقفتني وأزعجتني، مفادها أنه كلما تصارع أهل الدعوة والدين مع أهل السياسة والحرب على السلطة والحكم، كلما انتصر أهل السياسة والحرب.
فقد تصارع الحسن بن علي، وهو من هو في التقوى والصلاح والجدارة بالخلافة، مع معاوية ابن أبي سفيان، ولم يكن للأخير حق في الخلافة مثل الحسن، وكان أقل منه في التقوى والدين، فانتصر معاوية لأنه كان الأكثر خبرة بالسياسة والدولة والحرب، ولأنه رجل دولة في المقام الأول.
وتصارع عبد الله بن الزبير، وهو الصحابي الصوام القوام العابد الزاهد الورع، مع عبد الملك بن مروان، وقائده الحجاج، وكان الحجاج ظلوما ً طاغية باغياً، فانتصر عبد الملك والحجاج، لأن عبد الله بن الزبير رغم شجاعته النادرة لم يكن رجل دولة وسياسة، وأضاع فرصاً نادرة لكسب جند الشام .
وتصارع الحسين بن علي، ابن بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، وسيد شباب أهل الجنة، صاحب الكرم والورع والتقوى والشجاعة والنبل، مع يزيد بن أبي سفيان، وهو أقل منه في كل هذه الصفات، فانتصر يزيد انتصاراً حاسماً لأنه كان رجل دولة، واعتمد كأبيه على جند الشام، وهم أكثر انضباطاً وطاعة، أما الحسين فقد اعتمد على مبايعات أهل العراق له، رغم تحذير كل الصحابة (رضي الله عنهم) من أهل العراق وبيعاتهم الخادعة، وقالوا له: “,”إنهم خدعوا أباك وأخاك ولم ينصروهما، ولن ينصروك“,”، ولكنه لم يستجب، لأنه كان رجل صلاح ودعوة ونبل وكرم وشجاعة وليس رجل دولة، وكان ممن حذَّروه صحابة عظام يعرفون طبائع البلاد ويحسنون استشراف المستقبل ولهم حس سياسي كبير، إلا أنهم آثروا البعد عن السياسة والصراعات السياسية، ومنهم: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وبعض هؤلاء قال للحسين لمَّا رفض نصيحته وخرج إلي العراق “,”استودعك الله من شهيد“,”.
وقد هزتني قديماً الحجة البارعة التي ذكرها الصحابي العظيم عبد الله بن عمر للحسين: “,”إن الله لن يجمع لكم آل بيت رسول الله النبوة والخلافة“,”، وكأنه يقول له: “,”إن النبوة أعظم من الخلافة، وإن الدعوة أعظم من السلطة، وإن هداية الخلائق أبقى من كراسي الحكم“,”.
وكل هذا التاريخ لم يستوقفني بقدر ما هزَّتني طويلاً كلمة بن عمر صاحب العبقرية المتوهجة.
ولا أدري هل ما زال التاريخ يكرر نفسه حتى الآن أم ماذا ؟، فكلما وصل أهل الدعوة والدين إلي السلطة أزيحوا عنها قهراً وقسراً، وكلما اقتربوا من الوصول إليها بعدت عنهم أكثر، لقد حارب العلويون، أهل الدين والدعوة، ملوك الأمويين قرابة مئة عام على الحكم، فقتل معظمهم وأسر بعضهم ونكل بهم دون جدوى.
لقد تفكَّرت في هذا الأمر منذ قرابة 15 سنة، وها أنا ذا أعيد التفكير فيه مرات ومرات، فهل حقاً يعيد الزمان نفسه، يبدو أنه يفعل ذلك مرات ومرات.