في اللحظة التي أطلق فيها جلف من أجلاف البشر المنتمين إلى ما يسمى «أنصار بيت المقدس» النار على الشهيد أحمد فتحي أبو الفتوح انخلع قلبي، تخيلت اللحظة التي سترى فيها والدته اللحظة نفسها، هل صرخت؟ هل انهارت من هول الفاجعة؟ هل نادت عليه وهي تصرخ؟ هل دعت على من قتلوه غدرا وخسة وندالة وانحطاط إنساني لا مثيل له في التاريخ كله؟ هل رفعت يديها إلى السماء طالبة منه حق ابنها، الذي لم يفعل أكثر من أدائه واجبه في حماية بلاده؟
مهما تحدثنا، ومهما تحدثت هي، لا يستطيع أحد أن يتخيل حجم الحزن الذي اقتحمها، وهى ترى ابنها يقتل أمامها دون أن تستطيع أن تفعل له شيئا، ولا حتى تجفيف دموعه التي نزلت من القهر الذي ألم به، لم تستطع أن تمد يدها لتربت على ظهره لتقويه، فقد كان هناك وحده، يواجه من نزع الله من قلوبهم الإيمان والرحمة والإنسانية، رغم أنهم يتحدثون باسمه، ويكبرون بعد أن يقتلوا أسيرا.. ولو تحدث لهم الله من فوق سماواته للعنهم وطالبهم ألا يتحدثوا باسمه، فهو بريء منهم ومما يفعلون.
كل ما طالبت به أم أحمد فتحي بعد أن أفاقت من صدمتها ولوعتها وحزنها وقلة حيلها وقهرها أن ينتقم السيسي ممن قتلوا ولدها، أن يأخذ له ولها بحقها الذي تعلم جيدا أنه لن يضيع أبدا، فعند الله لا تضيع الحقوق، وحق هذا الشهيد وكل من سبقوه وكل من سيلحقون به.
ليس لدينا مطلب آخر من الرئيس السيسي.. نقدر كل ما يفعله، نرى أمام أعيننا ما يقوم به من جهد خارق، ولن نقع في الفخ الذي ينصبه لنا هؤلاء الإرهابيون، فلن ينجحوا أبدا في الإيقاع بيننا وبين جيشنا العظيم، فهم أهل فتنة، ونحن أصحاب حق، وأصحاب الحق يجب ألا ينخدعوا.
أحمد حاصل على تعليم متوسط، التحق بالخدمة الوطنية منذ شهور قليلة، لا يستطيع رغم جدعنته وشخصيته أن يتحدث بكل ما ورد على لسانه في الفيديو الملعون الذي بثه التنظيم الإرهابى مشككا فيه في الجيش، وداعيا الأمهات ألا يدخلن أولادهن إلى الجيش، حتى لا يكون مصيرهم مثل مصيره، مؤكد أن هؤلاء أملوا عليه ما قاله، أجبروه إجبارا على أن يتحدث ضد جيشه وضد زملائه، فأحمد الشهم الجدع ابن الناس الطيبين البسطاء لا يمكن أن يهاجم جيشه، فعل ذلك وهو تحت تهديد سلاح من لا يرحمون.
نعرف ما الذي يريده جيش الظلام الإرهابى من جيش الحق الذي يحارب حربا شريفة من أجل هذا الوطن، يريدون أن يظهروه ضعيفا لا يستطيع أن يحمى أولاده، وهى حيلة رخيصة يجب أن يتنبه لها الجميع، فالجيش في سيناء يخوض حربا ضد عصابات تتخفى في الرمال، تأخذ من الغدر والخيانة طريقا ووسيلة ومنهجا، وفى الحرب لا بد أن يكون هناك كر وفر وخسائر، وهى الخسائر التي يجب ألا تفقدنا الثقة في جيشنا أبدا.
لقد حرص أحمد فتحى أن يموت بطلا مقاتلا، لأنه يعرف أنه كان في حرب من أجل وطنه، طلب منهم أن يقتلوه بالرصاص وليس ذبحا، رفض أن يغموا عينيه، وقف في مواجهة قاتله بشجاعة، نظر إلى عينيه ولم يهرب من المواجهة حتى اللحظة الأخيرة، وهى الروح التي يجب أن نمسك بها ولا نفلتها من بين أيدينا أبدا، فبهذه الروح نستطيع أن نواجه ونقاتل من يريدون الفناء لهذا الوطن.
أعرف أن الجيش يقوم بدوره تماما في سيناء، أعرف أن أولادنا هناك يواجهون الموت في كل لحظة، وليس أمامناـ وهذا واجبهم عليناـ إلا أن ندعمهم ونقف خلف ظهورهم، فلحظة الحرب يجب ألا يهرب أحد من الميدان، فالهاربون خونة، لا يستحقون أن يعيشوا تحت سماء هذا الوطن.
لن تكون مصر إلا مقبرة لمن يريدون بها شرا، حتى لو من أبنائها.. إنهم يهددوننا بالموت، لكن من قال إن الموت يرهبنا، أو يخوفنا، أو يجعلنا نتراجع، إننا أكثر إيمانا منهم، وأبناؤنا الذين يقفون على الثغور أكثر إيمانا منهم، هم يقاتلون من أجل سلطة زائلة، ونحن نقاتل من أجل أن يظل الوطن باقيا، ووجه الوطن يستحق أرواحنا جميعا.
ليس عليك يا سيادة الرئيس، إلا أن تواصل معركتك ضد الإرهاب، صحح المسار إذا كانت به أخطاء.. فليس أمامنا إلا طريق واحد، قطعناه معا، وليس لأي منا أن يتوقف في منتصفه، فاذهب أنت وجيشك فقاتلا إنا معكما مقاتلون.. انتقم لمن قهرتهم الأحزان، فهذا حقهم عليك.