الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

ناصرية المنيا ودواعش في كل مكان

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في قرية الناصرية مركز بني مزار بمحافظة المنيا، وقبلها عشرات القرى وبعدها مئات القرى التي يسكن بها مسيحيون مصريون، تنتهي حدود الدولة مع صرخة أول متطرف تؤدي إلى اشتعال الأوضاع هناك وينتشر العنف ومن بعده تولد الكراهية فيغيب القانون وتحضر الجلسات العرفية، ويظهر على الشاشات شيخ وقسيس يتعانقان لندخل مرحلة تبويس اللحى.
ما حدث بقرية الناصرية مما تم اعتباره تجاوز مدرس قبطي واتهامه بالإساءة للإسلام مكانه النيابة والمحكمة، طبعاً هذه بديهية، ولكن أن يتمطع الناس في الشوارع مهاجمين منازل كل الأقباط بالقرية فهذه جريمة اسمها البلطجة، والغريب هو أن ذلك الهجوم يأتي متزامناً مع صلوات الإخوة المسيحيين بمناسبة الجمعة الحزينة أو الجمعة الكبيرة، كما يأتي متزامناً أيضاً بعد يومين من قيام الشرطة بإلقاء القبض على المدرس القبطي وإحالته للتحقيق.
كل هذا لم يمنع الناس من خروجهم عقب صلاة الجمعة الماضية يتقدمهم عدد من المتشددين لمهاجمة منازل الأقباط، لم يكن الأمر مجرد خروج المصادفة لمنفعلين ومتوترين ومتحمسين ضد تصرف المتهم القبطي ولكنه خروج منظم حيث تم التنبيه في المساجد بالقرى المجاورة للإنتقام من المسيحيين بالقرية ومهاجمة منازلهم وقذفها بالحجارة.
لا ندافع عن تصرف متهم أخطأ، ولا يمكن أن نبرر هذا العدوان الهمجي على بيوت الآمنين، نحن ندافع عن دولة القانون، تلك الدولة التي لو غابت لانتهى كل شيء على أرض المحروسة، ولكن الذي يغيظ بالفعل في تلك الدولة التي ندافع عنها هو أنها هي بذاتها تتجه في مثل تلك المشكلات لتفعيل التواطؤ والصمت لتضع بعض الرماد فوق الجمر المشتعل لتقنع نفسها بأن المشكلة انتهت، ولكن يتم تكذيب تصرف الدولة في مكان آخر بعد أيام قلائل من دفن رأسها كالنعام في التراب، لينفجر فعل طائفي أحمق في جغرافية جديدة ويتواصل مسلسل العنف والكراهية.
وفي قرية الناصرية التي نحن بصدد الحديث عنها نقرأ ما قاله أحد أقباط القرية: "تعرضنا لهجوم من المسلمين بالقرية عقب صلاة الجمعة والقرى المجاورة وتم قذفنا بالحجارة وتكسير المنازل كما تم يوم الخميس الإعتداء على كنيسة الملاك ميخائيل بالقرية وتكسير نوافذها ويوم الجمعة قاموا بمهاجمتنا رغم التواجد الأمنى بالقرية إلا أنه لم يفعل شيئاً في ظل الإعداد الضخمة التي خرجت ضد الأقباط باستثناء تأمين الكنيسة وتطويقها لمنع الوصول اليها والسيطرة على الموقف فى وقت متأخر".
وإذا كُنا نقرأ في أدبيات الجرائم أن الجريمة الكبرى هي تلك التي ترتبط بالعقاب الجماعي، فبماذا نسمي ما حدث بقرية الناصرية، ويسوق الكاتب نادر شكري مثلاً مريراً وهو أن قرية الناصرية تضم أربعة مدارس منها مدرستان ابتدائيتان وأخرى إعدادية وأخرى ثانوية، وعندما ذهب الطلاب يوم الأربعاء للمدارس تم تهديدهم بالقتل ولذلك أصدرت مديرة التعليم هناك أوامرها بصرف الطلاب المسيحيين من المدارس فغادر الطلاب مدارسهم وعادوا إلى بيوتهم.
فإذا كان ما يتم فطام أبنائنا عليه في المدارس هو العدوان على الغير، فهل ننتظر رجاء في مستقبل هذه البلد التي تتغني يومياً بالحداثة والتقدم والمعاصرة والمدنية؟ وهل من المنطقي أن يصدر البعض قرارات من على المصطبة بترحيل ستة أُسر عن قريتهم كعقاب لخطأ أبنائهم؟ هكذا خبط لزق دون تفكير ودون فحص لذلك الخطأ المنسوب للشاب القبطي وهو الآن بين يدي العدالة، فهل صارت بلطجة العامة بمصر أكبر من القضاء والدولة ومؤسسة الرئاسة و30 يونيو؟ هل هذا الخلل المجتمعي يُبشر بأي أمل في الإنتصار على مخاطر المُستقبل التي تقبض على رقبة البلد من أركانها الأربعة؟
ما حدث بقرية الناصرية هو مجرد حلقة من حلقات كثيرة وصار على الدولة بكل مؤسساتها والحكومة كذراع تنفيذية لطموحات الناس، وكذلك من يزعمون أنهم مثقفون تقدميون، عليهم جميعاً أن يحددوا اختياراتهم، لو كانت داعش هي رمزهم وأملهم فليخبرونا بذلك، وإن كانت مصر هي المُرتجى فلنكن جميعاً على مستوى اسم مصر.