لرؤساء مصر في قراءتهم للصحف مذاهب وأمزجة وأغراض.
عبد الناصر كان شديد الولع بالمتابعة والقراءة، لا يكتفى بالتقارير التي تصله من أجهزته الأمنية ومصادره الخاصة، كان يستمع إلى الإذاعات ويقرأ الصحف يوميًا.
السادات ورغم عمله بالصحافة لفترة من حياته إلا أنه تخفف من هموم المتابعة وكدر المطالعة، وكان يسخر من حرص عبد الناصر على القراءة، بل اتهم من حاصروه بالأوراق الكثيرة بأنهم قتلوه.
مبارك كان ملولًا بطبعه، لا ثقل له على شىء، في سنواته الأخيرة اختصروا له التقارير المرفوعة إليه إلى سطور قليلة كان يطالعها بعدم اهتمام، ولما سألوه عن قراءته للصحف قال إنه لا يقرأ سوى صحف الحكومة، متجاهلًا أن تكون في مصر صحف خاصة أو حزبية.
مرسي في الغالب لم يكن يقرأ، وعلى ما أعتقد فقد تحول مندوب التنظيم في قصر الرئاسة إلى مجرد أذن لا تسمع إلا ما يأتيها من مكتب الإرشاد في المقطم فقط، فلم نعرف عنه اهتمامًا بالصحف خلال فترة حكمه التعيسة، اللهم إلا شكواه الدائمة من استهدافه واستهداف جماعته، وعتبه على من اعتبروا أن الإساءة إلى الرئيس واجب وطنى.
السيسى ولأنه مختلف في أشياء كثيرة عمن سبقوه، فقد أبدى من البداية أنه يتابع الصحف بنفسه، والدليل أنه أجرى عدة مكالمات مع كُتّاب صحفيين وناقشهم بنفسه فيما قالوه، وكانت صحفهم لا تكذب خبرًا، فقد حول بعضها ما قاله الرئيس خلال المكالمات إلى عناوين رئيسية.
كأى رئيس يتلقى عبد الفتاح السيسى تقارير يومية من أجهزة الأمن المختلفة ( المخابرات العامة والحربية والأمن الوطنى)... يتابع من خلالها سير الأحداث في البلاد، ويتعرف عبرها على حالة الرأى العام، لكن هذا لا يمنعه فيما أعتقد من أن يتابع الصحف بنفسه، فلياقته الصحية والذهنية لا تزال تتيح له أن يطالع الصحف دون وسطاء يرشحون له مقالات معينة، أو يلفتون انتباهه إلى كاتب بعينه.
لا أعرف على وجه التحديد طقوس عبد الفتاح السيسى في قراءة الصحف، وهل يقرأها بعد مطالعة تقاريره الأمنية أم بعدها، ولا أعرف كم من الوقت يقضى في قراءة ما تنشره الصحف اليومية، ولا أعرف هل له كاتب محدد، أم أنه يقرأ بشكل عام للجميع، لكننى سأتخيل أن الرئيس المشغول، والذي تكاثرت عليه المسئوليات محلية ودولية يخصص وقتًا كل صباح لقراءة الصحف والتعرف على ما فيها.
والسؤال: ما الذي يقوله عبد الفتاح السيسى بعد أن يفرغ من قراءة الصحف؟ هل تعجبه؟ أم أنه يأخذ موقفًا سلبيًا من حالة الفوضى التي نعمل فيها، والتي تظهر فيما ننشره من تقارير تخصه، وتخص الموقف المصرى من قضايا عديدة يكون هو في القلب فيها؟ هل يثق فيما نفعله؟ أم يرى أن ما تقدمه الصحف ليس إلا حالة من الدجل على المواطنين؟ فلا أحد يملك معلومات صحيحة، ولا أحد يقدم بالتبعية تحليلات دقيقة أو حتى منطقية؟
مؤكد أن السيسى لا تعجبه الصحافة المصرية، ولا ما تقدمه على وجه الإجمال، فلا يزال ينقصها الكثير لتصبح على قدر المسئوليات التي يقوم بها رئيس في وسط الأنواء.
لكن السؤال الأهم، والذي يجب أن نواجه به الرئيس قبل أن نواجه به أنفسنا هو: ومن السبب في الحالة المزرية التي وصلت إليها الصحافة المصرية؟
ودون أن يغضب الرئيس والذين يحيطون به - وحتى إذا غضبوا فهذا من حقهم تماما - فإننى أقول جازمًا بأن الرئيس نفسه هو السبب الرئيسى في حالة التردى التي تعانى منها الصحافة، التي يطالبها الجميع بأن تتحرى الدقة، وأن تلتزم بالموضوعية، وأن تقوم بمهامها كاملة، دون أن يلتفت الرئيس إلى أنه ومن حوله يحكمون مصر على طريقة سرى للغاية.
فنحن نعرف الكثير عن مصر ومواقفها ودورها من مصادر خارجية، مرة من ليبيا ومرة من السعودية ومرة من روسيا ومرة من أمريكا، ومرات من مواقع لقيطة تلون الأخبار بالشكل الذي تريده وبما يحقق مصالح أخبارها.
لا توجد قنوات مفتوحة بين الرئيس ورجاله وبين الصحف المصرية، وحتى اللقاءات التي يعقدها الرئيس بحضور كبار الصحفيين لا تكون لتقديم معلومات بقدر ما تستهدف ضبط إيقاع الأداء الإعلامي، دون أن يعرف من يتحدث أن الإعلام الحر لا يقوم إلا على المعلومات، وفى حالة ندرتها وعدم توافرها، نقع جميعا في حالة من التخبط التي يدفع الجميع ثمنها... النظام قبل الصحافة... والرئيس قبل الصحفيين... والوطن قبل المهنة.
****
لماذا أقول هذا الكلام الآن؟
راجع فقط ما تنشره الصحف المصرية عن عاصفة الحزم ودور مصر فيها وأنت تعرف السبب.
elbaz_press@yahoo.com
عبد الناصر كان شديد الولع بالمتابعة والقراءة، لا يكتفى بالتقارير التي تصله من أجهزته الأمنية ومصادره الخاصة، كان يستمع إلى الإذاعات ويقرأ الصحف يوميًا.
السادات ورغم عمله بالصحافة لفترة من حياته إلا أنه تخفف من هموم المتابعة وكدر المطالعة، وكان يسخر من حرص عبد الناصر على القراءة، بل اتهم من حاصروه بالأوراق الكثيرة بأنهم قتلوه.
مبارك كان ملولًا بطبعه، لا ثقل له على شىء، في سنواته الأخيرة اختصروا له التقارير المرفوعة إليه إلى سطور قليلة كان يطالعها بعدم اهتمام، ولما سألوه عن قراءته للصحف قال إنه لا يقرأ سوى صحف الحكومة، متجاهلًا أن تكون في مصر صحف خاصة أو حزبية.
مرسي في الغالب لم يكن يقرأ، وعلى ما أعتقد فقد تحول مندوب التنظيم في قصر الرئاسة إلى مجرد أذن لا تسمع إلا ما يأتيها من مكتب الإرشاد في المقطم فقط، فلم نعرف عنه اهتمامًا بالصحف خلال فترة حكمه التعيسة، اللهم إلا شكواه الدائمة من استهدافه واستهداف جماعته، وعتبه على من اعتبروا أن الإساءة إلى الرئيس واجب وطنى.
السيسى ولأنه مختلف في أشياء كثيرة عمن سبقوه، فقد أبدى من البداية أنه يتابع الصحف بنفسه، والدليل أنه أجرى عدة مكالمات مع كُتّاب صحفيين وناقشهم بنفسه فيما قالوه، وكانت صحفهم لا تكذب خبرًا، فقد حول بعضها ما قاله الرئيس خلال المكالمات إلى عناوين رئيسية.
كأى رئيس يتلقى عبد الفتاح السيسى تقارير يومية من أجهزة الأمن المختلفة ( المخابرات العامة والحربية والأمن الوطنى)... يتابع من خلالها سير الأحداث في البلاد، ويتعرف عبرها على حالة الرأى العام، لكن هذا لا يمنعه فيما أعتقد من أن يتابع الصحف بنفسه، فلياقته الصحية والذهنية لا تزال تتيح له أن يطالع الصحف دون وسطاء يرشحون له مقالات معينة، أو يلفتون انتباهه إلى كاتب بعينه.
لا أعرف على وجه التحديد طقوس عبد الفتاح السيسى في قراءة الصحف، وهل يقرأها بعد مطالعة تقاريره الأمنية أم بعدها، ولا أعرف كم من الوقت يقضى في قراءة ما تنشره الصحف اليومية، ولا أعرف هل له كاتب محدد، أم أنه يقرأ بشكل عام للجميع، لكننى سأتخيل أن الرئيس المشغول، والذي تكاثرت عليه المسئوليات محلية ودولية يخصص وقتًا كل صباح لقراءة الصحف والتعرف على ما فيها.
والسؤال: ما الذي يقوله عبد الفتاح السيسى بعد أن يفرغ من قراءة الصحف؟ هل تعجبه؟ أم أنه يأخذ موقفًا سلبيًا من حالة الفوضى التي نعمل فيها، والتي تظهر فيما ننشره من تقارير تخصه، وتخص الموقف المصرى من قضايا عديدة يكون هو في القلب فيها؟ هل يثق فيما نفعله؟ أم يرى أن ما تقدمه الصحف ليس إلا حالة من الدجل على المواطنين؟ فلا أحد يملك معلومات صحيحة، ولا أحد يقدم بالتبعية تحليلات دقيقة أو حتى منطقية؟
مؤكد أن السيسى لا تعجبه الصحافة المصرية، ولا ما تقدمه على وجه الإجمال، فلا يزال ينقصها الكثير لتصبح على قدر المسئوليات التي يقوم بها رئيس في وسط الأنواء.
لكن السؤال الأهم، والذي يجب أن نواجه به الرئيس قبل أن نواجه به أنفسنا هو: ومن السبب في الحالة المزرية التي وصلت إليها الصحافة المصرية؟
ودون أن يغضب الرئيس والذين يحيطون به - وحتى إذا غضبوا فهذا من حقهم تماما - فإننى أقول جازمًا بأن الرئيس نفسه هو السبب الرئيسى في حالة التردى التي تعانى منها الصحافة، التي يطالبها الجميع بأن تتحرى الدقة، وأن تلتزم بالموضوعية، وأن تقوم بمهامها كاملة، دون أن يلتفت الرئيس إلى أنه ومن حوله يحكمون مصر على طريقة سرى للغاية.
فنحن نعرف الكثير عن مصر ومواقفها ودورها من مصادر خارجية، مرة من ليبيا ومرة من السعودية ومرة من روسيا ومرة من أمريكا، ومرات من مواقع لقيطة تلون الأخبار بالشكل الذي تريده وبما يحقق مصالح أخبارها.
لا توجد قنوات مفتوحة بين الرئيس ورجاله وبين الصحف المصرية، وحتى اللقاءات التي يعقدها الرئيس بحضور كبار الصحفيين لا تكون لتقديم معلومات بقدر ما تستهدف ضبط إيقاع الأداء الإعلامي، دون أن يعرف من يتحدث أن الإعلام الحر لا يقوم إلا على المعلومات، وفى حالة ندرتها وعدم توافرها، نقع جميعا في حالة من التخبط التي يدفع الجميع ثمنها... النظام قبل الصحافة... والرئيس قبل الصحفيين... والوطن قبل المهنة.
****
لماذا أقول هذا الكلام الآن؟
راجع فقط ما تنشره الصحف المصرية عن عاصفة الحزم ودور مصر فيها وأنت تعرف السبب.
elbaz_press@yahoo.com