لم تفاجئنى حواديت عمنا المستريح، الذي خدع عشرات الآلاف من الصعايدة والبحاروة معا -علشان ما حدش يزعل- ولهف منهم تحويشة العمر بحجة استثمارها في مشروعات «مليونية» تمنحهم أرباحًا شهرية تساوى أرباح مشروع «القناة الجديدة».
لم أغضب ولم أفرح.. فالأمر يكاد يكون متكررًا وبشكل يومي.. الفرق في «القيمة» يعنى ممكن يبقوا مليون مش مليار زى ما عمل صاحبنا.
والتكرار يحدث ليس لأن المصريين طماعون أو جهلة يسهل النصب عليهم.. ولكن لأن منافذ الرزق الشريف أولًا محدودة.. ثانيا لأن الأبواب الموصدة تكلف من يرغبون في الاستثمار أضعاف أضعاف ما يجب أن يدفعوه.. ولأنهم يصدقون أيضًا أن هناك رغم كل هذه البلاوى من يستطيع أن يكسب وبسهولة.
لقد طرحت إحدى الشركات الاستثمارية المعروفة عددًا من الوحدات في العين السخنة مساحة ٥٠ مترًا.. «شاليه محندق يعني». حددت سعره بـ٥٥٠ ألف جنيه.. يعنى أكثر من نص مليون.. وبرغم ذلك تقدم أكثر من ٣٠٠ ألف شخص لحجز هذه الوحدات.. يعنى من وجهة نظر الرجل البسيط واللى دماغه على قده.. فيه ناس معاها فلوس أهي.. وفيه ناس بتكسب برضه.. فلماذا لا يلحقون هم بالقطار ذاته حتى وإن جاء عن طريق «المستريح»؟!
الحكومة ذاتها وبإجراءاتها العقيمة تساعد هؤلاء على العمل وبأريحية تامة..خد عندك مثلًا حكاية «القادسية» وأكيد فيه منكم ناس كتير زى حالاتى شافوا إعلاناتها على شاشات التليفزيون «بالهبل»، وأكيد أغرتهم الأسعار الرخيصة، وذهبوا مثل نصف مليون مواطن ليتملكوا قطعة أرض صغيرة لبناء منزل عليها.
قصة القادسية إن دققت في أوراق الشركة لن تجد فيها نصبًا بالمرة.. فأصحابها مواطنون مصريون ذهبوا لوزارة الزراعة وحصلوا على موافقات بشراء أرض صحراوية لزراعتها.. «الوزارة عارفة من الأول أنها ما تنفعش تتزرع».. وأصحاب الشركة والأهالي عارفين كده برضه.. ثم قام أصحاب الشركة بتقسيم هذه الأراضى وباعوها بالقطعة.. فيلات ومنازل.. وما تستغربش.. وحصلوا على موافقات وقرارات جمهورية بتغيير النشاط من زراعى لاستثمارى سكني.. يحدث هذا دائمًا وهناك عشرات من الأسماء الكبيرة بجوار القادسية فعلت ذلك.. ثم تنشأ خناقة بين الإسكان والزراعة على تبعية الأرض.. فلا تستطيع الشركة ومن بعدها الأهالي شراء أو بيع أي شيء.. ولا بناء منازلهم أيضًا ويستمر الوضع لسنوات.. حتى يجيء الطريق الدولى فيجعل للمنطقة بكاملها سعرًا جديدًا ووضعًا جديدًا.. وتقوم الوزارة بتعديل سعر المتر.. ليعجز الأهالي عن الدفع رغم أن جيرانهم في ستلا دى مارى أو السليمانية أو غيرها اشتروا بالسعر القديم.. ليتظاهر نص مليون مصرى ضاعت قروشهم القليلة وأعمارهم في البحث عن حلم المسكن الصغير.
هذا ما يحدث.. يحلم الناس والحكومة تعقد لهم كل شيء، وتسمح للوسطاء بأن يلعبوا بهم ويكسبوا على قفاهم..وتسمح بظهور مليون «مستريح» قادر على مداعبة غرائزهم ونهمهم أيضًا.. وتتحول قصة إلى دراما يتناقلها الناس ويضحكون لها أكثر مما ضحكوا على باسم يوسف.. نحن في حاجة دائمًا للمستريح والريان وأبلة فاهيتا حتى نطمئن ونرضي.. ويرضى عنا الأسياد.. دمتم في راحة ودامت أيام «المستريح».
من النسخة الورقية