الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

اليمن..الذي يريده المثقفون عقدة تاريخية لمصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عملت أجهزة دعاية إقليمية ودولية- طوال عهود وعقود- علي تنميط وشيطنة الوجود المصري في اليمن زمن الستينيات، وتصويره علي أنه السبب الرئيسي في هزيمة 1967، أو أنه كان إحدى محاولات جمال عبد الناصر لتأسيس إمبراطورية اتسع طموحه لبنائها في أكثر من ساحة إقليمية عربية وأفريقية، لا بل ودعمها على تحركه الدولي في إطار دول عدم الانحياز، وصداقته الإستراتيجية مع الإتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.
والحقيقة أن تفسير الموضوع علي ذلك النحو فيه مغالطة كبيرة وتبسيط مخل.
إذ أن عبد الناصر أرسل قواته إلي اليمن في إطار صراع إقليمي بينه والمملكة العربية السعودية، والملك سعود بن عبد العزيز بالذات، إذ كانت المملكة جزءًا من حلف بغداد الذي رآه الزعيم المصري موجهاً ضد ثورة يوليو ونظامها عام 1955، كما صرح الملك سعود- بنفسه- وعلانية لإحدي وكالات الأنباء أنه أنفق 13 مليون جنيه إسترليني عام 1961 (وهو رقم كبير جداً بمقاييس ذلك الزمان) لتمويل انقلاب عبد الكريم النحلاوي ضد دولة الوحدة بين مصر وسوريا، وهو الذي أفضي إلي (الانفصال)، ومن ثم كانت استجابة عبد الناصر لدعوة الجمهوريين اليمنيين بقيادة عبد الله السلال ليتدخل في اليمن، مزيجاً بين الانصياع لإلزامات المبدأ، ورغبة ناصر التموضع في مكان يزعج السعودية عند البطن الرخو لشبه الجزيرة العربية في اليمن، وقد بدأ التدخل بقوات (رمزية) رآها كافية لزجر الملكيين التابعين للإمام البدر وأسرة حميد الدين، ومضايقة الملك سعود أو إشعاره بأن مصر يمكنها الرد على ضرب دولة الوحدة.
ولكن الأمر تطور في اليمن في ظل قيادة عسكرية مصرية يمثلها (المشير عبد الحكيم عامر) لا تعرف ماذا تفعل بالضبط وتزايدت أعداد الجيش المصري هناك ليقود حرب عصابات وحرب جبال لم يعتدهما، وصار فيهما أقرب إلي حرب الإتحاد السوفيتية في أفغانستان، وتورطت كل من مصر والسعودية في تصعيد علي الساحة اليمنية بدا وكأنه صراع إرادات لا يحسمه إلا استسلام طرف، وأعلن عبد الناصر في خطاب مدو أنه سيضرب قواعد العدوان في جيزان ونجران، أي داخل الأراضي السعودية، وقد فعل بالقاذفات الإستراتيجية الثقيلة (تي يو- 16) كما توالت عمليات هروب للطيارين السعوديين وطائراتهم إلي القاهرة، ولكن متغيراً طرأ علي الموقف.
وكان عزل الملك سعود، وصعود الأمير فيصل بن عبد العزيز إلي الحكم، وأعقب ذلك لجوء الملك سعود إلى مصر ليعيش فيها بعد عملية هندس لها صلاح نصر مدير المخابرات المصرية العامة الأشهر، ولما كان الملك فيصل يرتبط بعلاقات وثيقة بأمين المؤتمر الإسلامي أنور السادات أو يجمعه بعبد الناصر- رغم الاختلاف- تقدير متبادل، فقد كان طبيعياً أن يتطور الأمر إلي إتفاقية جده عام 1965، ثم بعد الموقف التاريخي النبيل للملك فيصل في قمة الصمود بالخرطوم عام 1967 بعد الهزيمة العربية، صار التقارب ممكناً بشكل أكبر، وأعلن عبد الناصر انسحاب القوات المصرية من اليمن، وأعلن فيصل التوقف عن دعم الملكيين ووافق علي تشكيل مجموعة من العراق والسودان والمغرب، لمراقبة الانتقال السياسي في اليمن.
وطبعا صاحب كل تلك المسيرة ضجيج إعلامي هائل يتمثل وكعادة نظام عبد الناصر في مقالات هيكل (بصراحة) التي بلغت آماداً غير متصورة في الإساءة إلي السعودية والعائلة الحاكمة، فضلاً عن تنميط ما أسماه (قوي الرجعية العربية) وكذلك برامج وتقارير إذاعة صوت العرب المروعة، وصناعة فيلم شهير اسمه (ثورة اليمن) أدي فيه صلاح منصور دور الإمام البدر، وإنتاج أغنية تصور عودة أفواج الجنود المصريين بعد اتفاقية جدة علي أنها (ظافرة) وهي أغنية عبد الحليم حافظ (يا حبايب بالسلامة) من لحن محمد الموجي .. وقد تسبب المجهود الإعلامي الكبير في تشكيل وعي الناس علي نحو يصور لهم أن مصر كانت جزءاً من معركة مفتعلة علي الساحة العربية بين (رجعيين) و(تقدميين)، كما رسم ذلك المجهود صورة خاطئة للصراع مع الملك سعود، ليظهره صداماً مع الأسرة الحاكمة في الرياض بأكملها، لا بل ويطرح تصورات شديدة الخرق عن تحفيز وتشجيع الثورة في شبه الجزيرة العربية وتحويلها إلي إحدي الجمهوريات القومية التي إنتشرت في العالم العربي (وقتها) من دون فهم لطبيعة مرحلة النمو الإقتصادي الإجتماعي في السعودية، ولسيادة الإعتبار القبلي في تشكيل الشخصية الوطنية هناك، أو دور الثورة في إلغاء أي مبرر لتكرار تجاوب شعوب أخرى في تحقيق العدل الاجتماعي.
......................................................
ولقد اضطررت إلي سرد كل الحكاية السابقة (رغم أنني اختزلتها إلي حد كبير) حتي أبدأ في الحديث عن زيف ما يعمد بعض المثقفين المصريين في ترديده الآن، حول اشتراك مصر في تحالف (عاصفة الحزم) لمساندة شرعية الرئيس عبد ربه هادي منصور، ومواجهة الإجتياح الحوثي لليمن مؤيداً بدعم إيراني مباشر، ومتحالفاً- لدهشتي- مع غريمه التقليدي القديم علي عبد الله صالح!!
التيار الكلامي الذي سري في مصر مشيراً إلي أن مصر ستتورط في مستنقع اليمن وأنها ستكرر مأساة عبد الناصر هناك، هو جزء من عملية ممنهجة لتخويف مصر من احتلال مكانتها وحجمها الإقليميين الطبيعيين، وإهدار صورة السيسي، وفض وتفريق الإجماع الشعبي من حوله، الذي كان أحد تجلياته المقارنة الدائمة بينه، والرئيس عبد الناصر بالذات، وأحدد الأسباب التالية لليقين الذي وقر في عقلي وضميري عن أسباب تلك الحملة :
• أولاً : هناك اختلاف شديد بين حالتي التدخل المصري في اليمن (زمن الستينيات واللحظة الراهنة)، وقد تعلمنا قاعدة أن (المقارنة لا تكون إلا بين وحدات متكافئة) ولا ينفع والحال كذلك أن نقارن بين حالتي التدخل هكذا في المطلق، معلَقتين من شواشيهما في الهواء، ومن دون إدراك للإختلاف القاطع بين السياقين التاريخيين اللذين جرى التدخل في كل منهما، وأول تلك الإختلافات هو أن مصر دخلت وحدها حرب اليمن عام 1962 بمفردها ضد نظام ملكي بائد (أسرة حميد الدين) ينتمي إلي طائفة الزيديين، وإلي وضع عائلي وقبلي تستند إليه، بالإضافة إلي صدام مع المملكة العربية السعودية بالذات، ووضع إقليمي غير موات في تلك المنطقة بوجود المحميات البريطانية في عدن والخليج والقاعدة الأمريكية في اليمن، وكان التدخل المصري في الستينيات مسانداً لقوى التغيير والانقلاب علي الشرعية البطيركية التي سادت عبر نظام الإمامة مهما كان تقييمها لتخلفه وجهله.
أما في عاصفة الحزم فمصر تساند الشرعية وليس الانقلاب، ومصر تحالف السعودية ولا تخاصمها، ومصر جزء من تحالف عربي وإسلامي، وليست لوحدها، ومصر تعرف أن تحالفها يستند إلي تأييد دولي واسع باستثناء إيران- بطبيعة الحال- وروسيا لمصالحها، ولرغبتها في مواصلة التضاغط مع المشروع الأمريكي الذي يبغي السيطرة علي منطقتنا تحت عنوان: (الشرق الأوسط الأوسع)، وبمداخل مختلفة، أحدها كان الخلافة الإسلامية وإحياء العثمانية، وأسقطته ثورة 30 يونيو العظمي في مصر، وثانيها كان هندسة ما يعرف بالهلال الشيعي وصولاً إلي نفس هدف ضرب الدول الوطنية المركزية وتقسيمها وتفتيتها.
وفي (عاصفة الحزم) كذلك، فإن مصر لا تنصر قبائل حاشد والأحمر ضد عائلة الحوثيين كما الستينيات، ولكنها تدعو جميع اليمنيين إلي الحوار السياسي للحفاظ علي وحدة اليمن وسلامة مواطنية.
• ثانياً : مصر تدخل إلي ساحة الحرب في اليمن دفاعاً عن مصالحها الإستراتيجية المباشرة، وبالذات ملف ضمان حرية الملاحة في مضيق باب المندب، إذ علي الرغم من أن الأمم المتحدة أقرت عام 1994 ما يعرف باسم اتفاقية (جامايكا) لتنظيم حرية الملاحة في الممرات الدولية، إلا أن تهديد باب المندب علي أيادي الحوثيين بدا واضحاً من رغبتهم العارمة للتقدم إلي ميناء (المخا) المطل علي المضيق، وهو ما رافق تصريحات لبعض المسئولين الإيرانيين السياسيين والعسكريين تتحدث عن أن (البحر الأحمر) صار تحت سيطرة طهران!!
وبذلك المعني فإن الوجود المصري لحماية مضيق باب المندب صار ملحاً كونه يتحكم في الملاحة الدولية منذ إفتتاح قناة السويس 1869، وفي حركة مرور السفن والتجارة الدولية، وهو الأمر الذي انتبهت إليه دول أخري مثل فرنسا والولايات المتحدة لا يجوز أن تكون هناك فيما نغيب نحن.
ثلاثون كيلو متراً هي التي تفصل رأس (منهالي) في اليمن، إلي رأس (سيان) في جيبوتي، وهي ما نعرفه بمضيق باب المندب، وقد عمدت القوي الكبري إلي إقامة قواعد قربه وحوله لأهميتة الإستراتيجية الكبري، فشيدت الولايات المتحدة الأمريكية قاعدة في جيبوتي علي الشاطئ الغربي للمضيق، في حين طورت فرنسا حضورها العسكري القديم في جيبوتي.
وجود مصر، والبحرية المصرية- بالذات- في مضيق باب المندب هو ضرورة إستراتيجية لا ينكرها إلا جاهل كبير، أو مغرض متآمر.
ولما كانت هناك أفضلية إستراتيجية لليمن في السيطرة علي المضيق لإمتلاكه جزيرة (بريم)، فإن اعتماد مصر علي (وجود) أو (نفوذ) لها في اليمن يعد أمراً منطقياً، لا يحتمل تردداً، أو تلكؤاً، وهو ما طبقته مصر حين أغلقت البحرية المصرية ذلك المضيق بالتنسيق مع اليمن في حرب 1973.
اليوم- ومع تهديد الحوثيين وإيران المصالح مصر الإستراتيجية في باب المندب- بات طبيعياً أن تسيطر مدافع الأسطول علي موانئ (المخا) و(المكلا) و(عدن)، لا بل وصار طبيعياً ما رددته بعض وكالات الأنباء عن إنزال بحري في بعض موانئ اليمن ورأيته عملاً مصرياً بامتياز، رغم عدم تأكيد تلك الأنباء أو نفيها.
• ثالثاً : مصر- الآن- جزء من قوة عربية مشتركة ألزمت نفسها في مقررات قمة شرم الشيخ الأخيرة بالتحرك لمواجهة الأخطار التي تحيق بأي من الدول العربية إذا طلبت ذلك، إذ أن النتائج الكارثية التي أسفرت عنها مؤامرة الربيع العربي، ومحاولات تفكيك الدول الوطنية في المنطقة صارت تقتضي اصطفافاً عربياً يشتبك ويتعامل مع القوي المتربصة بالمنطقة (إقليمية أو دولية)، ومن ثم فإن اليمن (بعد لبنان وسوريا والعراق) يعد واحداً من فضاءات المواجهة الرئيسية مع الغزو الفارسي الصفوي الإيراني، الذي لم يكتف المسلح عبر وكلائه في (حزب الله اللبناني) بسوريا ولبنان و(أنصار الله) في اليمن، و(عصائب أهل الحق وسرايا السلام وجيش المهدي) في العراق، ولكنه يتواجد الآن مباشرة بخبراء ومستشاري الحرس الثوري ورجال مخابرات فيلق القدس الذين يقودهم قاسم سليماني، ويفتخر حين يفشخ فيه مبتسماً في صور فوتوغرافية يلتقطها جنوده له في جبهات القتال علي الأرض العربية.
لا بل فضلاً عن كل ذلك فإن أذرع إيران الأخطبوطية امتدت إلي ما بعد اليمن لتحاول التشييع (أي نشر المذهب الشيعي) وبالذات في السودان ومصر، وهو ما دفع السعودية- منذ شهور- إلي الضغط لإغلاق المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم، أما في مصر فإن محاولة إيران فاشلة، لأن مدرسة الأزهر الشريف، ونموذجها مدرسة السلطان حسن، تدرس إلي جوار مذاهب الشافعي والمالكي وأبي حنيفة وابن حنبل من تراث السُنة، مذاهب الزيدية والجعفرية والإثنا عشرية وغيرها من تراث الشيعة، ولن يستطيع أحد المساس بهيمنة الأزهر علي الحالة الدينية في مصر، كما لن يكون هناك مدخل للتعرف إلي الفكر الشيعي إلا عبر مؤسسة الأزهر السنية !
مرة أخري .. مصر جزء من قوة عربية مشتركة، قررت التدخل في اليمن، وإذا كان هناك إختلاف في الرؤية بين القاهرة والخليج حول حالات أخري، فإن تأسيس القوة العربية أوضح أنها (توافقية مشتركة) وأن مشاركة أي دولة مرهونة بإدارتها الوطنية الفردية، إذ ربما تحجم عن المشاركة في عمل بسوريا- مثلاً- لأنها قد تري أن إسقاط نظام الأسد- اللحظة الراهنة- سيؤدي إلي تمكين (جبهة النصرة) وغيرها من الجماعات المتطرفة وحتي بعض الجماعات التي كان الأمريكيون يرونها معتدلة مثل (أحرار الشام) و(ألوية الحق) التي بدأت التحالف مع النصرة مؤخراً.
أما في اليمن فالموضوع مختلف، لأن هناك توافق إرادات كامل بين مصر والسعودية لا يؤثر عليه وضع الإخوان المسلمين كرقم في المعادلة اليمنية قرر أن يخوض الحرب ضد الحوثيين لأن هزيمة الحوثيين لا تعني تمكين الإخوان بينما هزيمة بشار الأسد تعني تمكين جبهة النصرة.
• رابعاً : ليس هناك تحد مذهبي من الحوثيين للحكومة اليمنية أو مظهر محلي للهلال الشيعي العابر للقارات، وإنما ما يجري هو اعتراض سياسي علي النظام، وتدخل إيراني عسكري للسيطرة، وتحالف قبلي وعائلي فرضته الظروف، وإنتهازية علي عبد الله صالح، الذي ظل يحارب الحوثيين مع علي محسن الأحمر لسنوات، حتي إنضم الحوثيون إلي المعترضين علي النظام في ميادين التغيير لصنعاء وعدن، وبعدها بدأت قصة تحالف صالح معهم ضد عبد ربه منصور هادي، إذ كانت النخبة العسكرية اليمنية مصدراً أساسياً لتسليح الحوثيين، ومن ثم استطاعت اجتذابهم لفكرة التحالف، وبخاصة أن الجيش اليمني صار- علي يد صالح- جيشاً عائلياً كل قياداته تنتمي إلي عائلة أو قبيلة الرئيس اليمني المخلوع.
دخول إيران علي الخط بدأ سواء بتصعيد إحساس الحوثيين بالمظلومية التاريخية، وإضطهاد الزيدين، وتأجيج كراهية مصر التي كانت تساند قبائل (حاشد) وعائلة الأحمر (الجمهوريين) ضد الزيديين (الملكيين أنصار الإمام البدر ومنهم عائلة الحوثي)، ثم بتسليح واسع المدي للحوثيين بعدما بدأوا نشاطهم السياسي الشامل في أعقاب رئاسة حسين بدر الدين الحوثي لمنتدي الشباب، ثم تولي أخاه عبد الملك الحوثي قيادة الحوثيين بعد مقتل حسين.
وصار للحوثيين قاعدة وجود في صعدة، ووفق نموذج تحرك الإسلام السياسي المتطرف في حالات كثيرة، تحركوا منها لتمديد سيطرتهم علي مناطق عديدة، وهكذا فعلت القاعدة في إقليم (سوات) في باكستان، وهكذا فعلت حماس بعد إنقلابها في غزة فهي تبحث عن تمديد سيطرتها علي الضفة كذلك، أو تأسيس (غزة الكبري) عبر التمدد في الأراضي المصرية، وهكذا فعل حزب الله اللبناني حين إستولي علي الضاحية الجنوبية في بيروت ثم تمدد ليسيطر علي الحالة السياسية والتشريعية عبر ما يسمي (الثلث المعطل)، لا بل وهكذا حاولت جماعة الإخوان الإرهابية في مصر حين سيطرت علي ميداني رابعة والنهضة لتتمدد منهما إلي مواقع أخري ربما في أكثر من بقعة في البلاد.
كل ذلك ينفي التحدي الحوثي المذهبي، ولكنه يؤكد التحدي الإيراني القومي والسياسي، وهو ما يفرض علينا مسئولية خاصة تدفعنا للتدخل في اليمن، لأن مصر هدف لإيران، وهكذا أعلن الملالي من آيات الله- لمرات عديدة- أنهم يستهدفون مصر كمقصد أساسي لتصدير الثورة، يعني الوجود في اليمن ضرورة للدفاع عن أنفسنا ولا يمكن مقارنته بالستينيات وإلا كان ذلك نوع من الخبل والبلاهة في أعلي تجلياتهما.
• خامساً : من لا يريدون لمصر أن تضطلع بمسئولياتها القومية أو واجباتها في صون أمنها القومي، أو الدفاع الشرعي عن نفسها، يحاولون عبر تيارات الرغي والثرثرة والشائعات تخويف الشعب وردع مصر أن تكون كبيرة.
وهم يستغلون- في هذا الإطار- ما يمكن وصفه بأنه (عقدة تاريخية) صعدتها القوي الدولية والإقليمية ضد كل ما فعله جمال عبد الناصر، لابل وصعدته وعظمته قوي داخلية معادية تواصلت حروبها ضد نظام عبد الناصر، سواء كانوا الإخوان الإرهابيين الذي كانت مؤامرة سيد قطب 1965 إحدي تجليات نشاطهم ضد ناصر، وكذلك ما أعلنه ذلك الزعيم بنفسه في ذات التوقيت من أن هناك 11 إذاعة سرية ضد مصر يردد أنبائها وتقاريرها لوُبي من أعداء الثورة ينتشر في كل مكان، فضلاً عن ضغط أمريكا للتفتيش علي المفاعل النووي بأنشاص او منع المعونة عن مصر، وقضية جاسوسية مصطفي أمين لصالح أمريكا، ثم الحلف الإسلامي 1966، والذي رآه عبد الناصر موجهاً ضد نظامه.
كان الضجيج الذي سببته الحرب الإعلامية والدعاية السوداء والحرب النفسية ضد نظام جمال عبد الناصر، يستهدف صناعة (عقدة نفسية تاريخية) تلزم مصر حدودها وتجبرها علي أن تكون (صغيرة) وتمتنع عن حماية (مجال) أمنها القومي، وعدم الاكتفاء بحماية (حدود) الدولة.
الموضوع يشبه العقدة النفسية التاريخية التي أجبرت دول الحلفاء كل من ألمانيا واليابان علي العيش فيها بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تم تحجيم فكرة بناء أي من الدولتين لقوة عسكرية معقولة، إلي حد المنع تقريباً، ولكن تمرد مصر علي العقدة النفسية التاريخية كان واجباً إلزامياً، لأنه حتي اليابان وألمانيا تمردتا- تحت ضغط الظرف والسياق والحاجة والضرورة- علي العقدة النفسية التاريخية، ورأينا أنجيلا ميركل تتحصل من مجلس الوزراء الألماني علي قرار يفرض توسيع الدور الذي تلعبه القوات الألمانية، كنتيجة للتغيرات الجذرية التي تشهدها البيئة الأمنية مثل نمو الإرهاب، وانتشار أسلحة الدمار الشامل، لابل وعلي نحو يتساوق مع الدعم المالي الكبير الذي تقدمه ألمانيا إلي حلف الناتو، وإلي المؤسسات الدفاعية في الإتحاد الأوروبي مثل (جيش أوروبا).
أما اليابان فقد قامت بتعديل مادة في الدستور تسمح لها بتطوير قوتها النووية، وحجم قواتها، حين واجهت الخطر الذي تمثله كوريا الشمالية بقوتها النووية المتنامية باضطراد، وحين صارت اليابان جزءاً من حلف يضم الولايات المتحدة وأستراليا والهند وكوريا الجنوبية، جعل مهمته القادمة هي الصراع في الباسيفيك لمواجهة تأثير الصين الشعبية وكوريا الشمالية.
إذن تحرر الآخرون من عقدهم النفسية حين فرضت ضرورات أمنهم ذلك، فيما تحاول النخبة المثقفة الجاهلة والعميلة أن تعيد مصر إلي أسر عقدة نفسية تاريخية، تجعل من اسم اليمن (تابو) محرم لا يجوز لنا ملامسته، أو محاولة حماية أمننا القومي فيه، وتأكيد وتعزيز دورنا في الحفاظ علي أمتنا، لا بل هم يحاولون- عبر إذكاء طقس العقدة النفسية التاريخية من اليمن- أن يخيفوا مصر والمصريين من أي تحرك في غير اليمن لذات الأغراض والمقاصد!!