الإثنين 29 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الفتوحات التي تشبه الهزائم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لم يهنأ الشعب العربي على مدار سنواته الأخيرة بخبر يسُر القلب، ولم يسعد بكوب ماء بارد يبل ريقه، سنوات من اللهاث والغضب والدم، سنوات تبذل كل ما في جوفها من حقارة لترسم خارطة جديدة للعالم العربي، ولأن الخارطة المستهدفة خارطة طائفية في جوهرها، فقد سالت أنهار من الدماء لتحاول البقاء على الملامح الباهتة للدولة الوطنية التي عاشوا فيها عقود، والتي يسعى المخلصون من أبنائها لتطويرها نحو دولة مدنية حديثة.
وجاءت عاصفة الحزم مؤخرًا في ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فعندما يُعلن حزب الإصلاح اليمني، المعروف بأنه صوت الإخوان المسلمين باليمن، في بيان رسمي دعمه لحزم العاصفة التي تصب جام غضبها على الحوثيين وأنصار صالح، فكأن الإخوان ليسوا أقل شرًا من فساد صالح وطموحات الحوثيين، وجاء إعلانهم صباح أمس ليؤكد ما حذرنا منه في مقالنا السابق، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، بيان حزب الإصلاح اليمني تزامن مع هجوم من أبناء عمومتهم بمصر على خمسة أكمنة للجيش المصري، واستشهد برصاصهم شباب ومجندون مثل الورد، فكيف أثق في أن ما يحدث في عدن من تقدم لعاصفة الحزم هو فتح ثوري؟ وكيف أصدق أن الغد القادم سيحمل أحلام الناس على كتفيه ويحققها لهم.
مثال آخر، تقدم الجيش العراقي مسنودًا من قوات الحشد الشعبي نحو تكريت ليحررها من الدواعش القتلة، وما إن حطت الحرب أوزارها هناك، وفرحنا بالعلم العراقي يرفرف على المباني الحكومية بتكريت حتى صدمتنا قوات الحشد الشعبي بحرق الأخضر واليابس على الأرض من خلال عمليات قتل ممنهجة وحرق للبيوت ليؤكد لكل عاقل أن قوات الحشد هي الوجه الآخر من عملة داعش، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، هنا خذ الخط على استقامته لو سمحت وحدثني عن الرابط الفكري بين الحشد الشعبي بالعراق والحوثيين باليمن، أعتقد وأتمنى أن أكون مخطئًا أنه لا فارق.
ولأن الشيء بالشيء يُذكر نجد على الجبهة السورية أفراحًا سعودية منصوبة لقيام جبهة النصرة باحتلال إدلب وإعلان الجبهة عن تطبيق الشريعة فيها وأنها ستكون عاصمة للحكومة الموازية المقيمة الآن في تركيا، تلك الأفراح الداعشية التي تحاول تغييب عاصمة عظيمة مثل دمشق هي ذاتها التي بكت دمًا بدلًا عن الدموع عندما سقطت صنعاء، تلك الازدواجية في المعايير تؤكد الخلل الكبير في التعاطي مع الأحداث الجارية على الساحة العربية.
وعلى ذلك ننظر بعين جادة نحو الجيوش العربية في الدول الأربع العراق وسوريا واليمن ومصر، لنجد أن مفهوم الجيش الوطني يتجلى بوضوح في عمليات الجيش المصري، فيخوض حربه دون هوادة ضد التكفيريين بسيناء مدعومًا من بسطاء الناس ويدفع الأثمان من دماء جنوده الفقراء التي يقدمونها لوطنهم عن طيب خاطر، فليست مُصادفة أن يتم استقبال الشهداء من الجنود في قراهم بالزغاريد والفخر، يمضي الجيش المصري في مسيرته وقد خذلته شريحة من المثقفين المرضى، ولأن تأثيرهم في المجتمع لا يتعدى سخونة المقعد الجالسين عليه، فالمسيرة تتقدم ولكن يبقى في الحلق غُصة.
الجيوش الأربعة في مفترق طرق، وسيحدد مصيرها مدى انحيازها لشعوبها، فالمستقبل لا يعرف الميليشيا، ولا يعرف الطائفية، المؤكد هو أن الدولة الوطنية ذات السيادة التي تعرف المواطنة والاستقلال والحداثة هي الأمل وهي الهدف المنشود، والمؤكد أيضًا هو أن دول الاستعمار الجديد لن تترك بلداننا في حالها لتقرر مصيرها بيديها، ستزيد التدخلات وتتعقد الأمور وترتبك الخرائط وسنقرأ يوميًا عن انتصارات جريحة مهزومة وفتوحات بليدة، لن تتوقف تلك الصورة إلا بعد اتساع الرؤية وضيق العبارة.