إعداد: أحمد صوان
إشراف: سامح قاسم
"أي شهرة وأي ذيوع يُريده المثقف؟.. هل يرغب في أن يكون نجمًا سينمائيًا مجرد ظهوره يُثير شهية القراء؟، أم أن أعماله وقيمة ما يكتبُه هي التي تحقق له ما يريد؟! هذا ما أفهمه وأعمل على أساسه"..
رُبما لا يعرف الناس الكثير عن الأديب والمُبدع مجيد طوبيا، فهو نفسه كان رافضًا للشهرة ومُبتعدًا عن الأضواء مُتفرغًا لإبداعه، يجلس دائمًا في صمت مُمسكًا بقلمه، بينما يتحدث الجميع عن إبداعاته، والتي تم اختيارها من أهم الأعمال الأدبية والفنية في التاريخ.
ولد مجيد طوبيا في الخامس والعشرين من مارس عام 1938 بمحافظة المنيا في صعيد مصر، حيث بدأت رحلته الإبداعية مع أول كتاب، حيث أول ما قرأ كان موسوعة مصر القديمة التي كتبها المؤرخ سليم حسن، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عامًا.
حصل طوبيا على بكالوريوس رياضة وتربية من كلية المعلمين بالقاهرة عام 1960، وعمل مُدرسًا للرياضيات؛ إلا أنه لم يجد نفسه في هذا، بالتحق بقسم السيناريو بمعهد السينما ليحصل على الدبلوم عام 1972، مُتبعًا إياه بدبلوم الدراسات العليا من المعهد السينما في الإخراج في العام نفسه، وتوّسع في القراءات مُعتبرًا سور الأزبكية والكتب التي تُباع هُناك بنصف الثمن كنزه الحقيقي، وما لبث أن تفرّغ للكتابة، وكان عشقه للسينما يجعله يُشاهد ثلاثة أفلام أسبوعيًا على الأقل، وكذلك اهتم بالمسرح ومُتابعته، فشاهد العديد من المسرحيات إبان النهضة المسرحية التي شهدتها فترة الستينات مثل مسرحيات سعد الدين وهبة، لطفي الخولي، ميخائيل رومان، والفريد فرج.
صدرت لطوبيا سبع روايات هم "دوائر عدم الإمكان"، "الهؤلاء"، "أبناء الصمت"، "غرفة المصادفة الأرضية"، "حنان"، "عذراء الغروب"، ورباعتيه الشهيرة "تغريبة بني حتحوت" بأجزائها إلى بلاد الشمال، وإلى بلاد الجنوب، وإلى بلاد البحيرات، وإلى بلاد سعد، وكتب قصتين للأطفال هما "مغامرات عجيبة، و"كشك الموسيقي"، ومسرحية هزلية هي "بنك الضحك الدولي"، كذلك له أربعة دراسات هي "غرائب الملوك ودسائس البنوك"، "التاريخ العريق للحمير"، "ديانا ومونيكا"، و"عصر القناديل" التي كتبها عن يحيى حقي وعصره؛ كذلك كتب قصص ثلاثة أفلام روائية هي "حكاية من بلدنا" وأخرجه حلمى حليم، "قفص الحريم" وأخرجه حسين كمال، و"أبناء الصمت" الذي أخرجه محمد راضي، وتم اختياره ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
استلهم طوبيا من التراث المصري المُعتمد على الحكي شكل روائي جديد في أعماله، فكان سرد الأحداث في روايته "تغريبة بني حتحوت" مُشابها لما في كتب التاريخ والسير الشعبية وألف ليلة، فكان يسرد في خط مستمر للأمام دون الحديث عن الماضي، مصورًا في الرواية التي تدور أحداثها في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، عبر فكرة تُشبه الرحلة المُقترنة بالنبوءة، أحوال مصر في تلك الفترة التي حدثت فيها تحولات حاسمة من أيام المماليك حتى قيام دولة محمد على عبر ثلاثة أجيال من أسرة حتحوت، لكنها تتخطى الفترة التاريخية التي قضى طوبيا ستة أعوام في تحقيق مادتها العلمية، وتصبح واقعًا أدبيًا لأبناء الحاضر يعيشونه باعتباره جزءًا من ماضيهم.
وإذا ما تحدثنا عن "تغريبة بني حتحوت" التي صدرت عام 1988، وتم نشرها مُسلسلة في جريدة الأهرام، نجدها تعُبّر عن دأب وإصرار ذلك الجيل الذي مزقته الأيام، ونهشت وجدانه هزيمة يونيو 1967، فاتجه أبناؤه في جملتهم إلى التراث يغوصون فيه ويستلهمون منه المثل، فكانت الرواية نموذج لجهاد مُبدع أصّر على كتابة رواية مصرية خالصةتنبع من التراث والحضارة المصرية وتُنير سبيل المستقبل، فكانت نموذج ومثال على قدرة الكاتب الاستفادة من الفنون السردية المختلفة، ومحاولة إبداع شكل روائي جديد، فكانت مزيجًا بين الرواية الأدبية والسيرة شعبية والتاريخية.
كان الحاضر عند طوبيا وفي كتاباته ليس إلا نتيجة لتراكمات سلسلة مُتتالية من الأحداث الماضية، وكان يراها مثل تراكُمات طبقات الأرض الجيولوجية واحدة وراء الأخرى، أيضا كانت الأزمنة والأمكنة مُتشابكة من خلال عشرات التفاصيل الصغيرة التي تكّون في النهاية الصورة الكاملة، وتتقابل هذه التفاصيل أحيانًا، لتُقدم في النهاية اللحظة المتكاملة في وعي القارئ كما يراها طوبيا.
طوّر طوبيا أسلوبه في القصة القصيرة بشكل واضح، فكان يُحاول ألا يتشابه مع غيره، أو يُكرر نفسه أو أسلوبه؛ وتفادى بشكل كبير مساوئ بكارة مرحلتي التجربة والاحتراف مُحتفظًا بمزايا كلاهما، فتضافرت الموهبة مع الخبرة لديه لتحقيق توازن دقيق لهذه المعادلة الصعبة، وحاول في كتاباته استيعاب اللحظة، والسيطرة عليها، والإمساك بها من خلال عشرات اللقطات المتحركة في أكثر من زمان ومكان؛ وفي الوقت نفسه كسر طريقة السرد المُعتادة ليستعيض عنها بطريقته الخاصة.
ورغم إبداعه المُتميز، فضّل طوبيا الابتعاد عن التجمعات الثقافية، والتي وصفها بأنها "لا يدور فيها نقاشات ثقافية جادة"، مُبتعدًا عن القضايا عديمة القيمة والفائدة، أو القضايا المُكررة التي سبق وأن ناقشها المثقفون، مُفضلًا التفرغ للإبداع فقط.
حصل طوبيا على جائزة الدولة التشجيعية في القصة عام 1979، ونوقشت رسائل علمية عن أعماله بأكثر من لغة في جامعة المنيا، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، جامعة السوربون، إكس إن بروفانس، روما، نابولى، وجامعة وارسو؛ كما أُختيرت رواية طوبيا "تغريبة بني حتحوت" ضمن أفضل ألف رواية عربية في القرن العشرين، كما أُختير فيلم "أبناء الصمت" المأخوذ عن قصته ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
إشراف: سامح قاسم
"أي شهرة وأي ذيوع يُريده المثقف؟.. هل يرغب في أن يكون نجمًا سينمائيًا مجرد ظهوره يُثير شهية القراء؟، أم أن أعماله وقيمة ما يكتبُه هي التي تحقق له ما يريد؟! هذا ما أفهمه وأعمل على أساسه"..
رُبما لا يعرف الناس الكثير عن الأديب والمُبدع مجيد طوبيا، فهو نفسه كان رافضًا للشهرة ومُبتعدًا عن الأضواء مُتفرغًا لإبداعه، يجلس دائمًا في صمت مُمسكًا بقلمه، بينما يتحدث الجميع عن إبداعاته، والتي تم اختيارها من أهم الأعمال الأدبية والفنية في التاريخ.
ولد مجيد طوبيا في الخامس والعشرين من مارس عام 1938 بمحافظة المنيا في صعيد مصر، حيث بدأت رحلته الإبداعية مع أول كتاب، حيث أول ما قرأ كان موسوعة مصر القديمة التي كتبها المؤرخ سليم حسن، وكان عمره آنذاك أربعة عشر عامًا.
حصل طوبيا على بكالوريوس رياضة وتربية من كلية المعلمين بالقاهرة عام 1960، وعمل مُدرسًا للرياضيات؛ إلا أنه لم يجد نفسه في هذا، بالتحق بقسم السيناريو بمعهد السينما ليحصل على الدبلوم عام 1972، مُتبعًا إياه بدبلوم الدراسات العليا من المعهد السينما في الإخراج في العام نفسه، وتوّسع في القراءات مُعتبرًا سور الأزبكية والكتب التي تُباع هُناك بنصف الثمن كنزه الحقيقي، وما لبث أن تفرّغ للكتابة، وكان عشقه للسينما يجعله يُشاهد ثلاثة أفلام أسبوعيًا على الأقل، وكذلك اهتم بالمسرح ومُتابعته، فشاهد العديد من المسرحيات إبان النهضة المسرحية التي شهدتها فترة الستينات مثل مسرحيات سعد الدين وهبة، لطفي الخولي، ميخائيل رومان، والفريد فرج.
صدرت لطوبيا سبع روايات هم "دوائر عدم الإمكان"، "الهؤلاء"، "أبناء الصمت"، "غرفة المصادفة الأرضية"، "حنان"، "عذراء الغروب"، ورباعتيه الشهيرة "تغريبة بني حتحوت" بأجزائها إلى بلاد الشمال، وإلى بلاد الجنوب، وإلى بلاد البحيرات، وإلى بلاد سعد، وكتب قصتين للأطفال هما "مغامرات عجيبة، و"كشك الموسيقي"، ومسرحية هزلية هي "بنك الضحك الدولي"، كذلك له أربعة دراسات هي "غرائب الملوك ودسائس البنوك"، "التاريخ العريق للحمير"، "ديانا ومونيكا"، و"عصر القناديل" التي كتبها عن يحيى حقي وعصره؛ كذلك كتب قصص ثلاثة أفلام روائية هي "حكاية من بلدنا" وأخرجه حلمى حليم، "قفص الحريم" وأخرجه حسين كمال، و"أبناء الصمت" الذي أخرجه محمد راضي، وتم اختياره ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.
استلهم طوبيا من التراث المصري المُعتمد على الحكي شكل روائي جديد في أعماله، فكان سرد الأحداث في روايته "تغريبة بني حتحوت" مُشابها لما في كتب التاريخ والسير الشعبية وألف ليلة، فكان يسرد في خط مستمر للأمام دون الحديث عن الماضي، مصورًا في الرواية التي تدور أحداثها في نهاية القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، عبر فكرة تُشبه الرحلة المُقترنة بالنبوءة، أحوال مصر في تلك الفترة التي حدثت فيها تحولات حاسمة من أيام المماليك حتى قيام دولة محمد على عبر ثلاثة أجيال من أسرة حتحوت، لكنها تتخطى الفترة التاريخية التي قضى طوبيا ستة أعوام في تحقيق مادتها العلمية، وتصبح واقعًا أدبيًا لأبناء الحاضر يعيشونه باعتباره جزءًا من ماضيهم.
وإذا ما تحدثنا عن "تغريبة بني حتحوت" التي صدرت عام 1988، وتم نشرها مُسلسلة في جريدة الأهرام، نجدها تعُبّر عن دأب وإصرار ذلك الجيل الذي مزقته الأيام، ونهشت وجدانه هزيمة يونيو 1967، فاتجه أبناؤه في جملتهم إلى التراث يغوصون فيه ويستلهمون منه المثل، فكانت الرواية نموذج لجهاد مُبدع أصّر على كتابة رواية مصرية خالصةتنبع من التراث والحضارة المصرية وتُنير سبيل المستقبل، فكانت نموذج ومثال على قدرة الكاتب الاستفادة من الفنون السردية المختلفة، ومحاولة إبداع شكل روائي جديد، فكانت مزيجًا بين الرواية الأدبية والسيرة شعبية والتاريخية.
كان الحاضر عند طوبيا وفي كتاباته ليس إلا نتيجة لتراكمات سلسلة مُتتالية من الأحداث الماضية، وكان يراها مثل تراكُمات طبقات الأرض الجيولوجية واحدة وراء الأخرى، أيضا كانت الأزمنة والأمكنة مُتشابكة من خلال عشرات التفاصيل الصغيرة التي تكّون في النهاية الصورة الكاملة، وتتقابل هذه التفاصيل أحيانًا، لتُقدم في النهاية اللحظة المتكاملة في وعي القارئ كما يراها طوبيا.
طوّر طوبيا أسلوبه في القصة القصيرة بشكل واضح، فكان يُحاول ألا يتشابه مع غيره، أو يُكرر نفسه أو أسلوبه؛ وتفادى بشكل كبير مساوئ بكارة مرحلتي التجربة والاحتراف مُحتفظًا بمزايا كلاهما، فتضافرت الموهبة مع الخبرة لديه لتحقيق توازن دقيق لهذه المعادلة الصعبة، وحاول في كتاباته استيعاب اللحظة، والسيطرة عليها، والإمساك بها من خلال عشرات اللقطات المتحركة في أكثر من زمان ومكان؛ وفي الوقت نفسه كسر طريقة السرد المُعتادة ليستعيض عنها بطريقته الخاصة.
ورغم إبداعه المُتميز، فضّل طوبيا الابتعاد عن التجمعات الثقافية، والتي وصفها بأنها "لا يدور فيها نقاشات ثقافية جادة"، مُبتعدًا عن القضايا عديمة القيمة والفائدة، أو القضايا المُكررة التي سبق وأن ناقشها المثقفون، مُفضلًا التفرغ للإبداع فقط.
حصل طوبيا على جائزة الدولة التشجيعية في القصة عام 1979، ونوقشت رسائل علمية عن أعماله بأكثر من لغة في جامعة المنيا، الجامعة الأمريكية بالقاهرة، جامعة السوربون، إكس إن بروفانس، روما، نابولى، وجامعة وارسو؛ كما أُختيرت رواية طوبيا "تغريبة بني حتحوت" ضمن أفضل ألف رواية عربية في القرن العشرين، كما أُختير فيلم "أبناء الصمت" المأخوذ عن قصته ضمن أفضل مائة فيلم في تاريخ السينما المصرية.