إن ما يحدث في اليمن اليوم يستدعي إلى الذاكرة التدخل المصري في اليمن في بداية الستينات من القرن الماضي تلك الخطوة التي هوجم عليها عبد الناصر وسواء اتفقنا أو اختلفنا بشأن هذا التدخل فإنه كان يعبر عن إدارك الرجل لأهمية استقرار الدولة اليمنية لأنه يعكس استقرارا لجنوب الجزيرة العربية من جهة ويؤمن المدخل الجنوبي للبحر الأحمر من جهة أخرى وهذا الأخير جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري.
الموقف مختلف اليوم عن الستينات لأنه أصبح أكثر تعقيدا لتورط أطراف عدة في اليمن سواء كانت إقليمية أو دولية وقد ساعد على تكريس الوضع الكارثي في اليمن طبيعة التكوين العرقي والقبلي لليمنيين أنفسهم رغم أن الشعب اليمني يتميز بإنه شعب طيب ومتواضع لديه ميل طبيعي للعروبة والانتماء القومي العربي وقد لمست هذا عندما زرت اليمن عام 2001 خلال الاحتفال بالعيد القومي ولكني لاحظت أمورا أثارت لدي بعض علامات الاستفهام رغم أن هذه الزيارة تمت في أوج حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وفي غمرة الفخر بتوحيد شمال وجنوب اليمن !!
الملاحظة الأولى .. ارتفاع نسبة الفقر في البلاد لاسيما عدن حيث وجدت ظاهرة ما يسمى ب Homeless أو وجود عدد كبير من المشردين هذا يتم رغم أن اليمن تجاور دول من مجلس التعاون الخليجي التي تتميز بالرفاهة الاقتصادية !!
الملاحظة الثانية .. رغم الفقر المدقع الذي انحدر بقيمة العملة اليمنية الريال نجد نسبة كبيرة من الدخل الفردي يتم توجيهة في استهلاك نبات " القات " وهو نبات مخدر مسموح به وفي فترات معينة من اليوم يتوقف وقع الحياة نتيجة تعاطي هذا المخدر الذي يتم من خلال مايسمى جلسات التخزين وبغض النظر عن هذا جزء من الموروث الاجتماعي للمجتمع اليمني إلا أنه يؤثر بلا شك على إنتاجية المواطن اليمني بما يؤثر بالسلب في اقتصاد الدولة.
الملاحظة الثالثة، انتشار المظاهر المسلحة في شوارع العاصمة صنعاء وفي أهم المدن مثل تعز وعدن بمعنى وجود أسلحة في أيدي المواطن العادي لدرجة أني وجدت صبية يقفون في اشارات المرور يعرضون على السيارات المارة بيع مسدسات وبنادق طبعا هذا بالإضافة الى الأسلحة البيضاء حيث يعتبر الخنجر اليمني مظهرا من مظاهر الوجاهة السياسية والاجتماعية !!
لاشك أن هذه الملاحظات قد شكلت لي علامات تعجب واستفهام في آن واحد وكانت مبعثا للقلق على وحدة الدولة اليمنية لاسيما أن اليمن ليست فقط المدن الرئيسية إنما اليمن محافظات ممتدة في كل الاتجاهات تسيطر عليها قبائل والأخطر ليس فقط في التقسيم العرقي ولكن في تكريس الصراع الطائفي من خلال التشيع حيث تقف إيران وهى طرف إقليمي مهم إلى جانب المتمردين الحوثيين ضد السلطة الشرعية المتمثلة في حكم الرئيس عبد رب النبي منصور هادي الذي ترك صنعاء للحوثيين ولجأ إلى عدن في محاولة لملمة النظام المتداعي لكن فيما يبدو أن أحلام السلطة مازالت تداعب الرئيس السابق علي عبد الله صالح فيصبح الحليف الرئيس للمتمردين الحوثيين وهكذا نجد أن الأزمة اليمنية تأخذ بعدا آخر يتمثل في الصراع السياسي بين هادي وصالح ما يعد جانبا صراعيا يزيد من تعقيد الوضع الكارثي باليمن ويشد إلى منزلق خطير يرشح اليمن لكي تسير على نهج النموذج الصومالي .
ما تقدم تصبح اليمن في الجنوب العربي وسوريا ومن قبلها العراق في الشمال بؤر توتر تعصف بالاستقرار الإقليمي الذي بشر به الربيع العربي منذ 2011 فهل تفعل القمة العربية القادمة شيئا لمنع انزلاق الشعوب العربية لاسيما في اليمن إلى هاوية ما بعد الربيع !!