الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

السعودية التي لا يعرفها نبيل العربي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أتابع - منذ عقود - ما يسمى حركات اليسار الجديد التي تضم ثالوث (مناهضو العولمة والخضر وممثلو حقوق الإنسان)، وأعرف أن ذلك الثالوث نجح في تسويق نفسه وسط قطاعات الرأي العام في بلدان أوروبا (بالذات)، وفي تحصل موطئ قدم سياسي، يتعزز ويتعمق باستمرار سواء في المؤسسات الحزبية أو التشريعية (الوطنية) أو(القارية).
ويعد الملمح الرئيسي في أنساق اليسار الجديد، تولي جيل صاعد - متوسط العمر - مراكز القيادة فيه، وهو جيل جيد التعليم، ومؤمن بأفكار السلام، ومناهضة الحروب، وقد كان توني بلير رئيس وزراء بريطانيا السابق، وأحد أقطاب التحديثيين الذين طوروا قيم حزب العمال، وبالتالي المشهد السياسي البريطاني كله بدءًا من 1995، هو واحد من طلائع اليسار الجديد، واشتهر بقيامه (شابًا) بافتراش الأرض أمام القواعد الذرية البريطانية ومطالبته بنزع السلاح النووي.
وفي عام 1997 صعد بلير إلى منصب رئيس الوزراء، وتبعه رهط من الزعماء الشبان في بلاد أوروبا، كلهم من أنصار (اليسار الجديد)، وبما شكل موجة ذات ملامح واضحة في القارة العجوز.. وبمرور الوقت صار البرلمان الأوروبي واحد من المؤسسات التي يهيمن عليها بقوة ذلك اليسار الجديد، بكل ما تفرضه تلك الهيمنة من إلزامات أحدها - قطعًا - حقوق الإنسان، ولكن قدرًا هائلًا من المغالطات والالتباسات والمعايير المزدوجة حول حقوق الإنسان سكن جسم ذلك التحول، فصارت الاتهامات بانتهاك حقوق الإنسان توجه إلى بلدان بعينها (سياسيًا) بغرض استهدافها بالعقوبات الدولية، أو اتخاذها ذريعة للتدخل والهيمنة على بلاد أخرى وتوجيه سياساتها.
وأذكر قبيل اعتلاء حزب العمال الجديد للسلطة عام 1997، أن حضرت مؤتمره السنوي في مدينة برايتون الساحلية (مائة ميل جنوب لندن)، والمعروف أن فعاليات ونشاطات مثل تلك المؤتمرات تنقسم إلى: (الجلسات العامة لمؤتمر الحزب وتعقد في القاعة الرئيسية للمؤتمرات في المدينة التي اختارها الحزب لاجتماعاته) و(جلسات الاجتماعات الهامشية الإضافية Fring-meetings التي تنعقد في عدد من القاعات الفرعية بمباني المدينة تحت رعاية بعض مؤسسات المجتمع المدني أو الشركات الكبرى أو تحالفات بينها).
وكان من الطبيعي أن تكون تلك الاجتماعات الإضافية مرتعًا لقوى اليسار الجديد، بكل ما يلتبسها من فهم موجه ومغلوط لمسألة حقوق الإنسان، وقد ذهبت إلى أحدها (وقد نظمه اتحاد المدرسين البريطانيين) ووجدته يناقش دعوة لمنع تصدير أدوات معينة - مصنوعة في بريطانيا - إلى السعودية بدعوى أنها تستخدم في تعذيب المعتقلين، وبالترافق مع المحاضرة والمناقشة في الاجتماع، عرض المنظمون فيلمًا تمثيليًا يحاول التدليل على ما ورد فيه من ادعاءات على المملكة.
ونلاحظ - كذلك - أن معظم الاتهامات الملفقة لمصر بانتهاك حقوق الإنسان إنما تأتي من البرلمان الأوروبي أو من بعض المنظمات الأهلية الحقوقية الدولية، وهي - كلها - كيانات تسيطر عليها قوى اليسار الجديد، واستخدمت تلك الاتهامات في التآمر على مصر، ومحاولة تقويض الدولة منذ عملية يناير 2011 وحتى اللحظة، بتحريض ودفع من الولايات المتحدة وبعض المنظمات اليهودية ذات الصلة بها.
ثم - أخيرًا - كنا في مواجهة حادث يستوجب التحقيق والتمحيص - في ذلك الإطار - وأعني به تصريحات مارجو والستروم وزيرة خارجية السويد ضد المملكة العربية السعودية، التي تتهم فيها المملكة بممارسات فيها انتهاك لحقوق الإنسان، الأمر الذي أغضب الرياض فقررت رفض حضور الوزيرة إلى مجلس وزراء الخارجية العرب وإلقائها كلمة، كما منعت حصول رجال الأعمال والمستثمرين السويديين على تأشيرات دخول للمملكة، وصار خطر كبير يتهدد الصادرات السويدية للسعودية (تبلغ 15 مليار دولار سنويًا)، بل وبات تحالف (الخضر والحمر/البيئيون والاشتراكيون) الذي يحكم السويد في اهتزاز هائل بسبب موقف مارجو والستروم، الذي عرض للخطر شركات الأسهم السويدية التي تمثل حركة مدخرات السويديين.
الموضوع تطور بعد الموقف القوي للسعودية، والذي عضدت الرياض فيه ستين دولة (يعني ثلث الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، إذ وقفت مارجو والستروم أمام لجنة في البرلمان السويدي لتواجه عاصفة من النقد بسبب خطيئتها السياسية ضد السعودية، وراحت تتراجع - أمام الضغط - بلا نظام، وتتحدث عن السعودية بوصفها الدولة (ذات الدور المحوري في محاربة الإرهاب) أو الدولة (الحيوية في الحفاظ على استقرار المنطقة).
ولكن بقي أن تعرف السيدة والستروم حدود الدور الذي تلعبه المملكة العربية السعودية في عمليات الإغاثة ومكافحة الفقر على النطاق الكوني، وهو ما يفضي (على نحو مباشر) إلى إقرار (حقوق الإنسان) ومعاونة فقراء هذا الكوكب الذي نعيش فيه على مواجهة الفقر أو الكوارث أيًا كان نوعها.
وإذا كانت مارجو والستروم لا تعرف حدود الدور الذي تلعبه المملكة ورعاية حقوق الإنسان، أو تبرعها السخي والمغدق للمنظمات الدولية ذات الصلة، فإن عذرًا واحدًا لا يمكن التماسه لنبيل العربي الأمين العام لجامعة الدول العربية، الذي قام بتوجيه دعوة إلى مارجو والستروم وزيرة خارجية السويد على خلفية اعتراف السويد بالدولة الفلسطينية، ودعاها لإلقاء خطاب أمام مجلس وزراء الخارجية العرب، وهو ما قطعت عليه السعودية الطريق بإعلان الرياض رفضها حضور الوزيرة السويدية إلى جامعة الدول العربية.
وفيما يبدو فإن نبيل العربي لم يعرف بتصريحات مارجو والستروم حين دعاها، أو أنه لا يدرك الوزن والأرجحية الذي تمثله المملكة العربية السعودية في محيطها الإقليمي أو في العالم على اتساعه، أو هو متأثر بآراء صهره محمد حسنين هيكل الذي كان يصف المملكة - على امتداد تاريخه - بأوصاف تشبه بعض ما كان الجاسوس البريطاني لورانس العرب يسطره - في أوراقه الخاصة - فكأن السعودية ليست إلا مجالس لرجال قبائل يشربون القهوة المُرة ويمكن - بسهولة - خداعهم والضحك عليهم، أو أن نبيل العربي يميل - بالطبيعة - إلى تبني آراء قوى اليسار الجديد في أمريكا والغرب ضد السعودية كمبرر للتدخل ومحاولة هدم وتقويض الدول، لأن تلك هي القوى التي دفعت إلى وحرضت على عملية يناير 2011، والتي كان نبيل العربي وكانت قطر (قِبلته السياسية) ركيزتين أساسيتين لها.
نبيل العربي - ربما - بالخجل من ضيفته السويدية حين جاءت إلى القاهرة لحضور مجلس وزراء خارجية الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية، وبنفس ذلك الشعور بالانسحاق الذي يحسه البعض إزاء الأجانب، وبخاصة إذا كانوا من القوى الداعمة لما يسمى الربيع العربي، قرر الأمين العام لجامعة الدول العربية أن يجامل الوزيرة السويدية على حساب العرب، وعلى حساب المملكة العربية السعودية، فقامت الرياض (عمليًا) بتلقينه درسًا عن حجمها ووزنها، وعن أن هناك في الحياة أشياء أخرى غير قطر، ورفاق يناير، وهي كلها أشياء - قطعًا - أهم.