تناولنا في المقال السابق السيناريوهات المحتملة لجماعة الإخوان، وقلنا إن احتمالية السيناريو الأول هو حل الجماعة والإبقاء على الحزب أو العكس. والسيناريو الثاني هو استمرار الوضع القائم للجماعة. أما السيناريو الثالث، فيتعلق بما يسمى “,”الفوضى غير الخلاقة“,”، خاصة مع اتباع الجماعة سياسة “,”الأرض المحروقة“,” أو “,”الأواني المستطرقة“,” بانتشار الحرب الأهلية غير المعلنة.
ويقوم هذا السيناريو على حجة أساسية، هي أن تتجه الأوضاع نحو مزيد من التدهور بصورة تؤدي إلى انتشار حالة من الفوضى والعنف، وخلق احتجاجات عشوائية للتأكيد على وجود أزمة اجتماعية وسياسية عميقة داخل المجتمع، وفي هذا الإطار ستحاول الجماعة استغلال هذه الأحداث والانقضاض مرة ثانية على السلطة بحجة استراد السلطة المسلوبة منها، فهي -من وجهة نظرهم- التي أتت عبر صناديق الانتخابات، ولم تتح لها الفرصة كاملة في الحكم.
ويمكن القول إن تحقيق هذا السيناريو صعب للغاية؛ لأن الشعب المصري سيقف بكل قوة بجانب قواته المسلحة والأجهزة الشرطية لإحباط هذا السيناريو، ولن يتركوا لهذه الجماعة فرصة مرة ثانية للعبث بأمن الوطن والمواطن، خاصة وأنهم تعلموا الدرس جيدًا من ثورة 25 يناير، ودفعوا فاتورة كبيرة من الشهداء وحرق العديد من منشآته الحيوية، فلأول مرة في التاريخ يدفع الشعب المصري فاتورة بقاء الدولة المصرية.
أما السيناريو الرابع والأخير، وهو المتعلق بالدمج القانوني والسياسي، فيقوم على إجراء دمج قانوني وسياسي لكل تيارات الإسلام السياسي السلمية، بما فيها جماعة الإخوان والجماعة الإسلامية وحزبيهما.
ويظل هذا السيناريو هو النموذج المثالي للتطور الديمقراطي في مصر، أي سيناريو الانتقال من نظام تسلطي إلى نظام ديمقراطي. وحدوث هذا السيناريو يتطلب توافر مجموعة من الشروط : أولها يقع على جماعة الإخوان المسلمين أنفسهم؛ إذ ستصبح مسألة الفصل بين الجماعة الدعوية والحزب السياسي شرطًا لقبول الجماعة كحزب سياسي شرعي يحترم مدنية النظام السياسي، وحل جميع الميليشيات التابعة للحزب والجماعة، وإيقاف برامجهم الخاصة بالتدريب العسكري.
والشرط الثاني يتعلق بطبيعة النظام الجديد، فلا بد من إجراء إصلاحات سياسية وعملية تحول ديمقراطي حقيقي تتجاوز أية توازنات أو حسابات سياسية أو إقليمية، ولا بد من الحديث عن دور جديد للنخبة من داخل الدولة، مع تصعيد حقيقي للأجيال الجديدة من النخبة المصرية الشابة، وإشراك الشباب في عملية صنع القرار، والرقابة على تنفيذ القرارات المختلفة؛ حتى يتم استيعاب فائض القدرات الشبابية دون إقصاء لرأي أو لفصيل سياسي، مع ضرورة التواصل بين جميع القوى الإصلاحية داخل الدولة من كل الاتجاهات السياسية؛ لإجراء مصالحة وطنية حقيقية تجمع بين جميع شركاء الوطن بمختلف انتماءاتهم السياسية والدينية.
ويضاف إلى ما سبق، قدرة النظام الجديد على ترجمة متطلبات وتطلعات الشعب الذي خرج في ثورتين في ثلاث سنوات فقط إلى واقع ملموس، ينعكس على الحياة اليومية لجميع المواطنين، مع العمل على رفع إدراك الوعي السياسي وليس “,”المعرفة السياسية“,” لدى المواطنين، مع وضع برامج حقيقية لمحاربة الأمية والفقر .
وأخيرًا، على جماعة الإخوان المسلمين، ومن ساندها خلال الفترة الماضية، أن يعلموا أنهم ما زالت لديهم الفرصة كاملة للعيش المشترك مع أبناء هذا الوطن، والمشاركة في العملية السياسية طبقًا لقواعدها الجديدة، ولكن عليهم أولًا نبذ العنف والتأكيد على ذلك.
أما إذا لم يلتحقوا بركاب ثورة 30 يونيو، فعليهم أن يعلموا بأنه لم تنجح جماعة قط في محاربة وطن أو فرض رأي أو وصايا عليه، ولهم في تاريخ البشرية جمعاء عبرة وموعظة حسنة .
وعلى الله قصد السبيل