السبت 05 أكتوبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

حوارات

الدكتورة فينيس كامل: البحث العلمي في مصر "يصعب على الكافر"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
· وزير البحث العلمي الأسبق لـ“,” البوابة نيوز “,”: العلماء المصريون هواة يعملون في أبحاثهم لأجل التعيين والترقي
· المشاريع القومية روشتة النهوض بالبحث العلمي
· وزراء البحث العلمي يمارسون سياسة الفضفضة
· لا أحد يريد بناء سيناء .. لذلك ضربها الإرهاب
· البحث العلمي لم يراع الشارع ولابد من تدخله لحل الأزمة الغذائية
· الدولة فشلت في توطين 4 ملايين مصري في سيناء.. و“,”مرسي“,” نجح في توطينها بالجهاديين
· طالبت من عاطف صدقي أن يشرف وزير الدفاع على البحث العلمي لحمايته مثلما تفعل إسرائيل
· مفيد شهاب أوقف مشروع المتحف العلمي الذي حاربت من أجله

أكدت الدكتورة فينيس كامل جودة وزيرة البحث العلمي الأسبق على أن مصر فشلت في توطين 4 ملايين مصري في سيناء بعد حرب أكتوبر 1973، بينما نجحت الجماعة في عهد “,”مرسي“,” في توطينها بالجهاديين والإرهابيين، موضحة أن الشعب المصري هو الوحيد القادر علي بناء حائط صد أمام المؤامرات “,”الصهيو- جهادية“,” في سيناء.
وقالت الدكتورة فينيس في حوارها مع “,” البوابة نيوز “,” إن سيناء يمكن أن تصبح اتجاهاً قومياً من خلال الاستفادة من 140 مليار متر مكعب من الأمطار، وأن تلك الامطار كافية لزراعة 675 ألف فدان، لكن الحكومات السابقة تجاهلت ذلك واهتمت بمشروع توشكي رغم فشلة، موضحة في الوقت نفسه أن سيناء تحتاج لأكثر من 6 آلاف خزان لتخزين مياه السيول والأمطار لإنشاء تجمع سكاني..

والي نص الحوار:

** في البداية.. كنتٍ أول من حذر من خطورة سيناء على الأمن القومي وكشفتي أن سيناء في يوم ما ستتحول إلى قنبله موقوتة للإرهاب والإجرام إذا تم تجاهلها، واليوم نرى الإرهاب يدك أعناق الأبرياء في سيناء ؟.
مقاطعة.. في الحقيقة لقد بح صوتي منذ أكثر من 30 عاماً لأنها حائط استراتيجي هائل مواجه لإسرائيل، وكان هناك مخططاً لتوطين 3 ملايين مصري في وسط سيناء بعد حرب أكتوبر 1973، لكنه للاسف الشديد لم يخرج إلى النور، لأنه كالعادة لا أحد ينصت إلى الباحثين ومات كغيره من المشاريع.
** ولماذا سيناء تحديداً؟
لأن سيناء أكثر المواقع التي يمكن أن تصبح مشروعاً قومياً على اعتبار إنها أرضاً بكراً، قابلة لتغيير نمط الحياة على أرضها، ويمكن للبحث العلمي أن يساهم في مساعدة الصناعات المختلفة لتطويرها، كما إنها ستنجح أكثر من مشروع توشكي، ويمكن أن تضم مشاريعاً مفصلة من خلال توجيه البحث العلمي بمراكزه وجامعاته وبمشاريع مفصلة تضم مجاميع بحثية ضخمة، على أن تعمل بشفافية للقضاء على الأبحاث العلمية المكررة.
** وهل تعتقدي أن الدراسات التي قمتي بها يمكن بالفعل أن تحقق الهدف المرجو منه في تنمية سيناء؟
واقع الدراسات التي قمنا بها سواء للبحث عن المياه الجوفيه بسيناء أو بحثاً عن نوعية المعادن التي يمكن أن نتجه إليها بصناعتنا، أكدت أن سيناء يمكن أن تستقبل خلال 5 سنوات فقط أكثر من 4 ملايين نسمة، وأكبر تلك الدراسات قمنا بها بالتعاون مع علماء مركز بحوث الصحراء الذي انتهى بالفعل من إعداد أول أطلس لموارد مياه الأمطار للاستفادة من أكثر 3.5 مليار متر مكعب سنوياً، قادرة على زراعة ما يعادل 675 ألف فدان واستقبال أكثر من 4 ملايين نسمة، وهذا الأطلس سيعيد الحياة إلى الباب الشرقي لمصر الذي يُعد من الأقاليم الصحراوية التي يمكن أن يتم تطوير استراتيجية طويلة الأمد لتنمية الموارد الطبيعة المتاحة بها اقتصادياً.
** معني هذا أن ذلك الأطلس يمكنه أن يكون حائط الدفاع الأول لسيناء؟
بالطبع.. فالأطلس سيعمل علي ايجاد كتلة بشرية استراتيجية إمام إسرائيل وفي إقامة أكبر تجمع استرتيجي لوجستي حقيقي يستطيع الدفاع عن سيناء وأرضها ضد أي عبت، وكان من المفترض أن يتم عرضه على “,”مبارك“,” لكن ظروف ثورة يناير واضطرابات الفترة الانتقالية وعدم اهتمام “,”مرسي“,” بسيناء عطلت خروجه إلى النور.
** واذا تحدثنا عن سيناء نفسها هل تعتقدي أنها مؤهلة بيولوجياً لاستقبال مشاريع زراعية وصناعية قادرة على استقبال المصريين؟
من يتابع سيناء جيداً، سيجد أن هناك منطقة للزراعة القديمة وأكثرها توجد في الركن الشمالي الشرقي على مساحة تزيد على 200 ألف فدان، وتٌقدر الاحتياجات المائية لتلك المساحة بحوالي مليار متر مكعب من الماء في السنة، وهذا الكم من الماء يأتي من المياه الجوفية الضحلة ومن مياه التساقط المطري المباشر، وكل هذا يحدث على الرغم من وجود عجز في التوازن بين المتاح من الماء والاحتياج بسبب التملح التدريجي في مياه الآبار وفى الزيادة المضطردة لحالات الجفاف، والبحث العلمي حالياً يعمل على تطوير التركيب المحصولي وتطوير نظم الري بالتعاون مع وزارة الموارد المائية والري.
** وماذا عن بقية سيناء؟
هناك أراضى التوسع الأفقي ومساحتها 475 ألف فدان، وتقع في السهل الساحلي في شمال سيناء وفي سهول قناة السويس في الغرب، واحتياجات تلك المساحة تٌقدر بحوالي 3 مليار متر مكعب في السنة، وهي تأتي من مياه النيل المنقولة بقنوات الري المفتوحة، على الرغم من وجود تباطؤ شديد في استخدام هذا الكم من الماء فإن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي تحاول مع وزارة الموارد المائية والري في تحسين سياسات استخدام الماء والأرض في المناطق التى تعاني من الملوحة ومن زحف الكثبان الرملية، وكذلك فيما يختص بتوصيل الماء إلى منطقة السر والجوارير في شمال سيناء.
** البعض يقلل من أهمية وصعوبة مياه الأمطار في زراعة سيناء، فهل اهتمت دراستك بوسائل تقنين استخدام مياه الأمطار؟
بالطبع.. فأمطار سيناء سيتم استخدامها من خلال وسيليتين رئيسيتين هما بناء السدود الترابية التعويقية، حيث يٌقدر المستخدم فيها من الركام بحوالى630 ألف متر مكعب، على أن تقوم وزارة الزراعة بالتعاون مع الحكم المحلى ووزارة الموارد المائية والري في زيادة أعداد تلك السدود وتحقيق كفاءتها وصيانتها، والطريقة الثانية ستشمل إنشاء أكثر من 6000 خزان أرضى أو ما يعرف بالهرابة، تصل قدرتها التخزينية إلى حوالي 1.7 مليون متر مكعب في السنة.
** ولماذا فشل مشروع سيناء طالما أن كل المقومات موجودة؟
الإرادة السياسية بالطبع... لا أحد يريد أن يبني سيناء وتركناها حتى أصابها ما أصابها من الإرهاب، كما أنه على الرغم من أن المخزون في الطبقات من تلك المياه يُقدر بأكثر من 100 مليار متر مكعب، إلا أن تكلفة التشغيل والصيانة عالية جداً، حتى أن المستخرج من المياة الضحلة يقدر بحوالي 40 مليون متر مكعب فقط في السنة، بينما يٌقدر المخزون بحوالي 30 مليار متر مكعب، أي أن اطلس المياه في سيناء سيعيد تقدير أكثر 140 مليار متر مكعب من المياه.
يوجد 98 ألف باحث يعملون في 198 مركزاً بحثياً ورغم ذلك لا توجد لائحة تنفيذية تجمع المراكز والمعاهد البحثية المختلفة؟
المراكز والمعاهد البحثية تخضع لنفس نظام الجامعات وتتبع نفس اللائحة التنفيذية الخاصة بها، وتتبع نفس المناهج دائما، فأصبح هناك لجاناً موحدة لها قواعد خاصة وهي قديمة وليست حديثة العهد.
** لكن هناك اتهام بأنه لا توجد لائحة تنفيذية واحدة للمراكز والمعاهد مما يجعل من وزير الدولة للبحث العلمي غير قادر على تشكيل لجان علمية بالمراكز البحثية؟
هذا كلام بعيد عن الصحة... فلقد شكلت المراكز البحثية لجاناً موحدة العام الماضي، عن طريق المجلس الأعلى للمراكز والمعاهد البحثية التابع إلى وزارة البحث العلمي، إنما قبل ذلك كان كل مركز يقوم بتشكيل لجانه الخاصة، ويضع لها التخصصات والقواعد الخاصة بها، حتى أن امتحانات المتقدمين لها عادة ما كان لها شروطاً معينة خاصة بالمركز البحثي التابع له، أي أن اللجان تتشكل على قواعد معينة وينتخب رئيسها من بين الأعضاء، واللائحة موجودة منذ زمن وإن كانت أصبحت أفضل ومجمعة.
** وماذا عن لائحة الترقيات التي يقول البعض إنها لا تتوحد في كل المراكز البحثية؟
لائحة الترقيات متوفرة بالطبع، ولها شروط من بينها مثلاً عدد البحوث التي أجراها الباحث، وعدد المنشور منها في مجلات عالمية، والنقاط والجداول التي تحتويها، ويجب أن يستوفي كل الشروط قبل أن يذهب إلى المحكمين، فعلى سبيل المثال للترقي من مدرس إلى أستاذ مساعد يجب أن يقدم سبع أبحاث، بالإضافة إلى انه يجب أن يكون نشر معظمها في مجلات عالمية.
** وهل هذه الشروط تنطبق أيضاً على رؤساء المراكز؟
بالتأكيد... فعلى سبيل المثال في اللجنة التابعة لي توجد عدة معاهد منها معهد القياسات والمعايرة، وهي بها لجان موحدة الآن تشكلت هذا العام، أيضاً كل المراكز أصبح بها لجان موحدة بعد أن كان كل مركز له لجان خاصة به للترقيات.
** البعض يقول أن هناك مشروعاً قٌدم لمجلس الوزراء لتغيير اللائحة التنفيذية والترقيات وإنه وافق عليه بالفعل؟
هذا ما حدث مع لائحة الجامعات ولأننا نتبع نفس اللائحة في النظام والمرتبات والترقيات فقد انطبقت على كافة المراكز والمعاهد البحثية، ولكن الأهم من ذلك إننا نحتاج الآن إلى نهضة تكنولوجية شاملة بحيث نكون قادرين على تخطي كل الصعاب التي تعاني منها مصر، مثل العمالة والصناعات الصغيرة والصناعات التكنولوجية، الأمر الذي يحتاج إلى خطط تنفيذية إلى جانب التمويل والكوادر البشرية القادرة على العمل.
** في رأيك هل تعتقدي أن التشريع الموحد للبحث العلمي في مصر يمكنه أن يساعد على قيام نهضة علمية؟

بالفعل.. وهذا ما يجعلنا نرغب بقوة أن نقوم بعمل قانون للبحث العلمي في مصر، وهو ما نحاول عمله الآن منذ أن دعت وزارة البحث العلمي له، فهو الذي سيقدم تسهيلات لمهمة البحث العلمي وتسهيلات للمعلومات وتسهيل كبير على الباحث وإعطائه الحق لعمل شركات للبحث الخاص به، أو حقه في مشاركة المستثمرين، هذا كله يحتاج إلى مساحة في الإجراءات لن تتوفر إلا بقانون البحث العلمي، أيا كانت مجالات البحث العلمي.
** وإلى أي مدى وصلتم في قانون البحث العلمي المرتقب؟
في الحقيقة مشروع القانون عرض علي لأقوم بتقييمه وأقول رأيي فيه، وحالياً أقوم بمراجعته بحثياً، ثم بعد ذلك سنجتمع بالمجلس الأعلى للمعاهد والمراكز البحثية، وبما أن قانون البحث العلمي سيكون قانون جديد فيجب أن يخدم منتجات البحث العلمي بحيث يصل بها إلى مرحلة التسويق والتصنيع بطريقة أسهل.
** وما هو رأيك في القانون؟
رأيي لن يخرج قبل شهرين حتى يتسنى لي الإطلاع عليه.
** هل تعني أنه يمكننا أن نجد قانوناً للبحث العلمي في مصر بنهاية هذا العام؟
ليس هذا ما أعنيه، ففي ذلك الوقت سنكون انتهينا منه وسيقدم لمجلس الوزراء، لكنه يجب أن يوجد في نفس الوقت جهات تشريعية، لأن القانون يجب أن يناقش أولاً في مجلس الشورى، ثم يذهب إلى مجلس الشعب، وهذه الجهات التشريعية لا توجد الآن بعد قيام ثورة 30 يونيو، وبالتالي ستتوقف العملية حتى يتم انتخاب مجلس الشعب.
** علمت أنك كنتٍ ضمن من حاول إضافة مواد دستورية في الدستور المعطل؟.
مقاطعة... لقد حاولنا بالفعل أن نحصل على موطئ قدم للبحث العلمي في الدستور، ولكن للأسف الشديد تأسيسية الجماعة رفضت كل المحاولات.
** وما هي أهم ملاحظاتك التي رفضتها التأسيسة؟
أولا المواد كانت مكتوبة بشكل عام مثل أن تكون الموارد المالية التي تنفق على البحث العلمي ستصل إلى المتعارف عليها عالمياً في المستقبل، رغم أنه لا توجد نسبة متعارف عليها عالمياً عن الإنفاق على البحث العلمي، فكل دولة في العالم تتشابك وبصدق ويضعوا موارد مالية معلن عنها وأخرى غير معلنة، لأنه كلما يوضع في البحث العلمي كلما نجد العائد أكبر على الصناعة وهذا ما فهمته الدول المتقدمة، لذا كان من وجهة نظري يجب وضع نسبة لحماية البحث العلمي في الدستور بحيث تتزايد تدريجيا حتى تصل إلى 2% سنة 2017.
** وهل تعتقدي أن 2% من الناتج القومي كافية للبحث العلمي؟
هذه النسبة ستكون معقولة وقادرة على خدمة البحث العلمي، مع وجود استراتيجية واضحة المعالم، وهذه كانت المادة الثانية التي اقترحتها للبحث العلمي بحيث أن تنص على أن الدولة تكفل استراتيجية برؤية جديدة للبحث العلمي بحيث تتكامل مع السياسات الاقتصادية والصحية والتنموية، بالإضافة إلى المناخ الجاذب الذي لا يطرد العلماء ويجعلهم يلجئون إلى دول المهجر، أي أنني وضعت أربع نقاط ولكنهم لم يأخذوا بها.
** هل قدمتٍ لهم تلك المقترحات؟
نعم ..وأرسلناها إلى الجمعية التأسيسية ولكن لم يأخذوا بها للأسف، فأصبح الدستور قاصراً في مواد البحث العلمي، وإن كنت أعتقد أن الأهم الآن أن نهتم بالقوانين وبإخراج أول قانون البحث العلمي إلى النور، فالقانون هو الذي سينهض بالثورة العلمية وعبور الفجوة التكنولوجية.
** كثيراً ما نسمع الشارع أن البحث العلمي في حالة انهيار؟.
مقاطعة.. لماذا في حالة انهيار؟، لأن التعليم يعيش حالة انهيار والعالم يعيش في مناخ غير صحي وبيروقراطية، يعيش حالة انهيار لان كل شىء في مصر يعيش نفس الحالة .
** إذن أنتٍ توافقين رأي الشارع؟
لا أنكر ذلك.. ولا تنسي أن البحث العلمي في مصر للأسف الشديد لم يراع الشارع في عمله، فالبحث من أجل البحث “,”طرف منقدرش عليه“,”، ونحن في حاجة ماسة لتغيير التخلف التكنولوجي من خلال قيام صناعات محلية تعتمد علي استيراد تكنولوجيات يتمكن الباحثين من فهمها وتطويرها وإعادة تصنيعها، وهناك دولاً قامت بهذه المراحل مثل الصين وماليزيا والهند، كما أن البحث العلمي يجب أن يتدخل لحل مشاكل الشارع مثل مشكلة الفجوة الغذائية التي يجب أن يعالجها البحث العلمي.
** هل يمكن للبحث العملي المعتمد على حل المشاكل أن يكون خطوة لإيجاد تكنولوجيا مصرية؟
بعضها ممكن بالطبع.. فالعلماء المصريين للأسف الشديد يعملون وكأنهم هواه وليسوا محترفون، فجميعهم يعملون أبحاث لمجرد الترقي والتعيين، ولكنها أبحاث بدون استراتيجية أو رؤية أو حتى هناك جدية في متابعتها، لذلك يجب في البداية تحديد أولويات للبحث العلمي حتي نعطي الأمان للعلماء حتى يعملوا بحرية.
** وفي رأيك أي الأولويات البحثية التي يجب الاهتمام بها في المستقبل؟
تكنولوجيا مناسبة ورخيصة ووطنية لتصنيعها تعتمد علي فريق من رجال العلم ورجال الصناعة، فهناك علي سبيل المثال تكنولوجيا الخلايا الشمسية للاستفادة من أشعة الشمس، على أن يكون هناك لجنة لمتابعة ومراجعة تلك البحوث، فالباحث للأسف خلط بين أبحاث الترقي والأبحاث العلمية الحقيقية، فكان يعمل بمنطق “,” على قد فلوسكم“,”، فقد خلق النظام السابق مناخاً معقداً للبحث العلمي سواء داخل المراكز البحثية أو الجامعات رغم أنها المفرخة الاولى لتخريج العلماء.
** والجامعات مكبلة بالقيود؟
هذا صحيح.. لذلك أشجع على استقلالها حتى تستطيع أن تشارك في تنمية محيطها، لأنها قادرة على أن تصبح مراكز تكنولوجية تناسب البيئة التي تتواجد وسطها
** هل تعتقدي أن مجالات البحث العلمي يمكنها أن تصبح هدفاً قومياً؟
هذا ما طالبنا به كثيراً.. فسيناء يمكنها أن تصبح مشروعاً قومياً للمستقبل مشابه لمشروع السد العالي، فهي لا زالت أرضا بكراً وقابلة لتغيير نمط الحياة على أرض مصر، ويمكن للبحث العلمي أن يساهم في مساعدة الصناعات المختلفة لتطويرها، بدلاً من المبادرات الغريبة التي يطالبون بها وعلى الأخص مبادرة “,” أستاذ لكل مصنع“,” التي يدعون أنها ستساهم في ربط البحث العلمي بالمؤسسات الصناعية رغم أنه يمثل إهانة وجهد مضاعف دون أن تحل أي مشكلة لهذه المؤسسات.
** عندما ننظر إلى توزيع المراكز البحثية على المحافظات المصرية سنجد أن القاهرة تستحوذ على 90% منها، فلماذا لا يتم إعادة توزيعها بحيث يكون قريباً من المؤسسات الصناعية بالجمهورية؟
عندما كنت في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية التسعينات، شاهدت بداية ما تتحدث عنه، وجدت المراكز الصناعية العلمية تخدم كل ما يحيط بها في حدود 100 ميل، وقد بدأ هذا المشروع الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الذي قال في أحد الاجتماعات “,”أحلم بـ 100 سنتر علمي ،يخدم المجتمع الأمريكي“,”، للقضاء على الغزو الصيني للصناعات التكنولوجية البسيطة، وحاولت أن أنقل التجربة، لكنني كالعادة فشلت، رغم أنها كانت ستحل كم هائلاً من المشاكل، على رأسها مشكلة البطالة والفجوة التكنولوجية من خلال تصنيع مكملات صناعية.
** في مصر 189 مركزاً بحثياً يتوزعون علي 22 وزارة وكل وزير له استراتيجية خاصة به بشكل أهدر إمكانات البحث العلمي.؟
مقاطعة.. وهذه هي الكارثة الحقيقية.. فلا وجود لاستراتيجية أو شفافية، فأكثر من نصف إمكانات البحث العلمي تضيع في الهواء لهذا التشتت، لذلك يجب أن تكون هناك مشاريع قومية ويكون هناك أمر مباشر من الدولة لجميع المراكز البحثية والجامعية بالتوجه إليها كل في مجال تخصصة، على أن تشترك في مراكز افتراضية تضم مجالات محددة في مجاميع بحثية لكسر حاجز التشتت.
** عندما كنتٍ وزيرة للبحث العلمي هل حاولت خلق نوع من التنسيق؟
حاولت كثيراً ولكنني فشلت بعد أن واجهت صعوبات كثيرة، فعندما حاولت التنسيق مع الجامعات لخلق استراتيجية تكنولوجية جديدة وجدت وزير التعليم الحالي يتعامل معني بنوع من الحساسية لأنني أتدخل في اختصاصات عمله.
** من هنا يكون ادعاء عدم وجود ميزانية للبحث العلمي ادعاءً باطلاً؟
هذا صحيح.. فالأبحاث المكررة “,”ضيعت ميزانية الأبحاث العلمية“,”، فنحن نطالب بأشكال كثيرة من الأبحاث المرتبطة ببعضها البعض، فعندما نقوم بأبحاث عن الطاقة نقوم بأبحاث الطاقة النووية والشمسية والنباتية، ومع عدم وضوح الرؤية تضيع الميزانية، وإن كان التمويل بصفة عاملة يحتاج إلى إعادة نظر لأنه قليل ويحتاج إلى تركيز في تكنولوجيا معينه.
** بصفتك أول وزير للبحث العلمي كيف ترين الأسباب الحقيقية لحالة التردي الذي يعيشه؟
يجب أن تعلم أن البحث العلمي في مصر تاريخه “,”يحزن ويصعب على الكافر“,”، فهو يعيش في تقلبات وظروف غير مستقرة منذ أكثر من نصف قرن، فمنذ أن تولي الدكتور صلاح هدايت البحث العلمي في خمسينات القرن الماضي والوزارة الخاصة بالبحث العلمي يتم التلاعب بها، يوم يتم إضافتها للحكومة كوزارة مستقلة ويوم آخر يتم دمجها مع التعليم العالي، فالبحث العلمي تحكمه تيارات كثيرة، فالأنظمة السابقة لم تضعه في مقدمة أولوياتها ويعيش في حالة تخبط.
** وعندما توليت البحث العلمي في وزارة مستقلة اصطدمت بهذه التيارات؟
لم يمنحوني أي صلاحيات لعمل استراتيجية لأنها كانت مجرد وزارة دولة، وبعد سبعة أشهر من حالة الضياع والتشتت اتصلت بالدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق وشرحت له حالة الفوضي العلمية وطلبت منه تطبيق النموذج الإسرائيلي وجعل البحث العلمي تحت إشراف وزير الدفاع حتي يحقق الانضباط البحثي، كما طلبت منه تشكيل لجنة وزارية عليا برئاسة مجلس الوزراء حتي أستطيع مناقشة كل الوزراء الذين يمتلكون مراكز بحثية وحتي لا يقولون لي أنني أتدخل في شئون وزاراتهم كما حدث كثيراً، وبالفعل استطعت أن أعقد اجتماعاً مع اللجنة الوزارية ضمت 12 وزيراً ،وحصلت منهم على موافقة وحيدة لعمل سياسات علمية لمصر، لكنها للأسف توقفت بسبب الصرعات الجانبية؟
** مع من؟
كان إبراهيم سليمان “,”الله يسامحه“,” لأنه كان يريد أن يشتري أجهزة معالجة مياه الصرف، وأنا قلت له لماذا تشتري فمصر يمكن أن يكون بها مراكز بحثية يمكنها أن تصنع هذه الأجهزة بسهولة، رد على بحدة قائلاً “,”لا.. هو احنا هنستنى ونجرب اللي هتعملوه.. أنا عايز حاجة جاهزة“,” على الرغم من أنه أستاذ جامعة، وكان يجب أن يؤمن بالبحث العلمي، ووقف المشروع بعد ذلك بفترة قصيرة، رغم أن المشير طنطاوي أنصفني في هذه المواجهة وقال إن البحث العلمي قادر على تقديم المساعدة، وبعد كل هذه السنوات عندما أقابل المشير طنطاوي أقول له “,”مش أنا قلت لك لو البحث العلمي مش تحت تصرف وزارة الدفاع مفيش فايدة فيه.
** وهل من سلطات وزير مهما كانت قوته أن يوقف لجنة وزارة عليا؟
الدكتور كمال الجنزوري هو من قام بايقاف هذه اللجنة، وعندما جلست معه قال “,”احنا عندنا أولويات تانية أهم من البحث العلمي“,” فدخلت معه في نقاش حاد عن الدراسة التي قمنا بها وكيفية الاستفادة من العلماء المغتربين، لكن لا حياة لمن تنادي، فعلي الرغم من أن الدكتور عاطف صدقي لم يكن غير علمي إلا انه كان متحمساً للبحث العلمي بعكس الدكتور الجنزوري.
** وهل حاولت تقديم أي شكوي للرئيس الأسبق؟
لم أشتك ولكنني أرسلت له هذه الدراسة حتى أحصل على دعمه، لكنني لم أجد أي استحسان من مجلس الوزراء، وعرفت فيما بعد أن بعض الخبراء اطلعوا عليها، لكنها لم تخرج إلى النور، والحقيقة “,”مبارك“,” قام بتشكيل المجلس الأعلى للعلوم والتكنولوجيا، لكنه لم يهتم بتفعيل دورها، فقد كان كل هم القائمين على البحث العلمي انضمام علماء كبار أمثال زويل ويعقوب والباز رغم أنهما “,”مش فاضيين“,”.
** ولماذا لم تطلبي مقابلته لتشرحي له الموقف؟
ومن قال إنني لم أعل ذلك.. لقد طالبت مقابلته لتوضيح رؤية البحث العلمي وحددنا يوماً لعيد العلم، لكن عاطف صدقي قال “,”بلاش عيد العلم عشان الوزراء ميزعلوش خليها عيد البحث العلمي“,”، فقد كنت أقوم بعمل كل شىء بنفسي حتي أطلقوا عليا اسم “,”الوزيرة النحلة“,” ولكنها انتهت بمجرد خروجي من الوزارة حتى جاء من بعدي وضيعها.
** هل تقصدين الدكتور مفيد شهاب؟
بالطبع.. ففي عهد الدكتور مفيد شهاب نامت كل المشاريع ونام البحث العلمي بعد أن انضمت إليه حقيبة الجامعات، على الرغم من أنني نصحته وقلت له إن كل شىء اقترب على الانتهاء وإنني على استعداد للعمل من وراء الكواليس، لكنه أوقف كل المشاريع التي بدأتها، خاصة مشروع المتحف العلمي الكبيرالذي حاربت حتى أحصل على 30 فدان له بالتعاون مع اليونسكو، وحتى برنامج التعاون مع العلماء المغتربين تم إيقافه.
** رغم أننا دائماً ما نعلن عن أننا في حاجة إليهم؟
الفترة القادمة تحتاج إلى فلسفة التعامل مع علماء المهجر، وهم يحلمون بالعودة وخدمة بلدهم بعقولهم ويستطيعون أن يحققوا لنا كل ما نحلم به، لكن للأسف لا توجد سياسة واضحة المعالم، ولكنها نفس سياسة الفضفضة التي يمارسها كل وزراء البحث العلمي واخرهم الدكتور هاني هلال، وقد ناقشته في ذلك، وقال لي بالحرف الواحد “,”كل شىء متهدف وكل شىء تمام“,” رغم وجود مشاريع كثيرة بدون سياسة واضحة.
** تعاملتي مع عدد كبير من رؤساء الوزارة من صدقي إلى الجنزوري إلى عبيد ونظيف، من منهم كان يقف عقبة في طريق البحث العلمي ومن وقف معه؟.
عاطف صدقي كان أكثرهم تحمساً للبحث العلمي وكان يستجيب لمتطلباته، بينما كمال الجنزوري لم يهتم على الإطلاق به، في كان عهد عاطف عبيد “,”لا حس ولا خبر“,” عن البحث العلمي غير أنه قام بعمل وزارة خاصة بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أما أحمد نظيف فقام بعمل صندوق العلوم والتكنولوجيا بعد طلوع الروح والإلحاح وبعد ذلك اهتم بالاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
** وما هي الروشتة التي تقدمينها للنهوض بالبحث العلمي بعد ثورة 30 يونيو؟
تشكيل مجموعات عمل فورية لمسح جميع الصناعات التي توقفت ومساعدتها، ايجاد مصادر أخرى لتمويل البحث العلمي، ايجاد مشاريع قومية جادة تعتمد على البحث العلمي، إخراج جميع الدراسات “,”المركونة“,” من الأدراج وتحديثها والاستفادة منها، بالإضافة إلى ضرورة إخراج جميع الاختراعات والابتكارات التي أصابها الصدأ .