الثلاثاء 08 أبريل 2025
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إثيوبيا "تُغرق" مصر في "سد النهضة"!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الإعلان عن توقيع اتفاق تعاون بشأن سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا بالعاصمة السودانية الخرطوم 23 مارس، يؤكد نجاح إثيوبيا في فرض "سياسة الأمر الواقع"، وجرّ مصر فى مفاوضات واتفاقيات مبهمة لا طائل منها، سوى منحها الوقت لاستكمال إجراءات بناء "سد النهضة"، وهو نفس ما اتبعته مع كينيا بعد إنشائها لسد «جيب 3»، والتى أصبح فيها السد أمراً واقعاً.
وإذا صح ما يقال من أن هذا الاتّفاق تضمن بنودا خاصّة بتشغيل السد وملء الخزّان، فذلك يعني أن مصر وافقت على استكماله من دون النظر إلى تأثيراته، ودون التزام من الإدارة الإثيوبية بالتوقّف المرحلى لبناء السد، إلى حين ورود تقارير اللجان الفنية، والتأكد من نتائج الدراسات الخاصّة بتأثيراته على دولتي المصبّ.
وبذلك تكون إثيوبيا قد حصلت على اعتراف مصري يعقبه اعتراف عالمي بشرعية سدها المقام على مجرى نهر النيل بارتفاع 170 مترًا، وبعرض 1800 متر، ويقلل حصتنا من المياه التي تبلغ 55,5 مليار متر مكعب، وذلك أثناء ملء خزان السد، بنحو 11 مليار متر مكعب.
كما يظهر هذا الاتفاق أن كل المفاوضات المصرية التى جرت على مدى الـ4سنوات الماضية ,كانت "فاشلة" ,وانه يجب مساءلة الإدارة التى قامت على هذا الملف ، وأضاعت الوقت والجهد والمال فى حوارات واجتماعات "الطرشان " ,حتى أوشكت اثيوبيا على اتمام مشروعها المشبوه . إن التراجع المصرى عن التصعيد الدولىّ, والتوجه نحو المصالحة والحوار مع الجانب الإثيوبيّ،له مغزى غير مفهوم حتى الآن ..فهناك من يرى انه محاولة لتقليل المخاوف والشواغل حول مدى تأثير السد على الحصّة المائيّة السنوية لمصر بموجب اتّفاقية 1959,وتنفيذ وعد الرئيس السيسى بحل أزمة السد قبل انتهاء العام الأول من ولايته!!
فيما يرى أخرون انه لتفويت الفرصة على الأطراف الخارجية التى تقف خلف بناء السد ,ومحاولتها المستمرة لتصدير أزمة مستعصية الحل للنظام الحالى ,ودعم التعنت الأثيوبى المدعوم سودانيا ,لذا كان التوجه إلى طرح إيجاد حل دبلوماسي يضمن عدم تضرّر مصر من السد، من دون التصادم مع إثيوبيا ومخطّطها في استكمال بناء السد , الذى تتسع بحيرته باكتماله لنحو 63 مليار متر مكعب من المياه، ويولد طاقة قدرها 5600 ميجاوات.
ربما التصريحات الرسمية على لسان وزراء المياه والخارجية بالدول الثلاث"مصر والسودان وأثيوبيا " من ان الوثيقة التى ستوقع بالخرطوم هى "اتفاق مبادئ" على المسار السياسى، وانها السبيل الأفضل لحسم الخلاف، خصوصاً في ظلّ التباطؤ الملحوظ في مسارات الحلول الفنّية ..قد يقلل من المخاوف المصرية إزاء تقليل حصتها السنوية ...إلا أنه فى حقيقة الأمر يشيرإلى استمرار تحجيم رد الفعل المصري تجاه مشروع السد ,وحصره في مفاوضات لا طائل منها , ولم تنتج التزاما أثيوبيا تجاه مصر يحافظ لها على حقوقها في مياه النيل. ويرى اصحاب هذا الرأى, انه لو كانت هناك إرادة سياسية قوية ,وفريق مفاوضات على شاكلة فريق طابا ، فانه يمكن التوصّل إلى اتّفاق حقيقيّ مثل اتّفاقية 1959 بين القاهرة والخرطوم لإدارة مياه النيل.
صحيح أن الأمر حتى الآن لا يتعدى مذكّرة تفاهم أو خطاب نوايا ,وأن القيادة السياسية المصرية –وفقا لما نشر على بعض المواقع –طلبت إدخال بعض التعديلات على الوثيقة ,وانه فى حالة التوقيع عليها فإن ذلك يتطلب ايضا مصادقة برلمانات الدول الثلاث، وهو الأمر الذي يمكن أن يستغرق قرابة العام، إلا أن هذا يصب فى صالح أثيوبيا وسياسة إهدار الوقت التي تنتهجها, لاستكمال إنشاء السد، حيث إنه بمرور عام آخر ستكون عملية التفاوض استمرت لخمس سنوات من دون نتيجة تذكر، كما أن ذلك سيقربنا من العام 2017 الموعد الذي حددته أثيوبيا لإنهاء تنفيذ السد.
وعلى خلفية بناء السد فان" الهوس الشعبى الأثيوبى"لن يسمح للقيادة السياسية هناك بأى تنازلات فقد ذكر الكاتب الإثيوبى «ميركب نيجاش»، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية فى جامعة «جيما» الإثيوبية، أن عدم قدرة «إثيوبيا» على الاستفادة من نهر النيل كان أكثر قهراً وإهانة للإثيوبيين من الغزو الاستعمارى الأوروبى، مؤكداً أن هزيمة مصر من خلال الاستفادة بنهر النيل أكثر صعوبة من هزيمتها فى ميادين القتال.
وقال الكاتب فى مقاله المنشور بصحيفة «إثيوبيا نيوز»: إن نهر النيل بالنسبة لإثيوبيا كان رمزاً للذل الوطنى وسيصبح رمزاً للخلاص الوطنى فى المستقبل، داعياً إلى تخيل ما سيكون عليه الشعور الوطنى إذا ما تمكنت بلاده من استعادة نهر النيل الذى لم تكن تعرف كيف تسيطر عليه أو تستفيد منه، وظل لفترة طويلة يمثل لها «عقدة» أكبر من عقدة الاستعمار الذى عانت منه لسنوات طويلة. وأشار الكاتب إلى أنه لا يوجد وقت أفضل من الوقت الحالى لكى تفرض إثيوبيا وجودها على ساحة القوى فى نهر النيل من خلال إتمام بناء سد النهضة، وتابع «نيجاش»: إن النيل الآن أصبح هو المؤسس لأمتنا ومستقبلنا ونهضتنا، سد النهضة أمر كبير لأنه يمثل نهضة إثيوبيا كلها.!! وكانت إثيوبيا قامت بتحويل مياه النيل الأزرق فى مايو 2013 لبناء السد الذى سينتج 6 آلاف ميجاوات من الكهرباء وسيكون أكبر سد فى إفريقيا عندما ينتهى العمل به عام 2017.
وجاءت تحركات مصر متأخرة ومتكاسلة بل و"مهرجة", تجاه بدء إنشاءالسد ,ووقتها عقد الرئيس المعزول محمد مرسى "اجتماع الفضيحة و العار " الذى بث على الهواء مباشرة ,دون علمه ، وتحدث فيه بعض المشاركين ووضح جهلهم سياسيا وأمنيا ,وطالبوا بضرورة ضرب السد , ودعم المتمردين الإثيوبيين,فيما اقترح احدهم إرسال اللاعب " أبو تريكة" إلى أديس ابابا ,لحل الأزمة لمكانته الأفريقية.
وتزامن ذلك فى الوقت الذى انتقل فيه موقف السودان وبشكل مفاجئ من خانة "الحليف" إلى "مربع الوسيط " غير المحايد والمنحاز لاثيوبيا !! ومنذ تولي الرئيس السيسي المسئولية في يونيو الماضي , وقطعه وعدًا على نفسه بحل القضية فى السنة الأولى لحكمه، تسارعت المفاوضات , ففي أغسطس 2014، تم تكليف مكتب استشاري لدراسة آثار "سد النهضة" بالتنسيق بين الدول الثلاثة، وترأس وزير الري حسام مغازي في سبتمبر 2014 ، وفدًا مصريًا إلي إثيوبيا لمعاينة الوضع على الطبيعة. وكان اللافت للنظر، هو تصريحات وزير الري في أكتوبر الماضي، بأن مصر توافق على بناء سد النهضة بشروط تحددها هيّ، رافضًا الإفصاح عن تلك الشروط، إلا أن أنباء تسربت عن إسناد الأمر بأكمله إلى مكتب استشاري عالمي لدراسة وتقييم السد ثم الاستقرار على رأي نهائي بشأنه".
وبالفعل تم الاستقرار على 5 مكاتب استشارية يتم المفاضلة لاختيار واحد منها لدراسة آثار السد، وذلك في نوفمبر الماضي،ولم يحسم الأمر حتى الأن ,رغم أن وزارة الري أعلنت أن منتصف 2015 ,سيكون حاسمًا لقضية سد النهضة، وهو ما كان يؤسس للتوقيع المرتقب على اتفاق الخرطوم "السياسى ",ووفاء بتنفيذ وعد السيسى!!
وللحقيقة فإن "مولد سيدى سد النهضة" أصبح غير منطقى ويبدو الحديث عنه لغير المتخصصين فى المجال السياسي والمائى يؤشر لضحالة الحلول المنطقية له مثل مقترح مشروع "الفنكوش"المعروف بـنقل مياه "نهرالكونغو"، وبما فيها التصريحات الدبلوماسية التى لا طائل من ورائها سوى التسويف وإضاعة الوقت حتى سنفاجأ باكتمال السد الذى "سيغرق مصر" وأجيالها المقبلة فى قحط ومجاعة مائية!!.