تابع أحدث الأخبار
عبر تطبيق
تحدثنا طويلا عن الخطر الإسرائيلي، و عن التهديد الاستراتيجي الذي تمثله إسرائيل علي أمننا القومي، و أدان الكثيرون منا معاهدة كامب دافيد و خاصة فيما فرضته علينا من تحجيم وجودنا العسكري علي حدودنا في سيناء، و اجتهد الكثيرون من خبرائنا العسكريين في محاولة توضيح أن الدفاع عن سيناء في حالة هجوم إسرائيلي مسلح لا يقتضي بالضرورة وجود قوة عسكرية كثيفة تقف علي الحدود مباشرة، بل لعله يقتضي العكس، و أن مثل هذا الهجوم لو حدث فإنه يعني بطبيعة الحال نهاية الالتزام بالمعاهدة و إطلاق يدنا في الرد. و قد كنت خلال استماعي لتلك المناقشات و نظرا لعدم تأهيلي فنيا في المجالات العسكرية أعتمد علي ثقتي في المتحدثين و منطقية ما يسوقونه من حجج، و ترسخت ثقتي تلك عبر ما يقرب من ثلاثين عاما لم يقدم فيها الجيش الإسرائيلي علي اقتحام حدودنا.
و كنت بطبيعة الحال أعرف أن فكرة الترانسفير أي ترحيل الفلسطينيين إلي سيناء فكرة قديمة متجددة راودت و تراود العديد من صناع القرار في إسرائيل، و لكن التصور السائد لتنفيذ هذه الفكرة كان “,”الترحيل القسري“,” بشكله التقليدي المعروف و الذي شهدناه علم 1948 حين دفعت إسرائيل مئات الألوف من الفلسطينيين نحو البلدان العربية المحيطة، و بالتالي كنت -و ما زلت- أدرج مواجهة مثل ذلك الاحتمال لو حدث ضمن مواجهة أشمل مع إسرائيل.
كان التصور الغالب لدينا أننا و الفلسطينيون في زورق واحد، و بلغ اليقين بتلك الفكرة حد اعتبار الوقوف إلي جانب الفلسطينيين معيارا لمدي الالتزام بالوطنية المصرية الحقة؛ و لم يكن متصورا أن يأتي اليوم الذي يري البعض منا أنهم في زورق و بعض الفلسطينيون في زورق آخر بل في خندق آخر. لم يكن واردا أن يأتي اليوم الذي تكون فيه المطالبة بالضغط علي إسرائيل لتعديل بنود معاهدة كامب دافيد لتتمكن قواتنا المسلحة من مواجهة الإرهابيين المتأسلمين في سيناء الذين لم يوجهوا طلقة واحدة خلال عام كامل إلا إلي صدور أبناء الجيش المصري
لقد أصبح لزاما علي من مازال حب فلسطين يملأ قلوبهم أن يعملوا عقولهم مهما كلفهم ذلك من جهد لكي يستمروا في التمسك بعدد من الحقائق تفرضها الجغرافيا قبل التاريخ، و يقتضيها المنطق قبل الانفعال:
لقد انقسمت الدولة الفلسطينية المأمولة قبل قيامها إلي كيانين متمايزين جغرافيا و فكريا و سياسيا: علي حدودنا تقف غزة تحت قيادة حماس الإخوانية، و علي حدود الأردن تقف الضفة تحت قيادة السلطة الفلسطينية، و إسرائيل تمارس دورها التقليدي بمحاصرة غزة “,”الإرهابية“,” و الضغط علي السلطة الوطنية التي لا تقاوم “,”الإرهاب“,” بالدرجة المطلوبة؛ و أصبح الشارع المصري زائغ البصر بين غزة الحمساوية التي ترفع راية الإخوان متهمة السلطة الوطنية بالاستسلام و الابتعاد عن الشريعة؛ و السلطة في رام الله التي ما زالت تناضل بالسلام في سبيل استعادة الحق الفلسطيني متهمة حماس بالانقلاب علي الشرعية وزيف دعاواها بالمقاومة.
و أخيرا جد جديد علي ساحة العلاقات المصرية الإسرائيلية. لقد تم عزل الدكتور محمد مرسي عن سدة الحكم في مصر، و لم يكن ذلك بحال شأنا مصريا خالصا بالنسبة لسلطة حماس في غزة. لم يكن الدكتور مرسي مجرد صديق أو حليف أو متعاطف مع حماس فأولئك كثر؛ إنه و قادة حماس ينتمون لنفس التنظيم الفكري العقائدي الإخواني. و لعلنا جميعا ما زلنا نذكر ذلك الابتهاج الحمساوي غير المسبوق بفوز الدكتور مرسي في الانتخابات المصرية.
كان من الطبيعي أن تتعاطف حماس و تتضامن مع التنظيم الإخواني الأم؛ و كان من المنطقي كذلك أن تتصاعد نبرة الغضب الجماهيري المصري من مواقف حماس خاصة بعد إثارة الإعلام المصري لشبهات تتعلق بضلوع حماس في عمليات إرهابية داخل حدود مصر، و مشاركة أنفاقها في أزمة الوقود التي عاني منها المصريون، فضلا عن اتفاق مصري إسرائيلي حمساوي لمنح حماس شريحة من أرض سيناء. قد تكون تلك الإثارة الإعلامية مشوبة بقدر من المبالغة بل و حتي سوء القصد و لكنها تركت تأثيرا سلبيا امتد أحيانا إلي الاتجاه نحو الفلسطينيين دون تمييز و هو ما سبق أن أشرنا لخطورته.
و في هذا المناخ لجأت حماس إلي المبالغة في تنصلها من التدخل في الشأن المصري و تعاملها مع ما يجري باعتباره أمرا يخص المصريين و حدهم و أن ما يثار من أقاويل بشأن التدخل أو حتي التعاطف مع الإخوان فى مصر محض أكاذيب تديرها حركة فتح. و حاولت حماس مؤخرا تدعيم قولها بنشر عدد من الوثائق المنسوبة إلي خلية فتحاوية بالسفارة الفلسطينية بالقاهرة.
و بصرف النظر عن صدق أو تزييف تلك الوثائق؛ و بصرف النظر أيضا عن سعي حماس غير المبرر لإثبات حياديتها حيال ما يجري في مصر؛ فالأمر الواضح لكل ذي عينين أن قنوات حماس التلفزيونية قد خصصت ساعات بثها علي مدار اليوم لنقل ما يجري في مقرات اعتصام الإخوان بمصر.
و رغم أن انحياز بل انتماء حماس للإخوان أمر لا سبيل لإنكاره أو التنكر له؛ فإن استحالة الفصل بين الانتماء الوطني الفلسطيني، و الالتزام العقائدي الإخواني الحمساوي، هو لب المشكلة.