الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

إيران تتمدد في العراق

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بات الجدل العربي تقليدياً حول وجود مؤامرة كونية تستهدف بلادنا خلال العقدين الماضيين من عدمه، وعلى قبولنا بنسبية أي رأي وإتساع مساحة الإختلاف حوله، فإن ما يتعلق بالحقائق أو المعلومات لا ينبغي أن يكون مجالاً لأي لجاج أو سفسطة، وإذا كان يدل علي وجود مؤامرة، ينبغي- حينها- الاعتراف بأن هناك مؤامرة وإلا كنا من الهازلين.
ولقد تعددت الإشارات المعلوماتية إلي التدخل الإيراني كجزء من مشروع دولة الملالي آيات الله، في تصدير الثورة الإيرانية، وبسط نفوذها وهيمنتها، وبالذات في المناطق التي يتواجد فيها عدد مناسب من أتباع المذهب الشيعي من عالمنا العربي، مثل سوريا ولبنان واليمن والعراق، أو تشييع بعض المناطق القابلة للاختراق الثقافي والمذهبي مثل السودان (ولم يك إغلاق الخرطوم للمركز الثقافي الإيراني في السودان بضغط وتوجيه سعودي إلا محاولة لحصار نزوع طهران لنشر التشيع في السودان).
إيران استعملت في تحقيق تدخلها عددًا كبيرًا من الآليات، مثل استخدام تشكيل ميليشيات وجماعات مسلحة متصلة علي نحو عضوي بالحرس الثوري الإيراني وتعمل تحت قيادته، أو الدخول المباشر لمستشارين وخبراء إيرانيين ليقوموا بعمليات التدريب أو للمشاركة في القتال، وهكذا نري اليوم- عبر جسر جوي نشيط- في المدن اليمنية التي استولي عليها الحوثيون، كما رأينا في السودان وبالذات في معسكرات تدريب الإرهابيين في كردفان ودارفور والبحر الأحمر، والتي يتم فيها تجهيز ما يسمي (جيش مصر الحر-2) وجوداً مكثفاً للخبراء الإيرانيين.
وبالطبع فإن ذلك الحضور والدور الإيراني واصل التوسع في حزب الله ولبنان، وفي سوريا بالمشاركة في العمليات علي الأرض، ولكن الظهور الأكبر في العراق الذي تعددت الميليشيات الشيعية التي تعمل فيه (سواء القادمة من إيران أو الناشئة في كنف التشكيلات السياسية والدينية الشيعية مثل التيار الصدري لمقتضي الصدر أو المجلس الأعلي للمقاومة) وفي هذا الإطار رأينا جيش المهدي وقوات بدر وعصائب أهل الحق سواء في عمليات غزو العراق 2003، أو في أعمال المقاومة المحدودة للأمريكيين، أو الآن- في إطار قوات الحشد الشعبي- مثل (سرايا السلام) التابعة لمقتضي الصدر.
ولكن المستجد اللافت في الوجود الإيراني العسكري في العراق هو تأسيسسه لوضع تميز وسيطرة في المناطق السنية التي تشهد- الآن- قتالاً لمواجهة داعش ومطاردته، ومن ذلك منطقة صلاح الدين أو تكريت، التي شهدت حضوراً إيرانياً كبيراً في تلك المعارك، الأمر الذي أزعج وزير الدفاع الأمريكي آشتون كارتر فبدأ يتحدث عن أعمال ضد الإنسانية في المناطق التي يتم تحريرها في إشارة إلي ضرورة عدم تجاوز الإيرانيين للحدود التي يمكن أن تسمح لهم واشنطن بها.
في حين راح بعض نواب الشيعة أمثال هادي العامري قائد منظمة (بدر) يشن حملة لترويج وتسويق الدور الإيراني في المعارك، قائلاً أنه لولا قاسم سليماني (قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني والمسئول عن حزمة أعمال مخابراتية) ما كان أي نجاح تحقق في محافظة صلاح الدين، وعلي أهل تلك المناطق أن يقيموا تمثالاً لقاسم سليماني عرفاناً بفضله.
كلام هادي العامري لا يدل فقط علي ارتباط وثيق لمنظمتة بطهران، ولكنه يدل علي أن هناك إستهجاناً أو عدم إرتياح لدي السنة من سكان وقاطني تلك المناطق لذلك التوغل أو التغول الإيراني في محافظات السُنة، كما يوفي إلي مخاوف حقيقية عند السكان المحليين من هيمنة شيعية لا تزول، بانتهاء المعارك، يعني تغيير للطبيعة المذهبية لبعض المناطق، وبسط هيمنة الشيعة عليها، لابل ووضعها تحت الإحتلال الأجنبي (الإيراني)، فإذا وضعنا في الإعتبار أن عشائر السُنة التي تقطن الأنبار وصلاح الدين ونينوي ذات ارتباط قوي بالفكرة القومية العربية، فإن الصراع مع الشيعة سيصير- من جانب آخر- نضالاً من القوميين العرب ضد القومية الفارسية، وهنا- ربما- يبرز وجه آخر لمعركة (تكريت) علي وجه الخصوص، إذ ظلت تلك البلدة (مسقط رأس صدام حسين وأحد معاقل حزب البعث القوية) رمزاً للحضور أو الوجود السني والقومي العربي، وحتى حين اجتاحتها داعش فإن عزت إبراهيم الدوري، نائب الرئيس صدام، والهارب منذ الغزو، والذي ائتلف مع مجموعات من ضباط الجيش العراقي وجنوده، ومجموعات من قيادات حزب عزت الدوري، نجح وسط الإجتياح الداعشي في الإعلان عن نفسه بتكريت، وزار قبر صدام واحتفل بما أسماه (التحرير).
إذن نحن أمام حضور قوي للقوميين في هذه الأجزاء التي تشهد المعارك الآن، وكذلك- وعلي الرغم من مشاركة العشائر بقوة في المعارك- فإن السنة من أبناء القبائل العراقية مازالوا- فوق عامل الحزازات المذهبية- لا يثقون في الشيعة الذين دخلوا معهم- من قبل- تجربة الصحوات، وقام الشيعة بتسليحهم لمواجهة تنظيم القاعدة في غرب العراق، فلما أبلوا بلاء حسناً وأنجزوا مهمتهم، تخلت عنهم الحكومة الشيعية التي كانت قائمة، وأدارت ظهرها لمطالبهم الوطنية المستحقة.
كان ذلك ملمحًا من عراق ما بعد الغزو الأمريكي، الذي جري فيه تغليب الشيعة علي السنة، وتولية أحد عملاء إيران المعروفين وهو نوري المالكي (الذي عاش لعشرين سنة في إيران واشتهر بولائه الكامل لطهران ويري فيه البعض جاسوساً إيرانياً، وكان اسمه الأصلي جواد المالكي ولكنه غيره حتي يخفي الاسم ذا الطبيعة الفارسية).
قام الحكم المالكي علي أساس الإقصاء، وقام الأمريكيون قبله بتفكيك الجيش والشرطة والمخابرات فإنهارت الدولة وبدا أن المالكي بصدد تشكيل دولة أخري أسست ركائز تريدها إيران، وبني المالكي تلك الدولة- بالفعل- علي أساس تسييد الشيعة وتهميش السُنة وغابت- حتي- الأسس التي أقرها بول بريمر (أول حاكم أمريكي للعراق بعد الغزو) لإقامة (دولة إفتراضية) تقوم علي المحاصصة بين السنة والشيعة والأكراد والتركمان والمسيحيين، وهي- علي غياب الأساس المنطقي أو الوطني أو الأخلاقي لها- لم تتحقق علي أي حال وإنما تحول العراق إلي مراغة شيعية سيطر فيها الشيعة وإيران وخبراؤها علي كل المجالات، أما مناطق الكرد والسُنة، فقد اجتاحها داعش، وفر رجال الجيش العراقي المحدث أمامه بعد أن فقد الجيش قوامه وغابت عقيدته وتماسكه التنظيمي والحزبي، وهنا وجد الشيعة ووجدت إيران الفرصة للتحرك علي أرضية مناسبة لفرض هيمنة الشيعة، ولا أصدق- في هذا الإطار- إن إدعاء آشتون كارتر الغضب وتخوفاته من أن تقود عمليات طرد داعش (علي النحو الذي تجري به) إلي نزاعات طائفية، لأن الولايات المتحدة خلقت البيئة التي ساعدت الشيعة للتغول علي السنة وبسط سيطرتهم علي العراق، كما أنها وعبر الإتفاق الذي تقوم- اليوم- بتسويقه وترويجه بين إيران ودول (5+1) حول الملف النووي لطهران، وهو ما منح إيران فرصة ذهبية تتوق إليها لتسرح وتمرح في بلدان المنطقة وتفرض سيطرتها في كل مكان يعيش فيه الشيعة، أو "تشييع" أي مكان لا يعيشوا فيه.
ولمن لا يصدق أن هناك (مؤامرة) تهدف إلي إطلاق يد إيران لتفعل بالعرب ما شاءت، عليه أن يقرأ جيداً تصريحات علي ونيسي مستشار الرئيس الإيراني حسن روحاني التي يقول فيها أن العراق جزء من الإمبراطورية الإيرانية وعاصمتها بغداد!!