كان المشهد كافيًا جدًا ليتحرك داخلى المعنى الذي استقر في ضميرى، ورفض أن يغادرنى حتى هذه اللحظة.
الدكتور أحمد زويل العالم الكبير يجلس في الصف الأول في افتتاح المؤتمر الاقتصادى بشرم الشيخ، لم يكن الأمر صدفة فيما أعتقد، فقد أراد منظمو الحفل أن تكون الرسالة واضحة، فمصر غنية بأبنائها، وها هو واحد منهم، يعرفه العالم جيدًا، ويقر بعلمه وفضله وتميزه، فلا أقل من أن يكون في صدارة المشهد الذي تعيد مصر تقديم نفسها به للعالم كله.
سألت نفسى عن هؤلاء الذين جعلوا من أحمد زويل هدفًا للتصويب لشهور طويلة، أين هم الآن؟
والإجابة المباشرة الواضحة كانت أنهم في خيمة الصحفيين، يبحثون عن معلومة، ينتظرونه ليحصلوا منه على تصريح، يسمعون لحكاية من هنا أو هناك، لتكون مادة لتسلية القراء أو المشاهدين، ولا أكثر من ذلك.
لا أجلد مهنتى التي أعشقها لدرجة العبادة، ولا أتبرأ من شىء فعلته أبدًا، لكننى أمتلك القدرة كاملة على مراجعة النفس والاعتراف بالخطأ، وعلى تقديم الاعتذار لمن تجاوزت في حقهم ولو بشكل عابر.
فعلى مدى أكثر من شهر ونصف الشهر كان الدكتور أحمد زويل هدفًا لحملة صحفية على صفحات جريدة الفجر عندما كنت مسئولًا عن تحريرها، كانت للحملة أسبابها المتشابكة والمعقدة، لكننى اعترف الآن أنها كانت أسبابًا تافهة للغاية، ولم تكن مبررًا أبدا للتقليب في كل ما يخص الرجل، وما يقترب منه ولو على الهامش.
أعرف وربما يعرف الدكتور أحمد زويل أيضًا أن هناك من ورطه في تفاصيل إدارية ومالية تخص مدينة زويل، التي أثق تمامًا أنه حسن النية في كل ما يخصها، فهو يريد تأسيس صرح علمى يخدم به مصر، لكن النوايا الحسنة ليست كافية على الإطلاق، وعليه أن يراجع بنفسه كثيرًا مما جرى فيما يخص مدينته، وإذا ما كانت هناك مخالفات، فعليه أن يتصدى لها على الفور، لأنها في النهاية تسيء له ولتاريخه ولمكانته، وتجعل المتربصين به وبها ينصبون له الفخاخ.
إننى هنا أقدم اعتذارًا علنيًا للدكتور أحمد زويل، ولا أخجل من ذلك على الإطلاق، فالاعتذار قيمة في حد ذاتها لا يقدر عليها إلا من يستطيعون مواجهة العالم بأخطائه، وأنا أملك هذه القدرة تماما، ولذلك جعلت الاعتذار مكتوبًا، يمكن أن يأخذه البعض وثيقة، وكان يمكننى أن أتصل بالعالم الكبير تليفونيًا وأقدم له اعتذارى، لكن ولأننى كتبت عنه على الملأ، فإننى أقدم الاعتذار على الملأ، ودون تردد ولا خجل.
إن أمثال أحمد زويل قل أن يجود الزمان بهم، قد تكون له سماته وخصاله الشخصية، التي يتصرف انطلاقًا منها في اعتناق ما يشاء من أفكار، واختيار من يريد من أصدقاء ومعاونين، ولا يجب أن تكون هذه السمات والخصال مجالًا للحكم عليه أو محاكمته، لأننا لو فتحنا الباب أمام محاكمة الآخرين بسبب سماتهم وخصالهم الشخصية، فإننا نفتح الباب للآخرين أن يحاكمونا بنفس الطريقة، وعلى هذا الأساس، وساعتها سنكون جميعًا مدانين، ولن يسلم أحد من النقد، لأنه لا أحد منا معصوم من الخطأ.
لقد تم التأكيد خلال المؤتمر الاقتصادى على أن مصر تحتفى بأصحاب الإنجاز الحقيقى، وتجعل من يرغبون في الهدم والإساءة في الصفوف الخلفية، ولأن أحمد زويل من أصحاب الإنجاز الحقيقى ليس على المستوى المحلى فقط، ولكن على المستوى العالمى، فقد تم الاحتفاء به كما ينبغى، أما هؤلاء الذين أساءوا إليه، فلم يشعر بهم أحد، لأنهم اختاروا أن يعيشوا على جثث الآخرين، ولأننى تورطت في جزء مما جرى، فإننى أعلن خطأ ما فعلته.
ليس معنى ذلك أننى أنفى بعضًا مما جرى في مدينة زويل من مخالفات، ولا أنفى عن بعض من ورطوا الرجل في تجاوزات ومخالفات قانونية إثم ما فعلوه، لكننى أضع الأمر كله في سياقه الصحيح، فتعليق الجرس في رقبته وحده من باب الخطأ والتربص، الذي أسأل الله أن يعافينى منه.
اعترف لكم أن كثيرين منا ممن يحترفون الصحافة يدخلون بعض معاركهم الصحفية لأسباب شخصية، وفى الغالب هي أسباب تافهة تناسب تمامًا أقدار وأحجام أصحابها، وأعرف تماما أن الهجوم على أحمد زويل تم لأسباب كثير منها شخصى، وهو ما أوجب على إعلان اعتذارى، فالهجوم على الرجل لن يفيد أحدًا على الإطلاق.
كل ما أرجوه منه أن يقلب في أوراقه قليلًا، أن يعيد النظر في مشروعه، أن يتصالح مع من يختلفون معه على أسس واقعية وليست شخصية، وإذا كان هناك ما يستدعى الإصلاح، فلابد أن يبادر إليه على الفور، وليكن على ثقة تمامًا أننى لن أعترض طريقه مرة أخرى، إلا إذا كان هناك ما تستوجبه مصلحة الوطن العليا التي هي فوق رءوسنا جميعًا، فهذا واجب علينا وحق الوطن لا يمكن أن نتخلى عنه أبدًا.
ويا عزيزى الدكتور أحمد زويل، إذا كان هناك ما آذاك مما كتبته عنك في مرحلة سابقة، فإننى أعتذر عنه... هذا حقك علىّ وواجبى تجاه قرائى.