الإثنين 25 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

شيماء تنتحر بشنق سمعتها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
طبعاً أنا مهتم بالمؤتمر الاقتصادي بشرم الشيخ وسعدت بذلك الحشد الدولي هناك كتعبير جديد عن أهمية مصر بالنسبة للعالم، ولكنني في ذات الوقت مهتم أكثر بما حدث في قرية كفر علام، مركز منية النصر، دقهلية، هناك وقبل أيام انتحرت فتاة مصرية لم تتجاوز من العمر 21 عاماً، انتحرت بطريقة مبتكرة وبشعة وأمام الرأي العام وعلى الهواء مباشرة.
فتاة منية النصر اسمها شيماء، راحت بقدميها إلى قسم الشرطة والنيابة تشكو خمسة ذئاب غدروا بها، هي ليست ساذجة لنقول إنها لا تعرف أن كلامها الخطير في محضر الشرطة والنيابة يدفع بها إلى السجن وستخرج الذئاب خروج الشعرة من العجين، وهي تعرف أيضاً أن تلك الخطوة الموثقة ستلاحقها مادامت هي على قيد الحياة، ولكن ماذا تفعل الفقيرة في الواقع البشع ونداء المعدة الجوعى والكل غافل والدولة مازالت تحبو فتتكلم عن العدالة الاجتماعية ولا يرى الفقراء من كلامها شيئاً.
فالفقر الذي دفع الطفل عبدالمسيح قبل عدة أشهر لسرقة خمسة أرغفة وكان مهدداً بالسجن هو ذاته الذي دفع شيماء لسرقة عمرها ومنح جسدها الضعيف مقابل سد رمقها، وكان للواقعة أن تمر دون أن يعلم أحد وتتوارى القصة المخزية تحت أحجار الصمت، ولكن بقدميها راحت شيماء تفضح الجميع وتنتحر، نعم فضحتنا جميعاً باعترافها المذهل وسعيها لاسترداد خمسين جنيهاً فقط لا غير.
إحساس بالمهانة يداهمك وأنت تقرأ التفاصيل، وكأنها بدون وعي منها أرادت أن تصيبك بذلك الإحساس فأنت متهم معها بصمتك، وأنت مدان معها بتخاذلك، أما الحكومة فهي المجرمة والمتهمة الأولى في تلك الدعوى، لا تكلمني- ياحضرة الضمير الغائب– عن الشرف والكرامة بينما أنت أول من أعجبه ذلك الانتحار لتداعب خيالاتك المريضة كمعقد نفسي وتبحث عن مخرج للتنفيس عن ضغوطاتك.
فالمندهشون والساخرون من المرأة التي أبلغت البوليس عن خمسة شبان غدروا بها.. تركوا المصيبة الكبرى وتعلقوا في الشكل غير اللائق.. ألم تشعروا بمرارة في عمق القصة من واقع اجتماعي واقتصادي وثقافي وصل بتلك المرأة إلى تلك الحالة البائسة.. المندهشون يضحكون من شجاعة خصومتها لذلك الشباب التافه وكان الأولى بهؤلاء الساخرين أن يبكوا دماً بدلاً عن الدموع.. تقرأون عن هزيمة متحركة وانسحاق بشع للمرأة أمام واقع سخيف.. تبيعون الفضيلة والأخلاق كسلعة وأنتم أبعد ما تكونون عنها.
ليت القضية انتهت عند حدود التصالح الذي رأت نيابة منية النصر دقهلية أنه قد يغلق ذلك الجرح ولكن جاء أمر النائب العام، المستشار هشام بركات، بإعادة التحقيق ليدس الملح في الجرح من جديد، نعم أعرف وكلهم يعرفون أن ما أقدمت عليه ربة المنزل هو جريمة بحكم القانون، ولكن إذا ما لم ينقذ القانون المجتمع وتتعامل النيابة بروح القانون فقل على الدنيا السلام، فهل يُعقل بعد هذا الانتحار المجاني الذي أقدمت عليه فتاة منية النصر ان يفلت المتهمون من الدعوى ويتحولون إلى شهود، لن أتعجل في هذه النقطة وسأنتظر.
أتمنى من النائب العام أن يتخيل تلك الفتاة وقد نالت جزء من فُتات مؤتمر شرم الشيخ وأساله هل كانت أقدمت على ذلك الانتحار؟ إجابتي هي لا ... فالفقر ياسيادة النائب العام هو المتهم الأول والأخير فحاكموه وبعدها اسألوا شيماء عما فعلت، ويكفيها حتى لو تم سجنها أنها علقت الجرس في رقبة الجميع ليدق عالياً بأن بلادنا التي تستحق منا كل تضحية في الوقت نفسه نحن نستحق فيها حياة أفضل.