حصل هربارت سيمون Herbert A. Simon علي جائزة نوبل في الاقتصاد عام 1978، وتمثل إنجازه الرئيسي كما يشير تقرير تزكيته للحصول علي جائزة نوبل في صياغته لمفهوم "اتخاذ القرار التنظيمي organizational decision-making" و آليات اتخاذ مثل ذلك النوع من القرارات في ظل نقص المعلومات المتاحة.
وكانت جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002 من نصيب الأمريكيين فيرنون سميث Vernon Smith عالم الاقتصاد ودانيال كانيمان Daniel Kahneman عالم النفس، وأوضح بيان الأكاديمية أن الجائزة جاءت تقديرا لهما على أبحاثهما بشأن معطيات يمكن تطبيقها في مجال العلوم الاقتصادية. وأضافت الأكاديمية أن هذه البحوث رسمت خريطة المستقبل في البحث النفسي والتجارب المعملية في التحليل الاقتصادي، وأن بحوث عالم النفس دانيال كانيمان في جامعة برنستون قد أدت إلى إدخال مكتسبات الأبحاث في علم النفس إلى العلوم الاقتصادية و أنه يعتبر مؤسسا لميدان بحث جديد يختص بعملية اتخاذ القرارات في ظل ظروف ينقصها الوضوح حيث أثبت بطريقة منهجية كيف أن قرارات الأفراد يمكن أن تختلف عن توقعات النظرية الاقتصادية التقليدية، ويمضي بيان الأكاديمية مشيرا إلي أن أعمال كانيمان قد ألهمت جيلا جديدا من الباحثين في مجال الاقتصاد تمكنوا من إثراء النظرية الاقتصادية إذ أضافوا إليها مفاهيم من علم النفس المعرفي تتعلق بالحوافز التي تحرك الأفراد. لقد لاحظ كانيمان أن البشر كثيرا ما يعجزون عن التوصل إلي تحليل شامل لمكونات المواقف الاقتصادية التي تتطلب منهم اتخاذ قرارات معقدة، فيلجأون عوضا عن التحليل المنطقي إلي اتخاذ قراراتهم اعتمادا علي عوامل لم يكن الاقتصاديون التقليديون يضعونها في اعتبارهم، كالعدالة و الخوف من الخسارة و الأحداث التي سبق أن تعرض لها الفرد.
لقد ذهبت الجائزتان إلي اثنين من علماء النفس خرجا عن حدود التخصص الضيق واشتبكا مع تخصص آخر هو علم الاقتصاد، و لم تقم إسهاماتهما علي تصميم برنامج لتعديل السلوك بل قامت علي التوصل لنظرية لتفسير السلوك المركب تفسيرا قد يفتح الطريق لما لا نهاية له من تصميمات تطبيقية لبرامج تهدف لتعديل التخطيط الاقتصادي أو السلوك الاستهلاكي، و لكن تبقي النقلة النوعية متمثلة في ذلك الابتكار الذي يعدل مسار التفكير العلمي و الذي حرص كل منهما علي تأكيد أن ما أنجزه لم يكن بحال إنجازا فرديا بل كان بفضل جهد جماعي لفريق متكامل.
يتردد في مصر وبكثافة في الآونة الأخيرة مفهوم "الحكومة الإلكترونية" بمعني إعداد الدولة والمواطنين للاعتماد في تعاملاتهم مع الدولة ومع بعضهم البعض علي استخدام البطاقات الإلكترونية، ويدخل ضمن تلك التعاملات بطبيعة الحال استخدام بطاقات الائتمان في عمليات الشراء والبيع وسداد الرسوم إلي آخره، وتشير المؤشرات المتوافرة حتى الآن إلي إحجام العديد من المواطنين المصريين عن استخدام تلك البطاقات الائتمانية في تعاملاتهم سواء مع بعضهم البعض أو مع الجهات الحكومية, رغم ما للتعامل بتلك البطاقات من مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة لعل علي رأسها تقليل احتمالات تعرض الفرد لسرقة ما يحمله من نقود كاش، وإمكانية تأجيل سداد قيمة ما يشتريه إلي آخره. و رغم تلك الميزات فإن غالبية المصريين ما زالوا يفضلون التعامل المباشر بالنقود. يفضلون تقاضي مرتباتهم و مستحقاتهم نقدا, و يفضلون سداد التزاماتهم نقدا. مازالت "ثقافة الكاش" هي الثقافة المسيطرة علي الشارع المصري حتى الآن. لقد أصبح تعبير ثقافة الكاش CASH CULTURE من المصطلحات الشائعة في عالم اليوم, وهو يعني الميل إلي التعامل بالنقود في مقابل التعامل بالبطاقات الائتمانية.
والسؤال هو: هل من تفسير نفسي اجتماعي تاريخي لذلك العزوف عما هو أيسر إلي ما هو أصعب و أكثر مخاطرة؟
لم يعرف المصريون العملات الورقية "البنكنوت" إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولي, و لسنا بصدد الحديث عن دور بريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك في الترويج لتلك العملات الورقية وسحب الجنيهات الذهبية التي كان المصريون يتعاملون بها آنذاك؛ فهي قصة طويلة و مشوقة و لكن لا يتسع لها المقام. كل ما يعنينا هو الإشارة إلي نفور المصريين منذ البداية من فبول التعامل بالبنكنوت إلي حد لجأت معه السلطات إلي إلزام التجار بتسليك ما يرد إليهم من عملات ذهبية للبنك المركزي لاستبدالها بأوراق نقدية.
لقد ظل المصريون عبر تاريخهم الطويل ينفرون من التعامل مع البنوك حتى بعد أن سادت ثقافة البنكنوت بينهم. و لقد حاولنا من خلال رصد عدد من الدراسات المصرية الميدانية المتفرقة محاولة الإجابة علي هذا السؤال: لماذا تنفر الغالبية العظمي من المصريين من التعامل مع البنوك و استخدام بطاقات الائتمان؟ و نستطيع أن نلخص أهم ما انتهينا إليه علي الوجه التالي:
أولا:
ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية بين المصريين وهو ما يشكل حاجزا ماديا بين هؤلاء و بين التعامل مع البنوك.
ثانيا:
ثمة موقف ديني إسلامي متأرجح حيال التعامل مع البنوك باعتبار أن أموال البنوك بها شبهة الربا, مما يدفع بالكثير حتى من بين المتعلمين إلي تحاشي مثل تلك الشبهات.
ثالثا:
قصور البنية التكنولوجية اللازمة للتعاملات المالية الإلكترونية من آلات و هواتف إلي آخره.
رابعا:
يرتيط التعامل مع البنوك و ما يقتضيه من تسجيل لتلك المعاملات من اختراق للخصوصية الفردية, و هو أمر يثير حساسية الناس بعامة بصرف النظر عن طبيعة ما يحرصون عل إخفائه عن عيون الآخرين؛ ذلك بالإضافة إلي الخوف من الحسد لدي الكثيرين, و محاولة التهرب الضريبي لدي البعض.
وكانت جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2002 من نصيب الأمريكيين فيرنون سميث Vernon Smith عالم الاقتصاد ودانيال كانيمان Daniel Kahneman عالم النفس، وأوضح بيان الأكاديمية أن الجائزة جاءت تقديرا لهما على أبحاثهما بشأن معطيات يمكن تطبيقها في مجال العلوم الاقتصادية. وأضافت الأكاديمية أن هذه البحوث رسمت خريطة المستقبل في البحث النفسي والتجارب المعملية في التحليل الاقتصادي، وأن بحوث عالم النفس دانيال كانيمان في جامعة برنستون قد أدت إلى إدخال مكتسبات الأبحاث في علم النفس إلى العلوم الاقتصادية و أنه يعتبر مؤسسا لميدان بحث جديد يختص بعملية اتخاذ القرارات في ظل ظروف ينقصها الوضوح حيث أثبت بطريقة منهجية كيف أن قرارات الأفراد يمكن أن تختلف عن توقعات النظرية الاقتصادية التقليدية، ويمضي بيان الأكاديمية مشيرا إلي أن أعمال كانيمان قد ألهمت جيلا جديدا من الباحثين في مجال الاقتصاد تمكنوا من إثراء النظرية الاقتصادية إذ أضافوا إليها مفاهيم من علم النفس المعرفي تتعلق بالحوافز التي تحرك الأفراد. لقد لاحظ كانيمان أن البشر كثيرا ما يعجزون عن التوصل إلي تحليل شامل لمكونات المواقف الاقتصادية التي تتطلب منهم اتخاذ قرارات معقدة، فيلجأون عوضا عن التحليل المنطقي إلي اتخاذ قراراتهم اعتمادا علي عوامل لم يكن الاقتصاديون التقليديون يضعونها في اعتبارهم، كالعدالة و الخوف من الخسارة و الأحداث التي سبق أن تعرض لها الفرد.
لقد ذهبت الجائزتان إلي اثنين من علماء النفس خرجا عن حدود التخصص الضيق واشتبكا مع تخصص آخر هو علم الاقتصاد، و لم تقم إسهاماتهما علي تصميم برنامج لتعديل السلوك بل قامت علي التوصل لنظرية لتفسير السلوك المركب تفسيرا قد يفتح الطريق لما لا نهاية له من تصميمات تطبيقية لبرامج تهدف لتعديل التخطيط الاقتصادي أو السلوك الاستهلاكي، و لكن تبقي النقلة النوعية متمثلة في ذلك الابتكار الذي يعدل مسار التفكير العلمي و الذي حرص كل منهما علي تأكيد أن ما أنجزه لم يكن بحال إنجازا فرديا بل كان بفضل جهد جماعي لفريق متكامل.
يتردد في مصر وبكثافة في الآونة الأخيرة مفهوم "الحكومة الإلكترونية" بمعني إعداد الدولة والمواطنين للاعتماد في تعاملاتهم مع الدولة ومع بعضهم البعض علي استخدام البطاقات الإلكترونية، ويدخل ضمن تلك التعاملات بطبيعة الحال استخدام بطاقات الائتمان في عمليات الشراء والبيع وسداد الرسوم إلي آخره، وتشير المؤشرات المتوافرة حتى الآن إلي إحجام العديد من المواطنين المصريين عن استخدام تلك البطاقات الائتمانية في تعاملاتهم سواء مع بعضهم البعض أو مع الجهات الحكومية, رغم ما للتعامل بتلك البطاقات من مزايا اقتصادية واجتماعية عديدة لعل علي رأسها تقليل احتمالات تعرض الفرد لسرقة ما يحمله من نقود كاش، وإمكانية تأجيل سداد قيمة ما يشتريه إلي آخره. و رغم تلك الميزات فإن غالبية المصريين ما زالوا يفضلون التعامل المباشر بالنقود. يفضلون تقاضي مرتباتهم و مستحقاتهم نقدا, و يفضلون سداد التزاماتهم نقدا. مازالت "ثقافة الكاش" هي الثقافة المسيطرة علي الشارع المصري حتى الآن. لقد أصبح تعبير ثقافة الكاش CASH CULTURE من المصطلحات الشائعة في عالم اليوم, وهو يعني الميل إلي التعامل بالنقود في مقابل التعامل بالبطاقات الائتمانية.
والسؤال هو: هل من تفسير نفسي اجتماعي تاريخي لذلك العزوف عما هو أيسر إلي ما هو أصعب و أكثر مخاطرة؟
لم يعرف المصريون العملات الورقية "البنكنوت" إلا في أعقاب الحرب العالمية الأولي, و لسنا بصدد الحديث عن دور بريطانيا التي كانت تحتل مصر آنذاك في الترويج لتلك العملات الورقية وسحب الجنيهات الذهبية التي كان المصريون يتعاملون بها آنذاك؛ فهي قصة طويلة و مشوقة و لكن لا يتسع لها المقام. كل ما يعنينا هو الإشارة إلي نفور المصريين منذ البداية من فبول التعامل بالبنكنوت إلي حد لجأت معه السلطات إلي إلزام التجار بتسليك ما يرد إليهم من عملات ذهبية للبنك المركزي لاستبدالها بأوراق نقدية.
لقد ظل المصريون عبر تاريخهم الطويل ينفرون من التعامل مع البنوك حتى بعد أن سادت ثقافة البنكنوت بينهم. و لقد حاولنا من خلال رصد عدد من الدراسات المصرية الميدانية المتفرقة محاولة الإجابة علي هذا السؤال: لماذا تنفر الغالبية العظمي من المصريين من التعامل مع البنوك و استخدام بطاقات الائتمان؟ و نستطيع أن نلخص أهم ما انتهينا إليه علي الوجه التالي:
أولا:
ارتفاع نسبة الأمية الأبجدية بين المصريين وهو ما يشكل حاجزا ماديا بين هؤلاء و بين التعامل مع البنوك.
ثانيا:
ثمة موقف ديني إسلامي متأرجح حيال التعامل مع البنوك باعتبار أن أموال البنوك بها شبهة الربا, مما يدفع بالكثير حتى من بين المتعلمين إلي تحاشي مثل تلك الشبهات.
ثالثا:
قصور البنية التكنولوجية اللازمة للتعاملات المالية الإلكترونية من آلات و هواتف إلي آخره.
رابعا:
يرتيط التعامل مع البنوك و ما يقتضيه من تسجيل لتلك المعاملات من اختراق للخصوصية الفردية, و هو أمر يثير حساسية الناس بعامة بصرف النظر عن طبيعة ما يحرصون عل إخفائه عن عيون الآخرين؛ ذلك بالإضافة إلي الخوف من الحسد لدي الكثيرين, و محاولة التهرب الضريبي لدي البعض.