الإثنين 23 ديسمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

آراء حرة

تركيا.. عملية تجميل وشد؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثمة ما يدفعني إلى الربط بين مشاهد ثلاثة ظهرت فيها تركيا- مؤخراً- في المنطقة، أو في موضوعات تتعلق بها، كونها تفصح عن تغير نوعي في سياسات أنقرة، عماده محاولة استرضاء القوى الإقليمية والدولية الكبرى، والفصل بين موقف أنقرة من مصر، وتبعيتها المنسحقة للولايات المتحدة وإسرائيل، ومراعاتها- تماماً- لثقل السعودية وركائز مواقفها السياسية والأمنية والأخلاقية.
بعبارة أخري.. فإن تركيا تريد أن تتحصل موافقة أو مصادقة ضمنية من الغرب والخليج على أن ترك يديها حرتين في التآمر على مصر، في مقابل الطاعة المذلة لكل نواه القوى الكبرى وإلزاماتها.. وهو يبدو تخطيطاً فاشلاً ومرتبكاً إلى أبعد الحدود، ومجرد محاولة تركية للشد والتجميل والنفخ، وتقديم نفسها بشكل يسمح بالقبول من جانب الدول الكبرى، وبخاصة أنها تخشى استبعادها من الترتيبات الجديدة التي ستنبني على دخول إيران كطرف يؤثر في منطقة الشرق الأوسط بعد اتفاق يبدو وشيكاً بين طهران ودول (5+1).
نهايته..
رأينا تركيا في المشاهد الثلاثة التالية:
• تصريحات للرئيس التركي رجب طيب إردوغان في العاصمة السعودية الرياض التي يقول فيها أن (تركيا والسعودية متفقتان في كل شيء إلا مصر)!
• تصريحات أحمد داود أوغلو رئيس الوزراء التركي في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك يوم 6 مارس الجاري التي يقول فيها أن: (أنقرة تأمل في وجود إتجاه جديد في مصر، ومناخ أكثر تسامحاً.. وإن تركيا لا تعترف بمن يسجن محمد مرسي ويضع المعارضين في السجون.
• تصريحات عصمت يلمظ وزير الدفاع التركي في قاعدة بابشتيان قرب أربيل ومباحثاته مع وزير البشمركة الكردية مؤكداً أن تركيا ساندت الأكراد منذ اليوم الأول للغزو الداعشي للعراق.
هذه المشاهد الثلاثة تخبرنا- بقول واحد- بأن تركيا تواجه مأزقاً حقيقياً وأنها تعيد تكييف مواقفها بطريقة تمكنها من التقرب إلى القوى الكبرى، وأنها تود- حقاً- التقرب إلى مصر، لولا أنها أوغلت وغالت في التآمر عليها، وإرتكاب أعمال شديدة العدوانية ضدها تدخل في بند مساندة الإرهاب بكل إرتياح، ومن ثم يصعب عليها أن تتراجع، كما يستحيل علي أي نظام وطني في مصر أن يقبل- افتراضاً- تراجعها أو توبتها السياسية.
تركيا من خلال المشاهد الثلاثة التي عرضنا لها- تحاول تأسيس وتأكيد النقاط التالية:
• أولا: تدعيم العلاقة مع الأكراد عبر تدريب وتسليح البشمركة وإبقاء العلاقة مع الأكراد بعيدة عن حلم نشأة كردستان الكبري في (العراق وسوريا وإيران وتركيا)، إذ أن تركيا ترغب في علاقات متميزة بالأكراد تأمن معها أي مطالبات بأجزاء من جنوب شرق تركيا تنضم إلى تلك الدولة، لابل لعل المصالحة الكبرى التي تشهدها تركيا الآن بين حكومة حزب التنمية والعدالة وحزب العمال الكردستاني وزعيمه عبد الله أوجلان إنما تأتي في ظل تأمين عدم المطالبة الكردية بأراضي تركية، وبخاصة أن تلك المصالحة إشتملت على نصوص في الدستور تعترف بالأماني القومية وبالحقوق الاقتصادية والإجتماعية.
وبالإضافة فإن الاقتراب التركي من أكراد العراق- بالذات- أخذ شكل صفقة مصالح قذرة، تمثلت في سرقة الأكراد أثناء هوجة غزو داعش، لجانب من بترول كركوك (والبترول ثروة سيادية بحكم الدستور في العراق لا يمكن التصرف فيها إلا بأمر الحكومة المركزية في بغداد) وقد نُهب ذلك البترول وتم بيعه لشركة (بوتاس) التركية التي نقلته إلى ميناء (جيهان) في تركيا أو ميناء (عسقلان) في إسرائيل.
وفضلاً عن ذلك فإن تشابك المصالح التركية- الإسرائيلية التي تأخذ أبعاداً متعددة سواء في التسليح أو المناورات أو تزويد تركيا بأجهزة إليكترونية لها إستخدامات (مدنية/عسكرية) والتي يتم تركيبها- عادة- في الطائرات..هذا كله قطعاً يدعم علاقة الطرفين بالأكراد وبخاصة مع الروابط الوثيقة التي تربط كردستان- العراق باسرائيل منذ الغزو عام 2003، إذ صاحبت ذلك الوضع (ميدانياً في العراق) عملية لنشر شركات السياحة والبترول الإسرائيلية (وهي عادة واجهات لأجهزة مخابرات) وكذلك رجال أعمال إسرائليين في كردستان، وهو ما جعل حركة البيزنيس في ذلك الإقليم- الآن- مشدودة إلي خصر إسرائيل بشكل أو آخر.
ثم أن وجود تركيا في ملعب الأكراد يتيح لها تقديم إثبات إلي الولايات المتحدة والغرب علي أن تركيا لا تتقاعس في مواجهة تنظيم داعش أو مساندة التحالف الدولي ضد الإرهاب، وذلك عبر تدريب وتسليح البيشمركة- الكردية التي زار عصمت يلمظ قواعدها قرب أربيل.
ومن جهة أخري فإن تركيا تتمكن عبر تدعيم نفوذها مع الأكراد من مناوأة طهران وتحريض الأكراد علي إيران للمطالبة بحقوقهم، أو تحويل تركيز الأكراد إلى التضاغط مع إيران.
هذه التصورات التركية تبدو ساذجة جداً لأنها تتصور تثبيت جميع المتغيرات وتحريك متغير وحيد هو (تركيا)، وهو ما يستحيل في لعبة العلاقات الدولية، يعني إيران تتحرك تجاه الأكراد وتستميلهم ناحيتها عبر تقديم شحنات من السلاح إليهم، والغرب والولايات المتحدة لن يقبلوا من الأتراك في مواجهة داعش أقل من الحرب البرية المباشرة عليه، وليس الحرب بالوكالة عبر الأكراد.
• ثانياً: محاولة استمالة يهود مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك..إذ لما كان أحمد داود أوغلو رئيس وزراء تركيا هو أحد المتبحرين في المجال الأكاديمي فهو يعرف حق المعرفة أن مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك يتكون- في الأصل والأساس- من بعض رموز ونجوم اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلي ذلك النحو فقد راح يخاطب إجتماع مجلس العلاقات الخارجية يوم 6 مارس الجاري بخطاب مزدوج الأهداف، أحدها هو التظاهر بأنه يميل لبناء علاقة صحية صحيحة مع مصر، والثاني هو تعليق ذلك الاقتراب على شروط مستحيلة هي الإفراج عن مرسي وإطلاق إرهابي الإخوان المساجين علي ذمة قضايا..فضلاً عن عدم إعترافه بسلطة 30 يونيو في مصر.
والأمران- كذلك- فاشلان، وإختيار المنبر الأمريكي- في هذه اللحظة بالذات- غير موفق، كون تيار لا يستهان به في الولايات المتحدة الآن يستهجن الغباء الشديد الذي قادت به إدارة أوباما سياساتها تجاه مصر، والإستخدام الأبله للمعونات العسكرية كأداة ضغط، الأمر الذي دفع مصر- بسنادة خليجية- إلي تعزيز تنويع مصادر السلاح، وإبرام صفقة الرافال الفرنسية وصفقة الميج والسوخوي ومروحيات ميل الروسية، وبشكل يبدو أنه أحدث انقلاباً استراتيجياً حقيقياً في المنطقة، وراح يضغط لإخراج الولايات المتحدة من إقليم الشرق الأوسط.
الشيء الثاني- في هذا الإطار- أن تركيا (علي وجه الخصوص) ليست لاعباً محبوباً في الغرب كونها علامة مسجلة علي أفكار متحفية متخلفة مثل العثمانية، وهي كذلك حليف إقليمي لقطر ذات السمعة السيئة جداً في مجال مساندة الإرهاب.
وصحيح أن جزءاً معتبراً من أعضاء مجلس العلاقات الخارجية يساند حلف تركيا وقطر (من زاوية تحالفهما مع إسرائيل فقط)، ولكن ذلك لا يمنع من ظهور عدد كبير من رموز ونجوم تيار المحافظين الجدد في المجلس مثل أليوت أبرامز الذين هاجموا قطر-بقوة- لمساعدتها الإرهاب وهو ما صار تياراً مؤثراً في المجتمع الأمريكي كله تجلى أثناء زيارة أمير قطر تميم بن حمد مؤخراً، وكل ذلك أضعف من فرص رواج الخطاب التركي، وبخاصة- مرة أخرى- أن إفلات مصر من قبضة الولايات المتحدة أصبح- بوضوح- إحدي نقاط الضعف البارزة في السياسة الخارجية الأمريكية الحالية.
• ثالثاً: استعطاف السعودية.. وهي نقطة بدت شديدة الوضوح في تصريح إردوغان عند نهاية زيارته للرياض.
إذ حاول أن يشتري رضاء خادم الحرمين بالحديث عن إتفاق تركيا والسعودية علي كل شئ إلا مصر، محاولاً التهوين من أمر ذلك الخلاف.
وللمرة الثالثة فإن ذلك الخطاب التركي فاشل جداً ومرتبك لأنه لا يضع في إعتباره أن مصر كرقم في معادلة الشرق الأوسط، ومكون في منظومة أمن الخليج لا يمكن تحييدها (موضوعياً وليس علي المستوي الافتراضي) فهي موجودة في كل الموضوعات التي تخص المنطقة والتي تكلم فيها إردوغان مع السعوديين.
مصر موجودة في الملف الإيراني، وفي ملفات سوريا والعراق والأردن واليمن ولبنان.
مصر موجودة في شرق البحر المتوسط مع اليونان وقبرص.
مصر فوق هذا حليف مع أحد اللاعبين الكبار الأساسيين في منطقة الشرق الأوسط وهو (روسيا).
مصر- كذلك- في تداخل مصالح شديد مع أوروبا وفي تضاغط مصالح مع الولايات المتحدة وإسرائيل.
ولسوف يتعب إردوغان جداً إذا أستمر يفكر بتلك الطريقة البائسة التي يلح عليه فيها خاطر إبعاد مصر أو تجاهلها أو حصارها، فهي موجودة بحكم التاريخ والجغرافيا والحالة الثقافية، والوزن السكاني والعلمي، وعلى نحو لا يقدر إردوغان علي الوقوف إلي جواره بشكل مكافئ.
ومن ثم فإن خطاب أردوغان فشل كذلك في تجميل نفسه أمام السعودية التي يزداد حلفها مع مصر وباقي مجموعة الخليج العربي قوة في كل يوم، وتزداد المبررات الموضوعية وليست التعبوية والغنائية لإستمرار ذلك التحالف بشكل تتضاءل أمامه محاولات كتلك التي بذلها إردوغان من خلال تصريحه في الرياض.
الشد والتجميل التركي فشل- بجد- ولم تعد الماشطة تملك شيئاً أمام الوجه العكر!!