كما كان متوقعاً، لم يكتمل النصاب القانوني للجمعية العمومية لنقابة الصحفيين، نهار أمس، بالرغم من أجواء الحماسة التي سيطرت على المشهد، إلا أن ترجمة ذلك الحماس لحضور بالدفاتر لم يكن كما تشتهي السفن، وهذا الأمر ليس جديداً في تاريخ الجمعيات العمومية للصحفيين وغيرها من الجمعيات العمومية للمهن الأخرى خاصة تلك الجمعيات التي تنعقد من أجل استحقاق انتخابي.
ولكن هذه المرة شهدت النقابة زحاماً كثيفاً قدره البعض بأكثر من ثلاثة آلاف عضو سواء في السرادق المقام أمام النقابة أو في قاعات النقابة وطرقاتها، وبالرغم من ذلك لم يوقع في كشوف الحاضرين سوى ما يقارب ألف صحفي فقط، وهو ما يرمي بظلال شك حول شبهة تعمد لعدم إكتمال النصاب القانوني، ما يثير الأسئلة للبحث عن المستفيد من عرقلة الإنتخابات وترحيلها لأسبوعين قادمين.
المعروف هو أن تعطيل الانتخابات بالأمس سبقه محاولة أخرى لتعطيلها عن طريق القضاء الذي قضى بالفعل بتأجيلها منتصف الأسبوع الماضي ولولا الطعون العاجلة التي تقدم بها مجلس النقابة وإلغاء ذلك الحكم بعد صدوره بأقل من 48 ساعة لدخلت النقابة في نفق أسود لا يعلم أحد نهايته.
فهل نقابة الصحفيين مستهدفة في المرحلة المقبلة من تيارات مهزومة في الواقع المصري وتحاول بكل إمكانياتها تعطيل أي مؤسسة تطالها يداها؟
لو صح ذلك الافتراض فعلينا الانتباه جيداً، لقد وقعت النقابة سنوات طوالا في قبضة تحالف غير مقدس بين الإخوان ورجال دولة مبارك حتى أن القائم بأعمال النقيب في فترة ما كان رمزاً إخوانياً قُحاً وهو الزميل صلاح عبد المقصود المطلوب القبض عليه حالياً، كما وقعت في يد رمز آخر جاء منتخباً وهو الزميل ممدوح الولي، وكان التسلل إلى تلك المواقع قد مر بسنوات طوال من التحضير والتنسيق مع سلطة مبارك، وهنا من حقي كعضو بالجمعية العمومية أن أشير إلى إغراق جداول النقابة وترهلها بأعضاء يحملون الولاء لتنظيماتهم وجماعات مصالحهم قبل نقابتهم ومهنتهم.
وهذا ما يفسر ذلك الزحام الكثيف الذي شهدته النقابة أمس بدون أثر حقيقي في كشوف تسجيل الحضور، وفي ظني أن الجماعة الصحفية التي لم ولن أفقد الثقة فيها قادرة على الرد الحاسم يوم 20 مارس المقبل من أجل فرض إرادة الصحفيين في انتخابات حرة ديمقراطية تأتي بنقيب يعبر عنها في المرحلة المقبلة، وهنا يأتي دور النقيب ومجلسه الذي سيوكل إليهم الصحفيون مسئولية السنوات المقبلة، وسيكون حسب المعطيات الانتخابية واحدا من اثنين إما النقيب الحالي ضياء رشوان أو النقابي البارز يحيى قلاش.
ولقد ضرب ضياء وقلاش مثلا محترما في القواعد الشريفة للمنافسة، وهما من حسن الطالع ينتميان إلى مدرسة الوطنية المصرية الخالصة، وهو ما يجعلنا نرمي عليهما طموحات نعرف أنهما أهل لها، فمن المهم أولاً خروجهما من تلك المنافسة وهما أكثر إيماناً بوحدة الصحفيين لا شللية ولا تعصب وكذلك ترسيخ الفكرة الجوهرية أن التصويت لا يقلل من قدر أحدهما إذا أخفق.
وعلى الفائز منهما أن يدرس مع مجلس النقابة بدقة تلك المحاولات المشبوهة التي جرت قبل التصويت لتعطيل الانتخابات، وأقول هنا إن تلك الدراسة ليست من أجل الثأر ولكن من أجل النظر للأمام ومحاولة ترتيب البيت الصحفي بقواعد شفافة تجعل الأولوية للمهنة وترفض بكل قوة أي إبتزاز للقيد, ويكفينا سنوات سمعنا فيها أن الجدول غارق بمندوبي الإعلانات والسكرتيرات وموظفي الأمن بالمؤسسات، لا بد أن نواجه أنفسنا بشجاعة فالعملة الرديئة تطرد العملة الجيدة دائماً، والتاريخ لا يرحم الأيدي المرتعشة، لذلك أقول إن رد الاعتبار للصحفي ومهنته منوط بذلك المجلس والنقيب الفائز إن شاء الله، فلا يليق أن نسمع من الشارع أن الصحافة صارت مهنة من لا مهنة له، وأن مقر النقابة ليس إلا مقهى ودورة مياه يرتادهما كل عاطل بمنطقة وسط البلد.
أعرف أن ملف الحريات والتشريعات الصحفية مهم بل ومهم جداً، ولكن غض الطرف عن الصورة العامة للصحفي هي بداية الانهيار.