علي الرغم من أن الحادثة تبدو بسيطة، إلا أن دلالاتها بالغة العمق والإتساع، وأعني ذلك التهديد الذي بات يلاحق ملكة الجمال التركية السابقة مروة بوبو كسراتش (26 عاماً) بعد أن سخرت من الرئيس رجب طيب أدوغان علي نحو يعرضها للسجن أربع سنوات.
الحكاية أن البنت مروة كسراتش ألفت قصيدة ساخرة علي نهج النشيد الوطني التركي، ودارت كلماتها حول أعمال فساد واسعة، وأسمتها (قصيدة الأوسطي) إيماء إلي أردوغان الذي يلقبه بعض أنصاره (بويوك أوسطي) أو الأوسطي الكبير!
ولما حذرتها رفيقاتها عن مغبة فعلتها هرعت الفتاة مروة بوبو كسراتش إلي حذف مقاطع قصيدتها من فوق شاشة موقعها علي "فيسبوك"، محاولة تجنب المصير القاتم الذي يمكن أن ينتظرها جراء تعبيرها عن رأيها بتلك الطريقة.
والحقيقة أن حكاية البنت مروة بوبو كسراتش هي أحد تجليات الحالة السياسية الراهنة في تركيا، والتي راح فيها رجب طيب أردوغان يؤسس لطقس إمبراطوري يحيطه بمظاهر أبهة وعظمة بالغتين، كما يمتنع فيه على مواطنيه معارضته أو إبداء ما يسيئه من آراء!
نحن أمام رجل يتصرف- الآن- بعصبية بالغة ليثبت لنفسه أن حلمه لإحياء الخلافة العثمانية وبعث مجد الدولة التي نشأت علي يد عثمان باشا عام 1299، مازال في إطار تاريخ الصلاحية، وهو ما يناقض الواقع علي الكلية والتفصيل، إذ أطاحت ثورة 30 يونيو العظمي في مصر مجموعة من الكراكيب السياسية كانت علي وشك أن تتفسر واقعاً فوق الأرض، ومنها مشروع الشرق الأوسط الأوسع، ومشروع الخلافة الإسلامية للإخوان، ثم مشروع إحياء العثمانية، وباتت محاولة أردوغان- الآن- لنفخ الروح في فكرة تلك العثمانية النافقة، عملاً مستحيلاً، اللهم إلا في الشكل دون المضمون، ومن ثم أضحكتنا بأكثر مما أثارت انتباهنا.
والأكثر إضحاكاً- في هذا الإطار- هو مزج أردوغان بين فكرته لإحياء العثمانية، وطرح الإخوان الإرهابيين لمسألة الخلافة الإسلامية، وهو ما جاء كنتيجة للطبيعة السياسية والتاريخية التي يتسم بها حزب العدالة والتنمية وقد خرج أردوغان من عباءته، إذ تشكل ذلك الحزب كخليفة لحزب الرفاه الذي رأسه أربكان، وهو تلميذ سعيد رمضان الإخوانجي الهارب إلي ألمانيا منذ 1958 وزوج ابنة حسن البنا.
من هنا جاء خلط أردوغان بين (العثمانية) و(الخلافة الإسلامية الإخوانجية)، ومن هنا- كذلك- كانت المسخرة العظمي حين سقطت الاثنتان معا، وفي ضربة سياسية تاريخية واحدة اسمها ثورة 30 يونيو.
ومن- هنا- كذلك أصاب أردوغان مس من الجنون (بالمعني الطبي- فيما يبدو- وليس بالمعني المجازي)، فراح يتصرف وكأن حلمه لم يسقط، ودعم رئاسيته بزيادة مدة ولاية الرئيس إلي ست سنوات، وتعديل الدستور ليزيد من صلاحياته، واندمج في عملية غريبة جداً لإطلاق اسمه علي الجامعات وشركات المواصلات، وستادات كرة القدم، والعطور ومستحضرات التجميل، حتي وصل به الخبل إلي إطلاق اسمه علي نوع من السمك أسماه (رجب)، ونوع آخر من الزهور أطلق عليه نفس الاسم!، ورافق ذلك سعي محموم لضرب الخصوم السياسيين، أو رموز الجهات القضائية التي أوشكت علي ملاحقته وأنصاره قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي تحصل فيها مقعد الرئاسة بواحد وخمسين في المائة فقط!
وتوسعت عمليات الملاحقة تلك لتشمل القضاة وأعضاء النيابة الذين فجروا قضية منذ عام ونصف حول إدعاءات فساد كبري شملت أردوغان وأسرته وأنصاره، وسمعنا- وقتها- عدداً من التسريبات الصوتية بعضها لأردوغان مع إبنه بلال تتعلق بعمليات كبري لتهريب النقد، وإن نفاه أردوغان والدوائر الحكومية بعدها، فنحن نراه متسقاً مع كل ما رشح عن فساد ذلك السياسي وأسرته، وكان أوله ما سمعناه عن ابن أخته الذي زادت ثروته 150 مليون دولار في الأسبوع الأول لتولي أردوغان رئاسة الوزارة منذ سنوات، وآخره ما رأيناه من مظاهرات معارضة صاخبة في شوارع أنقره ضد بلال (ابن أردوغان) وفساده الذي زكمت رائحته الأنوف، وقد أراد أردوغان أن يضع هجومه علي المدعين بفساده أو علي المعارضة في نسق مقنع، فوضع كل أولئك في سلة واحدة أسماها (الكيان الموازي) وتشمل كل من يعارض (الأوسطي الكبير- بويوك أوسطي) وعلي رأسهم جماعة الخدمة الإيمانية ويتزعمها فتح الله جولن، ونسب كل من تبني التحقيق معه في جهازي النيابة والقضاء إلي تلك الجماعة أو الكيان الموازي، وأضاف أصحاب المواقع الإلكترونية وروابط التواصل الاجتماعي إليهم، وأغلق مواقعهم وزاد نصاً في الدستور يمكنه من إغلاق المواقع، وذلك بخلاف اعتقال الصحفيين وإغلاق وسائطهم المطبوعة أو المرئية.
وفي مثل تلك الأجواء التي أشاعها إردوغان وأذاعها، عاشت البنت مروة بوبو كسراتش، وإنفعلت- كمواطنة تركية- بكل ما يشعر به الأتراك، وبمقدار ما سمحت به ثقافة البنت الجميلة ذات العقد الثالث، وبمقدار ما إنسجم مع مزاجها وذوقها الشخصي، رأت أن تسخر من أردوغان الذي صار يعيش كسلطان عثمان ولكن دون سلطنة أو حتي عثمانلية!
وتلفتت البنت مروة حولها، فوجدت رئيس جمهوريتها المخبول، يتعثر متكفئاً في فساده ليبني قصراً رئاسياً رهيباً هو (آرك سراي- القصر الأبيض) والذي تربو تكلفته علي نصف مليار دولار، ويصمم شكل الحرس الرئاسي ليرتدي الملابس التاريخية للجنود الأتراك في العصور المختلفة، وليظهروا علي ذلك النحو الأنتيكة ضمن الأجواء والحركات التي كان إردوغان يودها أن تسود في بلاده أيام حلمه (بأحياء العثمانية).
وقررت مروة بوبو كسراتش أن تكتب قصيدة عن الفساد إستلهمتها من شخصية رئيسها المستبد الفاسد، وجاءت تلك القصيدة علي نهج النشيد الوطني التركي، وإستهول رفاقها المصير الذي ينتظرها، فحذروها من أنها ستواجه عقوبة السجن لأربعة سنوات بسبب تجاوزها مع الرئيس الذي لا يسمح لأحد بالمعارضة..وصار العالم كله يتابع قصة مروة الجميلة التي تواجه مصيراً غامضاً ملتبساً مع إردوغان الوحش المخبول أو الأوسطي الكبير (بويوك أوسطي)..قد نسي إردوغان في غمرة انهماكه لمطاردة مروة بوبو كسراتش أن (حرية التعبير) هي واحدة من أهم القيم الديمقراطية التي يتوخاها الإتحاد الأوروبي الذي تتوق تركيا لدخوله وأن تصبح واحدة من منظومة دوله، كما نسي الإتحاد الأوروبي في غمرة إنشغاله بالضغط علي مصر ورعايته لثقافة المعايير المزدوجة، أن ينبه الأوسطي أردوغان إلي أهمية إنضباطه فيما يتعلق بحدود (حرية التعبير) وأن يترك البنت مروة لحالها.
..........................................................
هذه السطور التي تنضح بكراهية (بويوك أوسطي أردوغان) أهديها إلي كل من ردد إمكانية صلح مصر وشعبها مع ذلك المخبول (في الأيام الماضية)، وإن رجعوا إلي ترديد نفس الأخبار الزائفة فسوف نعود إلي الكتابة عن الأوسطي فمازال لدينا الكثير نفشيه عن فساده واستبداده.
الحكاية أن البنت مروة كسراتش ألفت قصيدة ساخرة علي نهج النشيد الوطني التركي، ودارت كلماتها حول أعمال فساد واسعة، وأسمتها (قصيدة الأوسطي) إيماء إلي أردوغان الذي يلقبه بعض أنصاره (بويوك أوسطي) أو الأوسطي الكبير!
ولما حذرتها رفيقاتها عن مغبة فعلتها هرعت الفتاة مروة بوبو كسراتش إلي حذف مقاطع قصيدتها من فوق شاشة موقعها علي "فيسبوك"، محاولة تجنب المصير القاتم الذي يمكن أن ينتظرها جراء تعبيرها عن رأيها بتلك الطريقة.
والحقيقة أن حكاية البنت مروة بوبو كسراتش هي أحد تجليات الحالة السياسية الراهنة في تركيا، والتي راح فيها رجب طيب أردوغان يؤسس لطقس إمبراطوري يحيطه بمظاهر أبهة وعظمة بالغتين، كما يمتنع فيه على مواطنيه معارضته أو إبداء ما يسيئه من آراء!
نحن أمام رجل يتصرف- الآن- بعصبية بالغة ليثبت لنفسه أن حلمه لإحياء الخلافة العثمانية وبعث مجد الدولة التي نشأت علي يد عثمان باشا عام 1299، مازال في إطار تاريخ الصلاحية، وهو ما يناقض الواقع علي الكلية والتفصيل، إذ أطاحت ثورة 30 يونيو العظمي في مصر مجموعة من الكراكيب السياسية كانت علي وشك أن تتفسر واقعاً فوق الأرض، ومنها مشروع الشرق الأوسط الأوسع، ومشروع الخلافة الإسلامية للإخوان، ثم مشروع إحياء العثمانية، وباتت محاولة أردوغان- الآن- لنفخ الروح في فكرة تلك العثمانية النافقة، عملاً مستحيلاً، اللهم إلا في الشكل دون المضمون، ومن ثم أضحكتنا بأكثر مما أثارت انتباهنا.
والأكثر إضحاكاً- في هذا الإطار- هو مزج أردوغان بين فكرته لإحياء العثمانية، وطرح الإخوان الإرهابيين لمسألة الخلافة الإسلامية، وهو ما جاء كنتيجة للطبيعة السياسية والتاريخية التي يتسم بها حزب العدالة والتنمية وقد خرج أردوغان من عباءته، إذ تشكل ذلك الحزب كخليفة لحزب الرفاه الذي رأسه أربكان، وهو تلميذ سعيد رمضان الإخوانجي الهارب إلي ألمانيا منذ 1958 وزوج ابنة حسن البنا.
من هنا جاء خلط أردوغان بين (العثمانية) و(الخلافة الإسلامية الإخوانجية)، ومن هنا- كذلك- كانت المسخرة العظمي حين سقطت الاثنتان معا، وفي ضربة سياسية تاريخية واحدة اسمها ثورة 30 يونيو.
ومن- هنا- كذلك أصاب أردوغان مس من الجنون (بالمعني الطبي- فيما يبدو- وليس بالمعني المجازي)، فراح يتصرف وكأن حلمه لم يسقط، ودعم رئاسيته بزيادة مدة ولاية الرئيس إلي ست سنوات، وتعديل الدستور ليزيد من صلاحياته، واندمج في عملية غريبة جداً لإطلاق اسمه علي الجامعات وشركات المواصلات، وستادات كرة القدم، والعطور ومستحضرات التجميل، حتي وصل به الخبل إلي إطلاق اسمه علي نوع من السمك أسماه (رجب)، ونوع آخر من الزهور أطلق عليه نفس الاسم!، ورافق ذلك سعي محموم لضرب الخصوم السياسيين، أو رموز الجهات القضائية التي أوشكت علي ملاحقته وأنصاره قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة التي تحصل فيها مقعد الرئاسة بواحد وخمسين في المائة فقط!
وتوسعت عمليات الملاحقة تلك لتشمل القضاة وأعضاء النيابة الذين فجروا قضية منذ عام ونصف حول إدعاءات فساد كبري شملت أردوغان وأسرته وأنصاره، وسمعنا- وقتها- عدداً من التسريبات الصوتية بعضها لأردوغان مع إبنه بلال تتعلق بعمليات كبري لتهريب النقد، وإن نفاه أردوغان والدوائر الحكومية بعدها، فنحن نراه متسقاً مع كل ما رشح عن فساد ذلك السياسي وأسرته، وكان أوله ما سمعناه عن ابن أخته الذي زادت ثروته 150 مليون دولار في الأسبوع الأول لتولي أردوغان رئاسة الوزارة منذ سنوات، وآخره ما رأيناه من مظاهرات معارضة صاخبة في شوارع أنقره ضد بلال (ابن أردوغان) وفساده الذي زكمت رائحته الأنوف، وقد أراد أردوغان أن يضع هجومه علي المدعين بفساده أو علي المعارضة في نسق مقنع، فوضع كل أولئك في سلة واحدة أسماها (الكيان الموازي) وتشمل كل من يعارض (الأوسطي الكبير- بويوك أوسطي) وعلي رأسهم جماعة الخدمة الإيمانية ويتزعمها فتح الله جولن، ونسب كل من تبني التحقيق معه في جهازي النيابة والقضاء إلي تلك الجماعة أو الكيان الموازي، وأضاف أصحاب المواقع الإلكترونية وروابط التواصل الاجتماعي إليهم، وأغلق مواقعهم وزاد نصاً في الدستور يمكنه من إغلاق المواقع، وذلك بخلاف اعتقال الصحفيين وإغلاق وسائطهم المطبوعة أو المرئية.
وفي مثل تلك الأجواء التي أشاعها إردوغان وأذاعها، عاشت البنت مروة بوبو كسراتش، وإنفعلت- كمواطنة تركية- بكل ما يشعر به الأتراك، وبمقدار ما سمحت به ثقافة البنت الجميلة ذات العقد الثالث، وبمقدار ما إنسجم مع مزاجها وذوقها الشخصي، رأت أن تسخر من أردوغان الذي صار يعيش كسلطان عثمان ولكن دون سلطنة أو حتي عثمانلية!
وتلفتت البنت مروة حولها، فوجدت رئيس جمهوريتها المخبول، يتعثر متكفئاً في فساده ليبني قصراً رئاسياً رهيباً هو (آرك سراي- القصر الأبيض) والذي تربو تكلفته علي نصف مليار دولار، ويصمم شكل الحرس الرئاسي ليرتدي الملابس التاريخية للجنود الأتراك في العصور المختلفة، وليظهروا علي ذلك النحو الأنتيكة ضمن الأجواء والحركات التي كان إردوغان يودها أن تسود في بلاده أيام حلمه (بأحياء العثمانية).
وقررت مروة بوبو كسراتش أن تكتب قصيدة عن الفساد إستلهمتها من شخصية رئيسها المستبد الفاسد، وجاءت تلك القصيدة علي نهج النشيد الوطني التركي، وإستهول رفاقها المصير الذي ينتظرها، فحذروها من أنها ستواجه عقوبة السجن لأربعة سنوات بسبب تجاوزها مع الرئيس الذي لا يسمح لأحد بالمعارضة..وصار العالم كله يتابع قصة مروة الجميلة التي تواجه مصيراً غامضاً ملتبساً مع إردوغان الوحش المخبول أو الأوسطي الكبير (بويوك أوسطي)..قد نسي إردوغان في غمرة انهماكه لمطاردة مروة بوبو كسراتش أن (حرية التعبير) هي واحدة من أهم القيم الديمقراطية التي يتوخاها الإتحاد الأوروبي الذي تتوق تركيا لدخوله وأن تصبح واحدة من منظومة دوله، كما نسي الإتحاد الأوروبي في غمرة إنشغاله بالضغط علي مصر ورعايته لثقافة المعايير المزدوجة، أن ينبه الأوسطي أردوغان إلي أهمية إنضباطه فيما يتعلق بحدود (حرية التعبير) وأن يترك البنت مروة لحالها.
..........................................................
هذه السطور التي تنضح بكراهية (بويوك أوسطي أردوغان) أهديها إلي كل من ردد إمكانية صلح مصر وشعبها مع ذلك المخبول (في الأيام الماضية)، وإن رجعوا إلي ترديد نفس الأخبار الزائفة فسوف نعود إلي الكتابة عن الأوسطي فمازال لدينا الكثير نفشيه عن فساده واستبداده.