الجمعة 22 نوفمبر 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس التحرير
داليا عبدالرحيم

ميلاد وطن وصمود شعب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رغم دموية اللحظة والمشهد، إلا أن لحظة بزوغ الشمس باتت أقرب مما نتخيل، وهي لحظة متفردة، يدركها كل من أصابه الأرق يوماً، فخرج يرقب الليل الدامس، يجد نفسه محاطاً بظلام حالك، وفى لحيظة يفج النور ناعماً وقوياً، ويتبدد الظلام، ويبدأ يوم جديد.
ما نعيشه اليوم، هو لحظات ما قبل الشروق، بكل ثقلها وعتمتها وصراعها، وهي تتشبث بالبقاء، لكنها لا تقوى على الصمود، أمام شعاع نور يطاردها، من شمس كونية اختبرتها قبلاً شعوب وأمم، شقت طريق مقاومة الاستبداد، وكسرت قيود وأغلال عديدة، وانطلقت إلى رحابة الإنسانية.
اللحظة شديدة الوطأة على شعب مسالم، تشكل بفعل الزرع والنهر، عرف الإيمان قبل أن تغمره أنوار الأديان السماوية، وعندما طرقت أبوابه، وجدت عنده قبولاً، فقد عرف قيمها قبل آلاف السنين، ونحتها على قوائم بيته، وجداريات معابده، وأوراق بردياته، لذلك صار المعبد المصري كنيسة ومسجداً، يحملان أريحية المصري وحميمية إيمانه بلا تزيد أو تشدد، تتحول مناسباته الدينية إلى فعل فرح، متصالحة مع الحياة والبهجة.
ربما يفسر لنا ذلك لماذا قاوم المصريون جهامة الجماعات الإرهابية، رغم مغازلتها لهم بالدين، ويفسر لنا كيف انحسر الإرهابيون، رغم استماتتهم فى ترويع الشارع بعنفهم وسلاحهم، وتحالفاتهم مع المتربصين من خارج الحدود، فى مواجهة مصريين عزل يقابلونهم بصدورهم ويقينهم المصرى الثابت، كانت مواجهة بين الكراهية والوطن، كراهية تحرق وتقتل وتدمر، كنائس، أقسام شرطة، مؤسسات خدمية، مستشفيات، مبانٍ عامة، ومؤسسات خاصة، أماكن تحظى بحماية متفق عليها حتى فى الحروب، لكن الكراهية لا تعرف مواثيق أو عهود، حتى أنها تضرم نيرانها فى جمعية الهلال الأحمر، التى تأسست لتقديم العون والمساعدة لضحايا وجرحى الحروب والكوارث، على غرار جمعية الصليب الأحمر الدولية، والتي كانت محمية باتفاق المتصارعين والمتحاربين في الحرب العالمية، ولم تكتف جماعة الكراهية بهذا، بل اختطفت سيارات الإطفاء، وهي فى طريقها لإطفاء الحريق، الذى أُضرم فى بنك الدم الملحق بجمعية الهلال الأحمر، والذي ظل لساعات، لولا تدخل مدرعات القوات المسلحة، والتي تمسكت بضبط النفس، وفق قواعدها التي تحرم سفك الدم المصري، حتى لو كان لفلول الإرهابيين.
لم تعد المواجهة بين متمردين ودولة، أو جماعات إرهابية وقوات شرطة أو جيش، بل بين جماعات كراهية وشعب، نقلت لنا عبر شاشات الفضائيات، كيف انتصر الصدر العاري على السلاح والرصاص، كان الدرس قاسياً، أضاف لصدمة السقوط صدمات جديدة مع كل الحشد المستميت والمدعوم من قوى الشر العالمية وأجهزة استخباراته.
علينا أن نعيد ترتيب أوراقنا وتسمية الأمور بأسمائها، بعد أن تنقشع غيوم الكراهية ونسترد حريتنا، نكتب بثقة دستورنا، الذى يعيد الوجه المصري لمصرنا، يتصدره تأكيد المواطنة كأرضية تقوم عليها مسيرتنا، والنص على عدم قيام أحزاب على أساس ديني، فكفانا الزمن الذي أكله جراد التطرف الذى تحصن بهذه الأحزاب وتولد منها، دستور يؤكد على حرية الاعتقاد، ويغل يد المتطرفين عن مطاردة الضمائر، وفرض رؤيتهم المتعسفة على المواطنين، ويعيد تأكيد كلمات زعيم الأمة، “,”الدين لله والوطن للجميع“,”، دستور يعيد للدولة هيبتها المسؤولة والمُرَاقبة، عبر توازن حقيقي بين سلطاتها الثلاث، وعدالة تسود، وحريات تصان.
لنعد بعد أن نؤكد هزيمة الكراهية، إلى تجريم التطرف، ونعيد تنظيماته إلى مكانها الطبيعي خلف القضبان، فلا تصالح مع من روع الوطن، وأعلى مصالح تنظيماته الفاشية على مصالحه، وعلى رأس هذه التنظيمات، يأتي تنظيم الجماعة الإرهابية التي كشفت عن وجهها القبيح بسفور، بعد قرابة قرن من التخفي، وإظهار غير ما تبطن، والتي تعتبر مصر مجتمعاً جاهلياً ـ كافراً ـ وفق كلمات مؤسسها الثاني، دموي النزعة، سيد قطب 1906 ـ 1966، في كتابه (معالم في الطريق)، والتي تقول: “,”إن مهمتنا هي تغيير واقع هذا المجتمع الجاهلي من أساسه، وأولى الخطوات فى طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعدِّل نحن في قيمنا وتصوراتنا قليلاً أو كثيراً، لنلتقي معه فى منتصف الطريق، كلا، نحن وإياه على مفترق طرق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج ونفقد الطريق“,”.
لقد أدرك الشارع المصري، بكل أطيافه، قدر الكراهية التي تحتل صدر وذهن هذه الجماعة ومشايعيها، تجاه الوطن وتجاه الإنسانية، وأدرك الهزيمة الحقيقية التي منيت به، والتي تفسر حجم العنف الذي يحركها، وقد أيقنت هزيمتها واندحارها، لكن العالم الخارجي، وخاصة الغرب ـ أوروبا والولايات المتحدة ـ مازالت تحت سيطرة ماكينة إعلام الجماعة وتنظيمها الدولى، والذي صور لهم ما يحدث على كونه مواجهة بين نظام قمعي وشعب يفقد حريته، مستغلة صفقات بينها وبين الغرب، لخدمة مشروع تفتيت المنطقة، ومصر فى القلب منها.
الأمر يتطلب المسارعة إلى تشكيل مجلس إعلامي معلوماتي، يوجه طاقاته لمخاطبة العالم بلغاته، وعبر شبكات متخصصة، يعرض حقيقة الواقع وما يحدث فيه، مدعوماً بفيض التسجيلات المصورة بعد ترجمتها، ودعوة المراسلين والكتاب والمحللين السياسيين الدوليين، ومراكز الأبحات المتخصصة، لزيارة مصر، والوقوف على الواقع، حتى يفيق الغرب من خديعة إعلام الكراهية، وقلب الحقائق، لنضع أمام العالم الجرائم التي ارتكبتها جماعة الكراهية هذه، من ترويع الآمنين وقتل الأبرياء وحرق الكنائس وتدميرها، وقطع الطرق، ونحن نملك شبكة من المنابر الإعلامية المؤسسية، مصلحة الاستعلامات، ومكاتب الإعلام بالسفارات والقنصليات، والفضائيات الموجهة للفضاء الدولي والغربي، وبعثاتنا الدبلوماسية والتجارية والعلمية، وجمعيات الصداقة المصرية الأوروبية والأمريكية والكندية والاسترالية.
لنتحرك في الداخل والخارج لكشف جماعات الكراهية، حتى نحمي وطننا، ونعيد اعتباره، وتفكيك مؤامرة استهدافه، فنحن نملك الحق، والذي يحتاج إلى قوة وإصرار فى تأكيده، وتثبيت أركانه، في يقينية أن الأيدي المرتعشة لا تحقق أمناً.